بقلم : عطا مناع* ... 02.09.2009
في أيام العز وخلال جولاته الصحفية التفقدية لأحوال العائلات المستورة خلال شهر رمضان المبارك سأل الزميل محمد عبد النبي اللحام إحدى السيدات: ما هو إفطاركم اليوم؟ أجابت السيدة: اليوم طبخنا المقلوبة الكذابة!
سأخبركم عن المقلوبة الكذابة، وسأصف لكم المقادير والمحتويات والقيمة الغذائية لها، ولكني أريد أن أوضح لكم أن هذه القصة كانت قبل أكثر من 12 عاما، إذا لم تخني الذاكرة، وهذا يعني أن أوضاعنا نحن الفلسطينيين كانت بألف خير مقارنة مع هذه الأيام، كانت لنا سلطة واحدة ولم يكن انقسام، وكانت الأحوال الاقتصادية لا تقارن مع وضعنا الراهن.
وعودة إلى المقلوبة الكذابة.. هذه الطبخة بالذات ليست بحاجة لمقادير، فتستطيع سيدة البيت أن تضيف لأرز المعونات ما شاءت من بقايا الخضار، وبالطبع لا مجال للحم أو الدجاج فهي مادة تسبب الكوليسترول للفقراء والمعدمين. وبعد أن ينضج الخليط المسمى المقلوبة الكذابة توضع على مائدة الإفطار، ويردد الأطفال عندما يضرب مدفع رمضان الكلمات المعروفة لنا جميعا: "اللهم أني لك صمت وعلى رزقك أفطرت".
انتهت حكايتي عن المقلوبة الكذابة التي لا زالت حاضرة في بيوتنا نحن الفلسطينيين والعرب.
يقابل المقلوبة الكذابة مشهد آخر، يعكس معتقدات عالم آخر، لبشر يعيشون بيننا، لكنهم ليس منا، فهؤلاء لهم رمضانهم الخاص بهم، والغريب أن لهم اهتماماتهم في الشهر الكريم، فرمضان بالنسبة لهم علاقات عامة، وموائد تستوعب ما لذ وطاب من أصناف الطعام، موائد تقام في القاعات والفنادق والمنتجعات، والغريب أن بعض المدعوين "خلف خلاف مع شهر رمضان"، هم من طبقة معينة، وبالمناسبة ممنوع دخول الفقراء.
انتهت حكاية أصحاب العالم الآخر.
قبل ثلاثة أعوام كنت أعمل في مدينة الخليل. ولفت نظري أن بعض محلات الدجاج تعرض أرجل الدجاج ورقاب الدجاج في الثلاجة المخصصة لحفظ اللحوم. سألت صاحب المعرض عن السبب، فقال لي: هناك من يشتري هذه السلعة. وقال أيضا إن هناك إقبالا عليها. سألته عن ثمن كيلو أرجل الدجاج، فأجابني: 2 شيكل، أي ما يعادل أقل من نصف دولار. تركته وحمدت ربي أن فتح أمام أصحاب المقلوبة الكذابة بابا يوفر بعض الفيتامينات من أرجل الدجاج.
انتهت حكاية أرجل الدجاج.
اسمحوا لي بهذا الموقف الرمضاني، من عاداتي أن أتوجه في الشهر الفضيل إلى مستشفى الأمراض النفسية أو "مستشفى المجانين" كما يحلو للبعض أن يسميه. وذلك لأنه خلال زيارتي لهم في العام الماضي، علمت أن هناك من يسطو على ما يقدم لهولاء المرضى من وجبات إفطار، لدرجة أن أهل الخير أصبحوا يشرفون على إطعام المرضى بأنفسهم. بالطبع فإن من صرح لي بهذه المعلومة ومعلومات أخرى تم فصله من عملة لأنه كان يعمل في شركة خاصة على ما اذكر.
انتهت حكايتي عن مستشفى الأمراض النفسية.
نحن نجاهر دائما بالعلاقة الجدلية بين الحجر الذي يعني الوطن وبين البشر الذي هو الإنسان، ولكن كيف نعيش حالة الاندماج في ظل ما نعيشه من تراجيديا اجتماعية ، وخاصة أن الحقائق مفزعة.
نسبة البطالة في بعض المحافظات الفلسطينية تصل إلى 30%..
اضمحلال الطبقة الوسطى..
تسييس المساعدات التي تقدم للمواطنين، وقد لعبت الفصائل الفلسطينية دورا في ترسيخ هذه الثقافة..
غياب التكافل المجتمعي، وانتظار الفقراء المناسبات الدينية التي تشكل مصدر يسد رمق الأسرة..
انتشار المؤسسات التجارية التي تتسول على حساب الفقراء، هذه المؤسسات التي لعبت دورا رئيسا في نشر ثقافة التسول..
تحول الوطن إلى مزرعة، والمواطن إلى عبد يشقى في خدمة السيد..
اقتراح: ما رأيكم أيها السادة أن نستحضر حقبة العبودية الحاضرة أصلا حتى نعيد الأمور لنصابها ونجاهر بأعلى الصوت دون خجل: مجتمعنا منقسم لأسياد وعبيد..