بقلم : د.شكري الهزَّيل ... 1.6.08
بداية لابد من التأكيد على حقيقه تاريخيه بِغظ النظر عن الواقع الراهن لرهط وواقع سكانها,وهي أن مشاريع توطين البدو في النقب كانت وما زالت مشاريع صهيونيه بحته ومن ضمنها ايضا نَشأة وتطور رهط اللتي تُعتبر اكبر مدينة توطين من جهه وتًعتبر المثال الحي على نجاح مشروع صهيوني جائر في حصر اكبر عدد ممكن من عرب النقب على مساحة ضيقه وصغيره من جهه ثانيه وبالتالي كانت ومازالت نشأة رهط وتطورها كمدينة توطين قسري, مرهونا بِمخططات الدوله الاسرائيليه واهدافها الراميه الى قَولَبَة[قالب] رهط وسكانها في قالب يُناسب تَوجُهات الدوله من الناحيه الجغرافيه والديموغرافيه والاقتصاديه والسياسيه.
من هُنا لم تكن نشاة وولادة رهط المدينه ولادة طبيعيه ونِتاج لِمخاض وتطور تاريخي من حيث قطع المراحل الطبيعيه بين البداوه والتحضُر المدني,بِمعنى قطع المراحل التاريخيه والاقتصاديه والديموغرافيه اللتي تَسبق عادة التَحول من نمط حياه الى نمط أخر, وماجرى هو ان ولادة رهط وغيرها من مدن التوطين في النقب كانت قسريه ومأساويه الى حد ان رهط المولوده قسريا كانت ومازالت مُعوقه ومُكبله بِكل اصناف التعسُف التاريخي والاجتماعي والسياسي اللذي يرقى الى مستوى إغتصاب نَشأة المكان والتاريخ وإقتلاع الانسان من جُذوره واستعماله كعَينه إختباريه في يد من قَرّروا وضع عرب النقب في مُختبرات الصناعه الاستعماريه في عملية شامله وكامله تهدف الى تَغيير المكان جغرافيا وديموغرافيا, وتَهجين الانسان اجتماعيا وتاريخيا...غابة الحجاره!!
نجحت اسرائيل ضمن مشاريعها التوطينيه والتهويديه بتغيير مكان ومساحة التواجد الجغرافي والديموغرافي لعرب النقب بشكل جذري من خلال الاستيلاء على اكثرية الاراضي العربيه في النقب وتوطين البدو قسريا في مساحات جغرافيه ضيقه من جهه وتغيير التركيبه السُكانيه من خلال زرع المستوطنات اليهوديه في اماكن التواجد العربي من جهه ثانيه ,ولكن مايهمنا في هذه المقاله بالدرجه الاولى هو وضع حالة الانسان العربي في النقب ورهط كمثال تحت المجهر وتسليط الاضواء على ماجرى من تهجين اجتماعي وتغريب حضاري وتَحنيط سياسي تَبدو اثاره وعواقبه واضحه في مسلكية المجتمع من الناحيه الاجتماعيه والحضاريه والسياسيه!!
كان الهدف الاسرائيلي من توطين البدو واضحا و وصفه مئير بتس 1966 في كتاب "ارض النقب" بوضوح "بِأنَّه بموجبه [التوطين] سيصبح البدو في الجنوب اللذين سيقطنون المُجمعات السكنيه السبعه القوه العامله في الخدمات العامه في المدن وغيرها خارج مكان سَكناهم ",ومئير بتس هذا كان مهندس لواء الجنوب وشأنَه شأن روبين فيسوكر [ اول رئيس بلديه مُعين لرهط] كان الاثنان من مُخططي توطين البدو ومن هَدَموا بيوت البدو في خطوه اولى نحو التوطين القسري وفرض مشاريع التوطين القسري كأمر واقع من خلال الترهيب والترغيب والاِغراء من خلال بِناء بيوت وحارات "حَضريه" اوليه في رهط وغيرها كعينه يَلْحق بها الاخرين كما جرى في رهط في بدايات تأسيسها وكما هو حاصل اليوم , إلا ان دور اخرين من الاحزاب الصهيونيه كان دورا سياسيا مُكملا للدور العملي المذكور اعلاه وهو بِناء حُلفاء محليين كقياده "سياسيه" لرهط مع ضمان استمرارية سيطرة الاحزاب الاسرائيليه وعلى رأسها حزب المعراخ من خلال خلق وبناء "قياده" سياسيه ترتكز بِالدرجه الاولى على التركيبه القبليه من الداخل وعلى دعم حزب المعراخ الاسرائيلي وغيره من الخارج.
من هُنا كان دور باروخ حكيم [ في بداية ومنتصف السبعينات من القرن العشرين] وهو من قياديي حزب المعرا خ في النقب وخاصة في القطاع العربي دور بناء وترسيخ "قيادات " سياسيه تقود رهط على اساس يضمن استمرارية السيطره الاسرائيليه المُباشره وغير المباشره على مجرى تطور الامور في رهط واهمها الحفاظ على التركيبه العشائريه والقبليه وتوظيفها في سبيل استمرار الحُكم الغير مُباشر للمعراخ من خلال الرموز اللذي بَناها ودعمها باروخ حكيم والمعراخ من خلال اختيار هؤلاء من ضمن العُمال والموظفين والسواقين البدو الذين عملوا في الكيبوتسات ومجلس بني شمعون المُجاور لرهط, وتعيينهُم فيما بعد كموظفين في رهط تحت قيادة فيسوكر [رئيس بلدية رهط الاول والمسؤول عن هدم العشرات من بيوت البدو في بداية السبعينات من القرن الماضي, ومن بينهن بيت والد ووالدة كاتب هذه الكلمات] وباروخ حكيم [ عضو حزب المعراخ و سكرتير ومُحاسب بلدية رهط انذاك] .
تركت حُقبة حُكم فيسوكر وحكيم [حتى نهاية الثمانينات من القرن العشرين] اثارها على رهط حتى يومنا هذا وخاصة بقاء التركيبه السياسيه في بلدية رهط تدور في حلقة ما أوْجَدهُ فيسوكر وحكيم من واقع سياسي بفرض رموز المعراخ قسرا كَ"قياده" وكمرشحين في انتخابات البلديه المتتاليه في رهط حتى يومنا هذا. ورغم ان الحركه الاسلاميه قد فازت في اول انتخابات [1988] تُجرى لبلدية رهط ألا أن جماعة فيسوكروحكيم شاركت قسريا وبدعم من المعراخ والعشائريه في حكم بلدية رهط من جهه وحافظت على بقاء جماعة فيسوكر في مراكز ووظائف مهمه داخل البلديه من جهه ثانيه وبالتالي كان الفرض القسري لِبقاء جماعة فيسوكر في البلديه رغم خسارتهُم الانتخابات بِمثابة تَرسيخ القاعده الاولى نحو تَحويل بلدية رهط الى مجلس عشائري وقبلي تماما كما أراد لهذا المعراخ وفيسوكر وحكيم !! هنا لابُد من الاشاره الى مُساهمة قيادة الحركه الاسلاميه في فرض الواقع العشائري من منطلق أن قيادة هذه الحركه سعت من خلال التحالفات الانتهازيه بكل ثمن الوصول الى كرسي رئاسة البلديه,وبالتالي يبدو جليا ان قياداة هذه الحركه اللذين تناوبوا السلطه مع جماعة فيسوكر والمعراخ قد خرجوا سياسيا وعمليا من رحم القبليه وعاشوا في اطرها السياسيه رغم أختبائهُم وراء المرجعيه الدينيه والسياسيه,بمعنى اندماج الحركه الاسلاميه بشكل كامل مع النهج العام للتحالفات القبليه والعشائريه والمسلكيه العامه للتعبئه السياسيه القبليه.
لم تكن السياسه الاسرائيليه معنيه في يوم من الايام بِدمقرطة وازدهار مدن التوطين سياسيا وحضاريا في اتجاه وحدة المُجتمع وزيادة وعي الافراد بِحقوقهم الديموقراطيه والانسانيه, ولم تكُن ايضا معنيه في بناء مجتمع واعي ومُسَيَّس في اتجاه فرض الحقوق وترسيخ مبدأ العداله الاجتماعيه وحقوق الانسان والمرأه لابل عملت على عكس هذا في اتجاه التهجين المُبرمج من خلال خلق شيوخ قبائل يبدو حَضريين في الشكل وقبليين في الفحوى والمسلكيه السياسيه كما هو جاري اليوم وحاصل في رهط وتركيبة المجلس البلدي اللذي رسم المعراخ وفيسوكر وحكيم معالمه القائمه على التحالفات العشائريه وتقسيم الوظائف والمهام على اساس قبلي بحت بِغظ النظر عن المؤهلات المهنيه والسياسيه.وهذا مايعني ان ما إختارهُ فيسوكر وحكيم من سواقين وعمال أُميين وشبه أُميين لإدارة شؤون رهط مازال قائما حتى اليوم وكان القصد منهُ ترسيخ موقع القبليه ونهج فيسوكر في بلدية رهط من جهه وترسيخ الجهل والتجهيل والحيلوله دون قيام قوى سياسيه بديله من جهه ثانيه وبالتالي تُثبت عملية مسح بسيطه لمؤهلات من يتبوأون الوظائف المُهمه في رهط أن الاكثريه غير مؤهله مِهنيا وعلميا للوظائف التي تشغرها ناهيك عن ظاهرة الأميه الواضحه والمُستتره والمُنتشره بين هؤلاء من جهه وتُثبت أن تقسيم الوظائف إعتمد على اساس قبلي وعشائري يُشبه الى حد كبير دور المعازِيب في شِق شيخ القبيله من جهه ثانيه.
يبدو جليا ان التكتيك المعراخي قد بدأ يَتغيَّر منذ منتصف التسعينات من خلال اللعب على حبال استبدال نفس الاشخاص في مناصب اومواقع الترشيح لبلدية رهط تحت مُسميات جديده واحزاب جديده تبدو شكليا واسميا أنَّها خارجه عن مظلَّة المعراخ وقاعدة فيسوكر وحكيم ومختلفه في الطرح والبرنامج السياسي,ولكنها في الحقيقه تدور في فلك المعراخ رمزا ونهجا وشخصا وذلك على الرغم من عبثية الاسماء من "رهط العروبه" الى رهط القبيله وكذبة " الاصلاح والتغيير" وغيرها من اسماء لقوائم وحركات قبليه ,وبالتالي ما رايناه في انتخابات بلدية رهط 2003 وما سنراه في الانتخابات البلديه في رهط[عام 2008 ] وهو نفس النهج مع تغيير وجوه الاشخاص[ طكاتره ووجهاء وأُميي قبائل وعائلات] اللذين يختبئون تحت اسماء احزاب قبليه جديده رغم انَّهم بِالامس وقبل امس للمثال لا للحصر كانوا اعضاء في حزب واحد وحركه واحده... القائمتين و الحركتتين المتحالفتين في الوقت الراهن في حكم بلدية رهط هما نتاج مباشر لحزب المعراخ الاسرائيلي شكلا وفحوى واشخاصا !!.
هُنالك اتفاق ضمني بين اجنِحة حزب المعراخ التي تطلق على نفسها اسماء وهميه ورنانه لِكي تبدو مُختلفه في الطرح والبرنامج ,بينما الحقيقه التاريخيه تَقول ان مرجعية هذه الاحزاب من الناحيه السياسيه هي خط االمعراخ السياسي,وقاعدتها الانتخابيه هي العائليه والعشائريه اللتي تتجلى في حقيقة ارتكاز الشيوخ المُهجنه على حارات يقطنها عائلات هؤلاء الشيوخ "المُرشحين ديموقراطيا !!" رغم طَرحَهُم انفسهُم كمُمثلين لرهط وهذا ما يَضحدهُ واقع التركيبه القبليه في بلدية رهط!!
من هُنا يبدو جليا أن انتخابات بلدية رهط ونتائج الدوره السابقه لعام 2003 للمثال لا الحصر لم تُرضي انذاك ما يُسمى بالمعارضه, وهي معارضه عدميه في الفحوى والشكل, وهذه المعارضه اللتي تُطلق على ذاتها زورا وخداعا اسم" الاصلاح والتغيير" كانت طرفا وجزءا لايتجزأ من من قد رَسَّخو قبلية وعشائرية المجلس البلدي في رهط وبالتالي ما حصل في رهط " كذبة إقرار الميزانيه لعام 2005" وتقسيم الغنائم فيما بعد بين احزاب وقوائم معراخيه هوتحالف بين شلل وقبائل تميل الى نزعة الانتقام القبلي وعُقدة تصفية الحسابات الشخصيه والقبليه مع هذا المُرشح اوذاك تحت ذريعة مصلحة رهط اللتي لا علاقه لها حقيقيه مع ما جرى وسيجري من تحالفات سابقه وقادمه غَلَبَت وستغلب عليها صِبغة الطُموحات الشخصيه والقبليه وليس الانضباط بِالمرجعيه السياسيه!!!!
أننا نرى أنَّهُ من المُهم جدا الخوض في التحليل الفكري لِمعنى الولاده القسريه للفكر السياسي السائد في رهط من منطلق تحليل ولادة رهط القسريه وعلاقتها في ولادة نمط سياسي مُشوَّه وقسري حاله حال نَشأة رهط الجغرافيه والديموغرافيه في ظل مجتمع سادت فيه التركيبه القبليه مُنذ عُقود من الزمن مع الا خذ بِالحسبان ان السياسه كفكر ومُمارسه تَحتاج الى تُراث فكري وحضاري لم يكن في مُتناول عرب النقب لإسباب تاريخيه وسياسيه,وبالتالي لم تكن هُنالك مراحل محروقه في تطور رهط الاجتماعي والاقتصادي فحسب لابل ايضا في تطور الفكر السياسي اللتي لم ينضُج ولن ينضُج في ظل تَخلف قبلي وفكري اختلط فيه حابل االتخلف الفكري بِنابل فكر انتخابات "ديموقراطيه" تبدو هجينه ودخيله على مُجتمع قبلي لا يعلو فيه صوت الحق والعداله على صوت القبيله ومن يُمثلها من انتهازيون ومُهجَّنون يختبئون تارة وراء "الديموقراطيه" وأُخرى وراء "المرجعيه" الدينيه !!!.. لاتبدو اليوم بلدية رهط اكثر من مجلس عشائري يتقاسم السلطه فيما بينه ويعيد او يُعاد انتخابه كل عدة اعوام بجعجعه ديموقراطيه وطحين وواقع قبلي في غابة من بيوت الحجاره وصحراء العقول.....واخيرا وليس اخرا يبدو ان حَتمية فكر المَنبَّت والمصدر جعلت من حتمية ولادة المجلس العشائري في رهط في ثوب بلديه و"ديموقراطيه" شئ عادي ومن رحم الوادِي!!...هكذا تداخلت الامور على الناس وعلى الواقع حيث اختلط حابل الدرجه العلميه بنابل القبليه والانتهازيه وفي المحصله عد رجالك ونساءك وارد الانتخابات...انتخابات مشوهه وقسريه حالها حال رهط نفسها لابل حالها حال من ضاعت رعيته ومبادئه في صحراء التوطين الاسرائيلي القسري...نرجو ان لايزاود القبليون باكثر من زادهُم وواقعهُم الوطني المأساوي على النقب ارضا وبشرا.... النقب اليوم فيه فرز بين الصائب والخائب ولعلنا نسعى الى توطين الذاكره في عقول من خانتهم الذاكره,, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته!!