بقلم : رولا عيسى ... 30.05.2009
ملعب طفولتي، بيتنا الذي كبرت فيه مع أخوتي ذكورا وإناثا.. لعبنا وركضنا في الحقول المحيطة به، نصبنا اراجيح ايام الصيف القائظ تحت أشجاره ولعبنا أيام البرد القارس وحوّلنا الوحل الى أشكال وأشكال، فتحنا سواقي لمياه الامطار واحمرّت ايدينا وتقشّبت، تدحرجنا على بساط الربيع وقطفنا الازهار.
كبرنا وتزوجت.. ومع مرور الأيام أصبحت ذاكرتي تشدّني بحنين الى تلك الحفافي والأشجار حتى الحجارة.
أعرف تضاريس الارض، وأشكال الاشجار، محفورة في ذاكرتي البعيدة.
حنيني لها كحنين أي منا الى ماضي طفولته مع الجدران والنوافذ العالية، مع الأخوة والأخوات حيث تقاسمنا كل شيء حين كنا صغارا، بدون أنانية.
سألت نفسي: كيف يكون كل شيء للذكور فقط من اخوتي؟! وهل حاجتهم واهتمامهم بهذه الممتلكات أكثر من حاجتي واهتمامي؟
بالطبع لا.. لكن هل فكّروا يوماً بحاجتي المالية؟ أم أنهم قد تركوني لمصير مجهول متعلق بزوجي.. في حال تزوجت؟
لن أحصل على شيء من ميراثي! هكذا تجري الامور في الواقع.. والمبررات يعرفها الكل، وتقول بها أمي قبل أبي.
فالمجتمع الذي أعيشه له تاريخ فقر ومعاناة مادية واجتماعية.. وجرت العادة بعدم توريث المرأة إذ لم يكن يوجد شيئ يورث من الأصل، وان وجد فما ستخسره من إرثها ستكسبه مع زوجها مما انحرمت منه اخواته.. وهكذا..
تفحّصت ماحولي فوجدت بعض الحالات القليلة التي جرت فيها الأمور على نحو مختلف. وقام الأب بإعطاء بناته حصة من الإرث.
فلان أعطى كل من بناته حصّة، وقد كنت أعرفه رجلا يحكي الكثير من النوادر والأحاديث التي تشدّك، كان مثقفا في زمن كان العلم والثقافة حكرا على قلّة.
فلان أيضا أعطى بناته حصصا.. وهو قد عاش ردحا من الزمن خارج محيطه.. وتعلم فيه أن ينظر نظرة عادلة لكلا الجنسين.
تلك اعطاها أباها لأنها لم تتزوج، وغيرها أعطاها لأنه يملك الكثير وعقله منفتح.
وأيضا رأيت الكثيرات بعد موت الأبوين يجري تسجيل كل الممتلكات للذكور، حتى بيت العائلة.. ويصبحن في بيتهن ضيفات ثقيلات، لهن حدود لاقامتهن! كيف حدث ذلك؟
الوضع المذكور شجّع البعض على إعطاء حصّة للبنت لا تأخذ الشكل الذي نصّ عليه الشرع.. لا بأس بذلك أمام واقع الحرمان العام للبنت من الإرث.. ولو حدث وطالبت بحصتي فلن يسعد هذا الامر أخوتي ولا زوجي!
سأبتعد عن العواطف وأنظر الى الوجه الاجتماعي للموضوع:
بغض النظر عما إذا كانت ملكية الأهل هي أصلا من ورثة سابقة مسبقآ، فما جمعوه بالكد والتعب، وخاصة في الأرياف ( حيث العمل الزراعي هو السائد) ساهمت فيه الأم، وساهمت فيه الأخت أيضاً.
الأخ يضع في حسبانه ماسيرث من ضمن مقدراته المالية المستقبلية، مما يعطيه اطمئنانا ماليا، وقد يزيد من رصيده عند تقدمه للزواج! وبالمقابل، تجد الأخت، سواء تعلمت أم لم تتعلم، نفسها خارج هذه المعادلة. فهي لا تعد نفسها بشيء من هذا الإرث! وحين تخرج من بيت ذويها، إذا خرجت، تكون صفر اليدين إلا ما "يمنون" عليها به! ليس لها شيء حتى مما تعبت في تحصيله وتجميعه أثناء مشاركتها الأسرة في عملها! وتعبها وجهدها منسيين عند الغالبية من الناس..
الإرث ليس مجرد منافسة على الأملاك.. بل هو، حين يعطى للمرأة، قد يغير من حياتها كلها، فهو سيحقق:
- تأمين مصدر دخل دائما لها.
- مصدر استقرار نفسي من غدرات الزمن (المرض –العجز).
- قد يعجل في زواجها.
- يعلمها كيفية البحث عن تحسين عوائده عليها وكيفية إدارته بالشكل الأفضل.
- يساعدها على اتخاذ قرارات صعبة عندما تضطر لحلول مثل الطلاق.
- يساعدها في الحصول على قروض ميسرة.
كل هذ ه المعطيات لا يعيرها الأهل أي اهتمام! فمثلا، في المنطقة التي أعيش فيها، لم تصل نسبة العطاء (تقديم جزء من الإرث كهدية أو ما شابه، وليس كحق) 10% كمنح.. بينما تقارب نسبة من يحصلن على حقهن في الإرث0 % !
أثار هذه التداعيات في ذهني حالة صادفتها قبل فترة قصيرة. صبية متزوجة شاهدتها وأبيها في مكتب عقاري، وكان يقوم بتثبيت حصتها من الإرث، وحصة أختيها!
سألتها عن رأي أخوتها الذكور فقالت: راضون تماما (فهما قد أخذا الحصة الأكبر)، أحد الأصهرة تمنّع في البداية، قد يكون السبب رغبته بعدم فتح الباب لأخواته بأن يحصلن على إرثهن ايضا، وليس زهدا بحصة زوجته! ثم تراجع عن موقفه بضغط من أخوة زوجته.
سردتُ هذه الأحداث أمام مجموعة شباب، فبدا الاستغراب عليهم. فهم يعرفون الأب، ولم يكونو يتوقعون أن يقوم بذلك. لكن الرضا بان على وجوههم مما فعله.
مع ذلك، لاحظت في عيون بعضهم نظرة مختلفة كأنها تقول: (نحن لا نريد ذلك، لا نريد أن يقاسمنا الصهر بإرثنا)، كما لو أن الإرث هو لـ"الصهر" وليس لأختهم!