بقلم : لبنى ياسين ... 20.08.2009
رغم أن الأنفلونزا لم تكن يوماً مرضاً خطيراً، إلا إنني أعلن الكره لفيروسه الكريم على كل منابر الكون الصديقة والمحايدة وحتى المعادية، فأن تستيقظ صباحاً وأنت تشعر أن كل عظمة في جسدك ترفض الانصياع إلى أوامرك بالنهوض من السرير، وأنك تعاني من تهشيم تام لكل محتويات هذا الجسد، هو أمر ليس هين بالإطلاق رغم انك عمليا تعلم تماماً أنه ليس خطيراً، وأن كل ما يلزمك بعض الدفء والراحة وكأس من الليمون، وبعض المناديل كلما عنَّ على بالك أن تعطس بعلو صوتك.."هاتسووووو".
يبدو أن الفيروس المذكور وبعد شعوره بالإهانة نتيجة استخفافنا به قرر الاستعانة بأقاربه من فيروسات أنفلونزا الكائنات الأخرى ليجعلنا ندرك قيمته على مبدأ " ما تعرف خيره حتى تجرب غيره". وهكذا هاجمتنا جيوش إنفلونزا الطيور ..ثم لحقت بها إنفلونزا الخنازير، وأخشى أن يكبر حجم المأساة فتأتينا أنفلونزا الفيلة أو الجمال أو الحيتان، والأنكى من كل ذلك أن تهاجمنا أنفلونزا الزرافات، إذ أن الفيروس الذي يمكنه أن يكتسح حلقاً طويلاً كحلقها لا بد وان يخنقنا منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى أجسامنا، المهم أننا كنا نخشى إنفلونزا البشر في الشتاء، فإذا بأنفلونزا الحيوانات تلاحقنا في الصيف، أليست مفارقة غريبة أن تهاجمنا أمراض الحيوانات تباعاً بالعدوى كأنها تخبرنا أنها قد ارتقت إلى المستوى الرفيع لفصيلتنا البشرية، أو أننا نحن معشر البشر نزلنا إلى مستوى الفصائل الأدنى منا في سلم الكائنات الحية.
وهكذا بدأ مسلسل الأمراض الحيوا-إنسانية بدءا من جنون البقر مرورا بإنفلونزا الطيور،حتى إنفلونزا الخنازير، ولا أعلم أي حيوان بعد سيصيبنا بعدوى إنفلونزاه أو طاعونه أو جنونه أو حمقه أوشيزوفرينيته أو حتى حيوانيته، لكن ما يدهشني حقاً هو سرعة انتشار إنفلونزا الخنازير التي انطلقت في رحلة حول العالم في ثمانين يوماً، وباغتت سكونه بفوضاها، ولأنني لا أؤمن بالصدف المفتوحة على أبوابها، كأن تكون نسبة كبيرة من أسهم الشركة الدوائية الوحيدة المنتجة لدواء هذه الإنفلونزا ملكاً لرامسفيلد ذو الأيادي البيضاء في حرب العراق، وأن تعطي المكسيك إجابات متباينة حول عدد ضحايا هذا المرض فيكون 150 في اليوم الأول يرتفع إلى 160 في الثاني وينخفض إلى 15 في الثالث ثم 22 في الرابع، فهل غير الأموات آراءهم وهرولوا ثانية إلى الحياة ليتقاتلوا مع الخنازير وفيروساتها؟ وأن يكون الدواء نفسه شافيا لإنفلونزا الطيور ويعلن عن عدم فعاليته مع إنفلونزا الخنازير ثم يعود فجأة ليغير رأيه ويصبح الدواء الوحيد للخنازير وفيروساتها.
كما أن الصدفة الثالثة الأكثر عجبا أن ينتقل المرض بسرعة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها خرافية إلى أنحاء العالم، فمن بين حوالي 2000 حالة صادف أن يكون هناك طلاب عائدون إلى بلادهم وجنود متجهون إلى الكويت، وسياح لم تمنعهم الحرارة والإعياء وسمعة الأنفلونزا من الالتزام بمنازلهم حتى يطمئنوا على صحتهم، دون ذكر الموسم الذي لم يكن سياحياً بعد، وأظن أن تفسير الأمر يخضع لعدة احتمالات، فإما أن حكومة الفيروسات المذكورة حكومة ديكتاتورية، مما حدا بالفيروسات إلى المسارعة لركوب أقرب حافلة بشرية باتجاه أي مكان لتصبح لاجئة سياسية، إلا أنني لا أفهم عندها مثلاً وصولها إلى فلسطين والعراق، حيث الظروف السياسية تهوي إلى ما تحت الصفر بمئات الدرجات، أو أن الأحوال الاقتصادية قد ضاقت على مملكة الفيروسات العظيمة، فتركت خنازيرها متجهة لتحصيل رزقها في مكان آخر، لكنها في هذه الحالة أخطأت في التوجه إلى مصر، خصوصاً أنها لا بد أن تكون قد سمعت عن طريق إعلامها الفيروسي بمذبحة الخنازير التي حدثت في مصر، وإما أن تكون يدٌ خفية تحاول إرسال الرعب إلى أنحاء العالم ليبادر إلى شراء دواء رامسفيلد العجيب الذي كان شافيا تماما لإنفلونزا الطيور، ورغم انه أعلن عام 1996 أنه لا يفيد في حالة إنفلونزا الخنازير، إلا أن الفيروس غير رأيه كما يبدو ليستفيد من الدواء في انتحار جماعي ينهي حياته،أو أن بعض المسؤولين الفيروسيين اتفقوا مع رامسفيلد من تحت الطاولة وفي صفقات مشبوهة تماماً على أن يقتلوا مواطنيهم بالدواء المذكور نظير نسبة من الأرباح، ربما تكون عبارة عن قطيع من الخنازير يقضون في حلقه فصل الصيف الحار.
اما الصدفة الرابعة فان المرض ليس جديداً على الإطلاق كما تدعي منظمة الصحة العالمية، بل سبق وانتشر في مزارع الخنازير في امريكا في عام 1996 وتم القضاء عليه حينها، حيث تقدمت وقتها الهند وتايلاند بأمصال لا تتجاوز قيمة احدها ال12 دولاراً، إلا أن منظمة الصحة العالمية رأت أن (الغالي سعره فيه) فاشترت دواء رامسفيلد بسعر بلغ 100 دولار .
ورب صدفة خير من ألف خنزير.