بقلم : سهام نصر ... 16.08.2009
ثمة مساء ماض مع الطموحات المتكررة وغير المحققة، تعيده الذكرى إلى الذكرى، وتفنيه بعيداً آلام اليوم، ليصبح مموهاً بألوان الطيف، فيعريه القدر مجدداً...
ينتصب واقفاً بكبريائه أمام الجبين، ذاك الماضي، وكأنها الآثمة وهو البريء. يعود بين أوراق الرواية وضحكات مسرحيةٍ مشوهة، يسترق الضحكة ويبكي بحنان...
كانت سابقاً، قبل أن تنطلق خيالاتها مع الحب، وتخجل من الهمس به، ترسم الكون صغيراً على حائط الغرفة، تلون قبلات أمها، تسجل لحظات ٍخالدة، تبكي الضياع، وربما الفراغ... أما الآن وقد اعتادت أيامها أن تشوه أصغر التفاصيل، ولن تأتيها اللغة بحروف جديدة بديلة، صار الحزن بديلا عن حروفٍ منفية.
ربما لأن الابتسامة المنفية ليس لها بدائل كثيرة أيضاً!!
الآن أصبحت أحزانها تسبقها إلى كل الأمكنة‘ تتركها أيضا في كل الأمكنة، تسبقها نسمات باردة إلى سرير الطفولة، تبكي شوق طفولتها، يأخذها القهر إلى حدود آلام الذكرى، إلى طفلةٍ مدللةٍ، أبعد نقاط العالم لديها حنان والدها، وقبلات أمها قبل أن تنام... تصحو على رائحة القهوة، وضحكات أخيها الصغير...
لم تعتد أن تستسلم للأرق والتعب، لم تعتد أن ينتهي اليوم كما يبدأ، دون أدنى قدر حتى من الملل، لم تعتد إلا روايات تحكي الحب و الأحلام، و لم تحلم بأبعد من أحلام أشخاص رواياتها..
تأخذها ألوان الطيف إلى الحزن، الألم، ليلة الزفاف، فرحة الوليد الأول، ضحكة الحماوات كونه صبياً...
ألوان الطيف تجمد كيانها الآن، والسؤال يفرض الإجابة!
لماذا تركت بيتك؟؟
لماذا هدمت عرش الزوجية؟!
لا تستطيع خلايا ذاكرتها أن تحدد معنى العرش! ليس بمقدور ألوان الطيف أن تملي عليها الإجابة...هل تكتفي بالقول : مشاعرها تصغره بأربع عشرة سنة؟ أحلامها تصغره بأربع عشرة سنة ؟ طموحاتها حققها هو منذ أربع عشرة سنة؟!
هل تقول: ما تحبه لا يحبه؟ وما تتمناه لا يتمناه؟!
هل تقول: روحها أبعد ما تكون عن الملل في دمه؟ والملل في عواطفه، ولمساته، وحتى قبلاته...
هل تقول : أنها تغار من فتيات السينما اللواتي ُيدللن طيلة ساعتين كاملتين على الشاشة، و زوجها يرى الغيرة في ملامح ابتسامتها، دون أدنى لهفة للتقليد ولو كان مزاحاً!!
هل تقول: أن الندم يفتت الطموح داخل أحشاءها، عندما ترى صديقاتها في مثل عمرها، يخرجن مع أزواجهن ليراقصنهن على الملأ، دون اعتبارات العيب، وكلام الناس!!
ماذا؟ ولمن تقول؟ وكل من حولها يقول: الزواج سترة، والسنوات الفارقة الكثيرة، ليست إلا نضجاً وخبرةً وعقلانيةً...
لمن تقول؟؟ ولا أحد يتوق للحرية التي تسعاها، ولا أحد يمسح دموع وجنتيها عندما تتمنى أن يقبلها بعد غيابٍ طويل، أو نجاح جديد، أو خبرٍ مفرح...
من؟؟ يفهم حسرتها، وهي تنعي وحدتها، في عيد ميلادها، وعيد زواجهما، وذكرى القبلة الأولى!!
لمن تقول أنها خُدعت بما كانت تظنه الجنة؟؟
لأمها التي تداري دموعها بباطن كفها، وتقول: زوجك أبقى لك مني، ومن بسمات أخيك الصغير.
لأختها الكبرى التي جهزت لها مؤونة الليلة الأولى، وعلمتها فنون الرقص، والدلع، والتدلل، لتتقن المهمة التي ُأعدت لها، ولا معرفة لها بها.
لوالدها الذي هنأها يوم زفافها بالعبارة التي ما فارقت أذنها أبدا ً" إياك والعودة إلى هنا إلا زيارة فقط وبصحبة ابن عمك".
لخالتها التي أقنعتها أنه سيعاملها كطفلته المدللة، طالما أنه يكبرها بأربع عشرة سنة...
لكنها تصمت!! من ذا الذي يعزو تصرفها في ذلك لمثل هذه السخافات؟!
نعم، تلك هي الحقيقة التي تخاف الاعتراف بها، كانت طفلته حقاً، ولكن ليس ليحضر لها الألعاب، بل ليرض غروراً غير مكتملِ لديه، ليرض شعوراً بات زائفاً بنجاحه الزائف، ليرض أناه المتضخمة، والضحية أنثى رقيقة صغيرة وجميلة، لا تعرف من الدنيا ما ترويه التجارب!!
أغمضت عيناها، تمنت لو أنه كابوس كبير فقط، عندها ستحتمل مرارته، ولن يسمع الآخرون أنينها المكتوم...
تمنت لو أن مفتاح جنتها المزعومة، كان بيدها، عندها ستبتلعه وتنام، وليكن كل ما كان، غير ما كان!
تمنت لو أن أحداً لن يسألها لماذا؟ ولماذا؟ ولماذا؟
تمنت لو أن هذه الحقيقة فقط حلم طويل!!