أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
هذه هي الديمقراطيّة الفلسطينيّة!!

بقلم : رشاد أبو شاور  ... 02.09.2009

يُباهي رسميون فلسطينيون بـ(الديمقراطيّة) الفلسطينيّة، ويشتطون بالمباهاة حد التشوّف على (العرب)، تحديدا على نظم الحكم العربيّة التي لا يتاح فيها للمواطن الترشّح، والاختيار عبر صناديق الاقتراع!
الحق أن هذه الديمقراطيّة الفلسطينية تبز الديمقراطيّات الشقيقة في تجاوز الدساتير التي وضعها قانونيون ضليعون في معرفة دساتير الدول الديمقراطيّة، وتطورها، وما يكفل مشاركة الإنسان العربي في صنع حياته، وما يُغني نمو وتطوّر عملية المشاركة الشعبية، وما يصون المؤسسات، ويحمي من الاستبداد، والفرديّة، والفساد بكافة أشكاله.
ولأنني لن أضيف إلى ما كتبه الدكتور أنيس القاسم في دراسته المنشورة في 'القدس العربي' يوم الثلاثاء 25 آب (اغسطس)، أي قبل عقد جلسة مُلفقة غير دستورية لاستكمال ثلث أعضاء اللجنة التنفيذيّة الراحلين، بيوم واحد، والتي تحمل عنوانا لافتا (الشرعية الفلسطينية في خطر)، فإنني أحيل القرّاء إلى تلك الدراسة التي كتبها رئيس اللجنة التي وضعت الميثاق الوطني الفلسطيني، ورئيس اللجنة التي وضعت النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ليروا فداحة تجاوز ذلك النظام.
في دراسته التحذيرية، وبعد كشف مخالفة النظام الأساسي، وهو ما سيضعف الشرعيّة الفلسطينيّة المكتسبة دوليا، تمنّى الدكتور القاسم على رئيس المجلس الزعنون أن يؤجّل جلسة يوم الأربعاء 26 برام الله، والإعداد لجلسة بجدول أعمال شامل.
عُقدت الجلسة، وشاركت رئاسة المجلس، وتمّ انتخاب الأعضاء الستة على أساس: واحد عن فتح، واحد عن حزب الشعب، واحد عن فدا، واحد عن نصف جبهة النضال الذي كان يقوده الدكتور سمير غوشه، والذي التحق بالسلطة...
منذ انتهت المرحلة الانتقالية التي قاد المنظمة فيها الأستاذ المرحوم يحي حمّوده، استولت الفصائل بقيادة حركة فتح على مؤسسات المنظمة، وبدأت مرحلة تقاسم: المجلس الوطني الفلسطيني، اللجنة التنفيذيّة، المنظمات الشعبيّة، وكل بحسب حجمه، وبحسب رضا الفصيل الكبير (فتح).
المجلس الوطني الفلسطيني الذي تألّف من شخصيات وطنية فلسطينية بغالبية أعضائه، وببعض أعضاء الفصائل التي كانت في طور التأسيس، وفي مرحلة السريّة، تمثلت ببعض الأعضاء، بخاصة فتح، وجبهة التحرير الوطني الفلسطيني (الأستاذ شفيق الحوت).
من يقرأ تاريخ العضوية في منظمة التحرير الفلسطينية سيكتشف بيسر أن المجلس اُُغرق بالأعضاء المنضوين تحت رايات الفصائل، وخصوصاً فتح، و..الجبهتين الشعبيّة والديمقراطية، والصاعقة، والقيادة العامة، وجبهة النضال، والعربية، وجبهة التحرير الفلسطينيّة، و..أعضاء يوصفون بالمستقلين في حين انهم تابعون للفصائل وبحجم تأثيرها، ووزنها العسكري والسياسي، وبدعم أطراف عربية لبعضها.
الحجّة كانت دائما أن انتخاب أعضاء المجلس في التجمعات الفلسطينيّة أمر متعذر ـ رغم أنه ميسور في بعض هذه التجمعات ـ وأيضا بادعاء أن الفصائل هي التي تقود الكفاح الوطني، فهي إذا الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.
بقراءة سريعة للمجالس الوطنيّة وعضويتها نتيقن بأنها باتت تمثّل الشعب في كل المنعطفات السياسيّة دون مشورته، وأخذ رأيه، وبتغييب مقصود، وهكذا كان على الشعب أن يقدّم الشهداء والجرحى والأسرى، دون أن يكون لصوته تأثير، ولرأيه وزن.
أعضاء المجلس المتفّق عليه فصائليّا ينتخبون أعضاء اللجنة التنفيذيّة، الذين ينتخبون رئيس اللجنة من بينهم، والمعروف دائما بأنه الراحل ياسر عرفات كونه قائد فتح الحركة الأكبر.
الرئيس عرفات كان يتحكّم بعضوية المجلس الوطني، وهو الذي يُقدّم قائمة أعضاء اللجنة التنفيذيّة في عملية توافق معروفة، إذ لكل فصيل ممثل في اللجنة التنفيذيّة، باستثناء الفصيل الذي يقاطع، أو المغضوب عليه والمستبعد بحسب الحالة السياسيّة!
جلسة رام الله عُقدت بتجاوز جوهر المادة 14 في النظام الأساسي، وهو ما يدفع للتساؤل: لماذا عُقدت الجلسة في رام الله، والجلسة كان يجب أن تُعقد وفقا للبند (ب) من المادة 14 والتي تنص على عقد جلسة خاصة للمجلس الوطني بغرض ملء ثلث أعضاء اللجنة التنفيذيّة؟ لقد تمّ القفز إلى البند (ج) من المادة 14 قصدا لعقد جلسة بمن حضر و..أين؟ في رام الله. الخطير في الأمر أن هيئة رئاسة المجلس وضعت المجلس تحت هيمنة السلطة، وأفقدته سلطته التشريعيّة، وسلطة المحاسبة تحديدا للجنة التنفيذيّة!
الجلسة في رام الله التي عقدت بحضور أعضاء اللجنة التنفيذيّة المنتهية الصلاحيّة، والتي قادت المنظمة لسنوات خلت ممتلئة بالأحداث التي أثّرت على القضيّة الفلسطينيّة، لم تحاسب في تلك الجلسة، والأعضاء المضافون اختيروا من الفصائل وسلفا: فتح، جبهة النضال (غوشه)، حزب الشعب الفلسطيني (الشيوعي سابقا)، وحزب فدا الذي بدأ انشقاقا عن الجبهة الديمقراطيّة ثم بدّل اسمه وقاده في البداية ياسر عبد ربه، ومثّله في اللجنة التنفيذية، وأبقي عليه مستقلاً ليضاف زميله في الحزب صالح رأفت للجنة التنفيذية!...
ما دام اختيار أربعة من أعضاء اللجنة الجدد قد تمّ التوافق عليهم مسبقا، فلماذا عقد هكذا جلسة، وبتكاليف كبيرة، وبديمقراطية فصائليّة تلغي صلاحيات المجلس ودور أعضائه مجتمعين؟!
اثنان فقط تمّ انتخابهما في الدورة غير المبررة قانونيّا، والتي تواصلت حتى فجر الخميس 27، و..فاز فيها المرشّح المستقل أحمد قريع! والذي كان قائدا في فتح قبل أيّام، وفشل في الفوز بعضوية اللجنة المركزيّة في المؤتمر السادس قبل أقل من ثلاثة أسابيع! ..في عشرين يوما صار أبو علاء مستقلاً وانتخب، أليس هذا عجيبا؟ نعم انتخب من الحضور لأنهم معينون بتوافق الفصائل، حيث لا يوجد نظام أساسي، ولا رقابة لممثلي شعبنا المختارين والمنتخبين منه مباشرة، أو بالتوافق الوطني وفقا لمقاييس وطنيّة لا تلاعب فيها.
أريد ان أذكّر ببعض الشخصيات المستقلّة التي اختارها الأستاذ الشقيري مؤسس وباني المنظمة، بالتوافق في المجلس الوطني الأول، واللجنة التنفيذيّة الأولى ثم الثانية، وهم الأساتذة: بهجت أبوغربيّة، عبد الخالق يغمور، يحي حموده، إبراهيم بكر، نمر المصري، الدكتور فايز صايغ، شفيق الحوت، الدكتور أحمد صدقي الدجاني...فتأملوا!
الشخصيّة الوطنيّة تتميز دائما بأنها شخصية أكبر من أن يتّسع لها حزب، أو تيّار سياسي، أو شلّة. إنها وطنية، مضحية، كفوءة، تتميّز برحابة رؤيتها وانتمائها، وجذبها، وتأثيرها، وحضورها الاجتماعي والسياسي....
جلسة رام الله تأتي تتمة لمؤتمر فتح السادس، وفي سياق التوجهات السياسيّة، والرهانات على خطّة أوباما التي سنعرف تفاصيلها بعد أيّام.
هنا نتساءل: أين المعارضة الحقيقيّة الفاعلة؟ هناك فصائل، وأنصاف فصائل، وأشباح فصائل، أصدرت بيانات تعترض فيها على اجتماع رام الله ونتائجه، ثمّ لن تفعل شيئا، إمّا لأنها عاجزة، أو لأن أكبرها بات يقف على أرضية السلطة، ويصارعها على انتزاع شرعية التمثيل، وأنا هنا اقصد حماس التي ما عادت تخفي أنها مع دولة في حدود الـ4 من حزيران (يونيو)!
من شاركوا في مسيرة القبول بأخذ حصص في المجلس الوطني، واللجنة التنفيذيّة، وتغييب دور الشعب الفلسطيني، ومن تراجعوا عن الثوابت الوطنيّة التي لا تقبل التنازل عن جزء منها، وهي بوضوح تحرير فلسطين كاملةً غير منقوصة، والقبول بحلول مرحليّة افتضح فشلها بالاستيطان، والسجون الغاصة بالسجناء، ما عادت بياناتهم العاجزة مقنعة!
من هذا الخراب، والتزوير، والرهان على حل أوبامي بعد فشل الرهان على دولة من بوش، لا بد ستظهر قوّة مقاومة تعبّر بحق عن شعبنا، تعيد لقضيتنا بعدها العربي، وتمضي بها إلى فجر حريتها، طليعة صلبة، تُنهي حقبة التزوير والرهان على الأوهام، حقبة الأطراف المتصارعة الممعنة في التسابق وراء السراب!