بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 11.5.08
ستون عاما ونحن نكابد المطارده والمصادره والحصار والهدم والردم وحرث الزرع والتهميش والتوطين القسري والافقار مع سبق الاصرار والتجهيل والتغريب اللتي تمارسه الدوله الاسرائيليه بطريقه مبرمجه ضد عرب النقب وضد وجودهم الجغرافي والديموغرافي والحضاري والتاريخي في النقب,,,.. ستون عاما مضت حين هجرَّت وطردت العصابات الصهيونيه اكثرية عرب النقب من النقب حيث لم يتبقى من 66000 بدوي في النقب عام 1948 سوى 11000 نسمه طاردتهم وطاردت نسلهم واجيالهم وما زالت تطاردهم اسرائيل منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا, حيث قامت اسرائيل منذ عام 1948 بمصادرة اكثرية اراضي عرب النقب ومنذ السبعينات من القرن الماضي بتوطين اكثر من نصف عدد عرب النقب قسريا في مدن التوطين القسري في النقب بينما لا تعترف اسرائيل بوجود اكثر من 45 قريه بدويه في النقب وتحاول بشتى الطرق محو هذه القرى عن الوجود وتوطين سكانها قسريا في جيتوات ضيقه حددت مكانها ومساحتها اسرائيل بهدف حصر عرب النقب في حدود اصغر رقعه جغرافيه ممكنه والاستيلاء على اراضيهم ومنحها للمستوطنات والمستوطنين اليهود بهدف تهويد النقب نهائيا وفرض اكثريه سكانيه يهوديه في النقب الذي كان ومازال عرب النقب والعرب حتى عام 1948 هم سكانه الا صليين ويشكلون الاكثريه الساحقه من سكان النقب!!
لقد ازدادت وتزداد عام بعد عام ومنذ عام 1948 وحتى يومنا هذا جولات المصادره الاسرائيليه للأرض والحقوق العربيه سواء في النقب او الجليل او في اماكن التواجد العربي الأخرى داخل جغرافيا دولة اسرائيل, ولكن من اللافت للنظر ان اسرائيل تستعمل تكرارا ودوما مصطلح "التطوير والتحضير" كثيرا في تعاملها العنصري مع عرب النقب كغطاء لمشاريع الاحلال والمصادره اللتي تُمارسها ضد عرب النقب, وبالتالي جاء مشروع توطين بدو النقب تحت يافطة "التحضير والتطوير", لابل جاء ايضا للاستيلاء على مناطق عربيه شاسعه في الجليل والمثلث, ومحو المعالم التاريخيه للمدن الفلسطينيه" المختلطه" مثل يافا وحيفا وعكا وغيرهما والسؤال المطروح: لماذا تختبئ اسرائيل وراء اكذوبة "" التطوير"" في عملية تهويد مناطق الوجود العربي وخاصة في النقب؟؟
بالرغم من ان مناطق التواجد العربي داخل كيان اسرائيل كانت ومازالت بحاجه الى تطوير البنيه التحتيه ومستوى الحياه, إلا ان هذه المناطق كانت تُستثنى عنوه من مناطق التطوير والتفضيل الضريبي اللتي كانت ومازالت اسرائيل تمنحها لاماكن التواجد اليهودي, وبالرغم من وُجود عشرات القرى العربيه الفقيره في الجليل والنقب مثلا في وسط ومُحاذاة المدن والقرى اليهوديه,إلا انها [القرى العربيه] غالبا ما أسثنيَت بصوره عنصريه من منا طق التفضيل والتطوير وألامتياز الضريبي اللتي حظيت بها جاراتُها من مناطق يهوديه,. .... بالطبع هذا الوضع والاستراتيجيه الاسرائيليه طُبق حرفيا في النقب,, فقد عانت ومازالت تعاني اكثرية القرى العر بيه في النقب من التخلف الاقتصادي وغياب البنيه التحتيه, وبالرغم من هذا حظيت و تحظى كثير من المدن والمناطق اليهوديه فقط القريبه جُغرافيا من مناطق العرب في النقب, حظيت بمساعدات حكوميه للتطوير وموقع تفضيلي في الضرائب وتطوير البنيه التحتيه,, ولكن في هذه الحاله لم تُستثنى مناطق عرب النقب من من مشاريع التفضيل والتطوير الاسرائيليه فقط لابل ان اسرائيل سعت وتسعى الى تَدمير ماهُو قائم من قرى عربيه نقباويه من خلال التوطين والتهجير القسري والاستيلاء على الارض من جهه وألإهمال المبرمج للبنيه التحتيه في ما اقامتهُ اسرائيل من مدن ونقاط توطين قسريه يُعاني سكانها من الفقر والبطاله وغياب االبنيه التحتيه الاقتصاديه من جهه ثانيه وبالتالي لا بُد من التأكيد على ان التطوير الحقيقي بحد ذاته أمر جيد إذا وُظِف حقا وحقيقه لخدمة الجميع, ولكن التجربه التاريخيه علمتنا ان اسرائيل تعني المقلوب بمصطلح "التطوير" إذا تعلق الامر بالعرب. تعني حرفيا تدمير اماكن التواجد العربي يهدف تهويدها من خلال زرع الاستيطان والمستوطنات اليهوديه في امكن التواجد العربي!! وللتذكير وبعد ان قامت اسرائيل بتوطين اكثر من نصف عدد عرب النقب[1ما يقارب ال190000 نسمه] قسريا والاستيلاء على اراضيهم منذ السبعينات من القرن الماضي قام شيمعون بيرس قبل ان يصبح رئيس دولة اسرائيل بحشد دعم دولي وامريكي لما اسماه انذاك 2004 بخطة "تطوير النقب والجليل" التي هي في الحقيقه خطة تهويد النقب والجليل الراميه الى الاستيلاء على ماتبقى من اراضي عربيه في النقب والجليل!!
من هنا يبدو لي أنهُ من الضروره الحتميه فهم خلفية مشاريع شيمعون بيرس وحكومات اسرائيل المتعاقبه, من منطلق ما قام به حزب العمل من مُصادرة اراضي وسلب حقوق العرب وللمثال لا للحصر كانت مُلكية ماتبقى من قرى عربيه وسكانها[ 1948 ] في اسرائيل[بدون النقب] 1441.146 دونم من الاراضي,,لم يتبقى منها للعرب بعد المصادره والاستيلاء[في عهد بيرس وحزب العمل] في عام 1981 سوى 397.080 دونم,, مايتعلق بالنقب: تبلغ مساحة النقب الكليه 13 مليون دونم, وكانت ملكية الارض خاصة في النقب المركزي والشمالي تابعه لبدو النقب,وقد تقدم البدو في عام 1981 بمشروع "حل وسط" لتثبيت مُلكيتهُم وعيشهُم على اراضيهم الزراعيه على مساحة 2 مليون دونم,لكن الحكومه الاسرائيليه رفضت هذا الطلب وأصرت على مشروع التوطين القسري ومصادرة الاراضي العربيه في النقب, بالاضافه الى هذا إستغلت اسرائيل معاهدة كامب ديفيد مع مصر والدعم الأمريكي الاقتصادي في اتجاه المزيد من السيطره على الاراضي العربيه في النقب بحجة نقل المستوطنات و المعسكرات الاسرائيليه من سيناء الى النقب, حيث قامت اسرائيل عام 1979 بإعلان مناطق واسعه من الاراضي العربيه في النقب كمناطق عسكريه ومحميات طبيعيه, وطردالسكان البدو من هذه المناطق[ قرى ومضارب تل الملح والبحيره وغيرها],, وبالتالي كانت مُحصلة سياسة بيرس وشارون في عام 1981 بقاء 150000 دونم فقط تحت ملكية عرب النقب وقد تناقص هذا العدد الى حد كبير مُنذ عام 1981 وحتى يومنا هذا!!!
من الجدير بالذكر ان بعض قيادات بدو النقب قد تقدَمت [في منتصف السبعينات] بمشروع بديل للتوطين القسري لبدو النقب, يقضي بالإعتراف بالقرى العربيه في النقب كقرى زراعيه وتطويرها في هذا الاتجاه من ناحية الري والزراعه, إلا ان حزب العمل الحاكم أنذاك رفض هذه الفكره وأصر على التوطين والمصادره,,, وعمل على شق الصف البدوي المُتقدِم بالمشروع المذكور اعلاه !! وإنتهت القضيه عند هذا الحد والرفض الاسرائيلي,,, وبعد عملية " الانسحاب" الاسرائيلي المزعوم من غزه عاد د بيرس وشارون وفيما بعد اولمرت,و عادو ليختبأو تحت قناع " التطوير" ليستغلا الدعم ألإقتصادي الامريكي في اتجاه إنهاء مُهمة مصادرة الاراضي العربيه في النقب والجليل اللذي بدأها بيرس وحزب العمل قبل عقود!!! العجيب ان هذا البيرس يريد جلب مليون مستوطن يهودي للنقب وعلى حساب اراضي وقرى عرب النقب ويدعي أنَّهُ يسعى لتطوير النقب للجميع!!! الحقيقه ان بيرس وشار ونى من قبل واولمرت فيما بعد سعوا جميعا فقط لتحقيق الحلم الصهيوني وليس المساواه والعدل!! لاحظوا كيف تتعامل الصهيونيه مع الفلسطينيين ككل, تزعم بانها ستنسحب من ارض فلسطينيه في غزه او الضفه لتستولي على اراضي وقرى فلسطينيي الداخل وبدعم مالي امريكي!!
لقد لعب بيرس ومازال يلعب دور"الحمامه" والمُنَظِر الاجتماعي والاقتصادي ,إلا انهُ في الحقيقه مهد ويُمهد الطريق باسلوبه منذ امد امام سياسة ونهج شارون سابقا واولمرت حاليا اللذين نجح في تجنيد الدعم الامريكي الإقتصادي لما يُسمى بمشروع "تطوير النقب والجليل" اللذي ُروج لَهُ إعلاميا واكاديميا شيمعون بيرس ورفاقه من عرب مُنتميين لحزب العمل الاسرائيلي, او عرب خانتهُم الذاكره والمكان بأنهمُ ضحية التوطين والتهجير وسياسة بيرس وحزب العمل, او عرب كاريكاتوريين بفكرهم وممارستهُم وواقعهُم البائس ظنا منهُم ان التذبذب والانبطاح , وظنا ان شيمعون بيرس قد يكون عادلا بعد ان مارس هو وحزبهُ كل اشكال الظلم والخداع بحق عرب النقب اللذي يلعب اطفال بعض قُراهم في مجاري مياه مستوطنات " الشعب السيد" اللتي تشُق بمجراها واوساخها وامراضها وسط القرى العربيه في النقب!!! لماذا لم يُطور بيرس واولمرت وغيرهم سوى عقلية الاستيطان والعنصريه اللتي تُجيز مُنذ عقود ان يلعب طفل بدوي في مياه مجاري عادمه وقادمه من مستوطنات بيرس و اولمرت!! وما هو موقف هذا البيرس واولمرت من القرى العربيه والاراضي العربيه في النقب والجليل؟!! عليهم اولا ان يعترفوا بالقائم وبملكية الارض لاهلها العرب قبل ان يتحدث عن"تطوير" النقب والجليل!!! اخشى مانخشاه من ان حكومات اسراءئيل المتعاقبه وطباليهُم من عرب يريدون فقط ألإنقضاض عبر خديعة" تطوير النقب والجليل" على ماتبقى من ارض قليله للقرى العربيه في النقب والجليل , والحقيقه اننا لم نذكُر او اتَذَكَّر مشروع "تطوير" اسرائيلي في النقب والجليل إلا وكان عرب النقب والجليل اول ضحايا هذا المشروع!! ...دائما ودوما لا نرى من "التطوير" الاسرائيلي إلا البلدوزورات والجرافات اللتي تشق اراضينا و تجرفُها في طريقها الى تطوير القطاع اليهودي وخدمةمشاريع تهويد النقب الجاريه على قدم وساق منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا !!
دائما ودوما باعتنا حكومات اسرائيل السراب واالوهم والخداع, حيث يشعُر البعض المخدوع من بيننا بالسعاده للكلام العسلي!, وعندما يقترب موعد تنفيذ الكلام المُعسَل يَصفَعهُ السراب والوهم والهدم والمصادره ليكتشف انَهُم عَسَلوا الكلام و"الانسحاب" و"التطوير" ليأخذوا بيده ويزجُ به في مُعسكرات اللاجئين والتوطين القسري!!! ضبطا هذا ماتعنيه اسرائيل من شَق " التطوير" المُتعلق بعرب النقب والجليل,بمعنى واضح : تطوير القطاع اليهودي وتهويد الجليل والنقب وتوفير اماكن سكن للمستوطنين القادمين من غزه وغيرهم ليستوطنوا في مناطق تواجد فلسطينيي الداخل!
كان فلسطينيي الداخل وخاصة الجليل والنقب مُجتمع يعتاش على الارض والزراعه, والعجيب ان مشاريع" تطوير النقب والجليل" قد وفرت البنيه التحتيه ووسائل الانتاج الزراعي من مياه رَي وغيرها للمزارعين اليهود في النقب والجليل, بينما في المُقابل إدعت وتدَعي إسرائيل أنَهُ لا يوجد مياه ري وارض ووسائل زراعيه كافيه لاستمرارية الحياه الزراعيه في القرى العربيه ال 45 في النقب اللذي يطالب اليوم المجلس الاقليمي للقرى الغير معترف بها الاعتراف بها وهي القرى اللتي كانت وما زالت موجوده قبل وجود اسرائيل اصلا!!, وبالتالي ماجرى من مشاريع "تطوير اسرائيليه لحياة العرب وعرب النقب على وجه الخصوص هو سلب الارض ومُقومات الاقتصاد العربي وتحويل فلسطينيي الداخل وعرب النقب خاصه الى جيش من الباطلين عن العمل وطوابير من الفُقراء!!
من المؤسف القول ان مشروع اكذوبة "تطوير النقب والجليل" بالمقلوب قد قطع مشوارا لا بأس به منذ عقود في التزييف والتغريب والتوطين والتهويد, والواضح ان معنى " التطوير" بما يتعلق بعرب النقب من وجهة نظر اسرائيليه هو ان يدور الحديث العام العربي كما هو جاري عن لُقمة العيش الهاربه, و عن سعر الدولار والدينار والدار والفيلا والسياره كقيمه إجتماعيه وإقتصاديه من جهه, وينسى الناس[العرب] قيمة الارض والحضاره والتاريخ اللتي سرقتها ومازالت تسرقها مشاريع " التطوير" التهويد ألإسرائيليه من جهه ثانيه وبالتالي ماجرى ويجري منذ عقود هو عملية توطين وتغريب وتهجين قسري تستهدف الانسان والارض والهويه والقيم العربيه الوطنيه !!.. نكبة الارض والمكان ونكبة العقل البدوي بالجهل والتضليل!!
ما يجري في النقب ان عرب النقب ما زالوا في مرمى سياسة التهويد والسيطره على الارض العربيه في النقب... وهذا هو بالفعل الحاصل اليوم في النقب من نكبه ما زالت متواصله منذ اكثر من ستون عام... توطين.. مصادره...اقتلاع و هدم بيوت ومصادرة اراضي عرب النقب, ومحو قراهم ووجودهم التاريخي في ديارهم !!.يجب دق ناقوس الخطر في هذا المضمار!!! إنتبهوا ياعرب!! النكبه ما زالت متواصله ولم تنتهي في النقب, والنكبه في النقب تأخذ عدة اشكال ومناحي من بينها نكبة العقل العربي النقباوي بالجهل والتضليل!!.... تحية لعرب النقب وطنا ومهجرا واللي خلَّف ما مات!! والصراع مستمر على الارض والوجود!!!*