بقلم : نمر سعدي ... 09.08.2009
ها قد مرَّ عامٌ على الغياب.. ونحنُ لا زلنا نعيشُ في الوهمِ من انطفاءِ العنقاء وحتَّى هذهِ اللحظةِ الكاذبةِ الصادقةِ نحاولُ الإمساكَ بالأطيافِ الذهبيَّةِ الهاربةِ من خيالاتنا دونَ جدوى... ونُجرِّبُ أن نقيسَ أيامنا الحنطيَّةَ بالماءِ المسفوحِ من قلوبنا على رحيلكَ يا سيِّدَ الكلام.. الصامتَ الأبديِّ في حضنِ منيرفا وفي حضورِ كلامها الأخضرِ.
يا طفلَ الأقحوانِ.. أيُّها الحصانُ العصيُّ على الريحِ الأنثويَّةِ.. لا تخجل بنا وبعجزنا عن رثائكَ.. لا تخجل بكلِّ الهذياناتِ التي فاضَتْ على أرضنا العربيةِ اليابسةِ الجرداءِ سوى من دماءِ الحالمينَ أمثالكَ...
لا تخجل بنا يا وريثَ عذاباتنا أمامَ نساءِ أولمبَ الفاتناتْ.. فكُلُّ أقمارنا في غايةِ الغباءِ والحيرةِ... وكُلُّ عظامنا لا تضيءُ الظلامَ الصلبَ..
أتبلَّلُ بالمَطرِ المورقِ وأعجبُ لكَ كيفَ استطعتَ أن تحملَ صخرةَ سيزيفَ إلى هذهِ الهوَّةِ القاحلةِ الهائلةِ الطائرةِ في الجحيمْ.... كيفَ استطعتَ أن تُحوِّلَ شتاءاتي جميعها إلى شتاءٍ واحدٍ باذخٍ مُعذَّبٍ يليقُ بالشعرِ والبكاءِ على طللِ العولمةِ .. ويرتفعُ بالموسيقى الزرقاءِ ويضيءُ بخواتمِ ريتا سُدُمَ القلبِ.
وقد كانت شتاءاتي من قبلكَ صخوراً تنهمرُ عليَّ من كُوَّةٍ صفراءَ في السماءِ الزجاجيَّةِ المُكسَّرةِ... آهِ كم كانت شتاءاتي عقيمةً من دونكَ..
مرَّ عامٌ على الغيابِ ونحنُ لو تفكَّرنا قليلاً في حضرةِ الغيابِ منذُ الأزلِ وإلى الأبدِ وأنتَ تحاولُ بأشعاركَ المزهرةِ كاللبلابِ أن تلقي علينا بصيصاً من شعاعِ الحضورِ العاطفي الإنساني المعرفي المتمرِّدِ ولو من وراءِ حجابْ.
عندما أقرأُ اليومَ في دواوينكَ الأخيرةِ وأنا بالذاتِ أنحازُ إلى مرحلتكَ الأخيرةِ التي تذكِّرني بكلِّ أمجادِ الشعرِ الذي يدغدغُ الروحَ.. يضربني بقوَّةٍ هائلةٍ برقُ الحقيقةِ.. أُدركُ تماماً أننا نحنُ أشباهُ الشعراء ما زلنا بعيدينَ سنينَ ضوئيةً عن عوالمكَ الشعريةِ الساحرةِ التي جُبتها كغزالٍ شريدٍ شاردٍ.. وأننا في الزمنِ الأخيرِ مغفَّلونَ في لعنةِ التجربةِ.
أنتَ وحدكَ فينا من قبضَ على الجمرِ المقدَّسِ يا بروميثيوس.. من دون أن يرتعشَ لكَ قلبٌ أو يرمشَ لكَ جفن. أنتَ وحدكَ يا سليلَ أسطورةِ هذهِ الأرضِ النبيَّةِ من نثرَ الزهرَ اليابسَ على بحيراتِ العالمِ القاسي..
فهَلْ تغفرُ لنا حُبَّنا الذي قتَلَكَ كالذئبِ بلا رحمةٍ وألقى بكَ في جُبِّ يوسفَ عليهِ السلامْ.. هل تغفرُ لنا حماقتنا وبراءتنا وقلَّةَ صبرنا..
قصائدكُ تراوغنا بالذهبِ والصباحاتِ الصيفيةِ ولا نفلتُ بتاتاً من سطوتها اللامعةِ.. فنحنُ مدينونَ لكَ بالنرجسِ وترويضِ الكلامِ الجامحِ في بريَّةٍ ممتدَّةٍ في الفضاءِ خلفَ هذا البحرِ الذي أدمنَ صداقتَكَ. وأدمنَ عشقَ ممالككَ العاليةِ وزهوةَ روحكَ ونبلَ السيوفِ التي حفَّت خيلاءكَ ذات حلم.
لحيفا هسيسٌ ناريٌّ لا يسكنُ لحظةً واحدةً مسائلاً عنكَ. لا يسمعهُ إلاَّ محبُّوكَ وقلبي فهو يرهفُ السمعَ كلَّ صباحٍ ومساءٍ ويمتلأُ بهِ كما يملأُ قوسُ قزحٍ برذاذِ الماء المتطايرِ .
سلامٌ عليكَ وخزامٌ أليفٌ يطوِّقُ وجهكَ
سلامٌ على روحكَ الوامقةِ أمامَ السماءِ كعبَّادِ الشمس
سلامٌ على قمَرِ البنفسجِ في عينيكَ
سلامٌ أخيرٌ على بهاءِ زهرةِ اللوزْ....