بقلم : ابراهيم حسين ابو صعلوك ... 27.11.06
تكتسب الأماكن وقارها واحترامها من عراقة تاريخها لكن ليس هذا هو حال مدينة اللد التي تعيش أحياءها العربية في الآونة الأخيرة بين حصار المخدرات، وبين حصار الشرطة، على الرغم من عراقة تاريخها، الذي يعود إلى الكنعانيين الذين ينتمون إلى العرب البائدة حيث ذكرت لأول مرة عندما أحتلها تحتموس الثالث من أيديهم على ما يبدو طمعا في موقعها الاستراتيجي الواقع في وسط فلسطين على الطريق الذي يربط بين الشام ومصر وبين البحر والقدس. لكنها عادت إلى أصلها بعد فتحها على يد عمرو بن العاص وبقيت كذلك حتى سقطت في أيدي القوات الإسرائيلية أبان النكبة عام 1948، وطرد أغلبية سكانها الذي بلغ عددهم آنذاك حوالي 18250 نسمة من العرب حيث لم يساكنهم فيها غيرهم أحد، ولم يبقى فيها منهم إلا حوالي 1052 عربيا لكن هذا العدد ما لبث وان تزايد بسبب استقبالها لكل من هاجر إليها من شتى أنحاء فلسطين حيث يشكلون الآن حوالي 27% من مجموع السكان الكلي الذي يبلغ 72 ألف نسمة، لكن على ما يبدو أن هذا كله لم يشفع لهم ولم يعتقهم من العيش بين حصار المخدرات من جهة وبين حصار الشرطة الإسرائيلية من جهة أخرى التي تفاجئ أحياءهم بين الفينة والأخرى بنصب الحواجز الشرطية فيها بحجة مكافحة المخدرات غير أبهة بما تحمله هذه الحواجز من عقاب جماعي للسكان، حيث اعتادت المؤسسة الإسرائيلية اعتماد هذه الحواجز كحل أمثل لجميع مشاكلها العسكرية والجنائية فهي تستعين بها في كل مكان فعلى المستوى العسكري ها هي لا تترك مكان تدوسه قدمها في الضفة الغربية بلا حاجز وعلى المستوى الشرطي أصبحت تنشرها في شوارع المدن المختلفة وخاصة مدينة اللد التي تعتبر إحدى مدن الداخل الفلسطيني المختلطة الخمسة الرملة ويافا وحيفا وعكا لكن هذا الاختلاط لا ينطبق على سياسة نشر الحواجز مثلما ينطبق على تركيبة السكان حيث جاءت هذه الحواجز على أعجميتها متنكرة لهذا الاختلاط فاقتصر نصبها على الإحياء العربية دون غيرها. وان كان الهدف من نصبها ولو للأول وهلة يطابق ادعاء الشرطة حين نصبتها قبل سنوات حين تمثل هذا الادعاء في القضاء على آفة المخدرات في المدينة لكن ما برح هذا الهدف حتى تبدد واحتل مكانه هدف أخر مغيرا له تماما تمثل آنذاك في إعاقة السكان من الوصول إلى أماكن عملهم ومدارسهم بسبب تفتيشهم تفتيشا مهينا عند دخولهم لأحيائهم وخروجهم منها بالإضافة إلى استغلال هذه الحواجز في أعمال الجباية وحجز السيارات ثم تلاها موجة من هدم البيوت في المدينة وبقيت المخدرات في المدينة بل انتقلت لتشمل أحياء عربية أخرى لم تكن فيها من قبل وهنا لابد في ظل إعادة نشر هذه الحواجز في بعض الأحياء العربية في المدينة مجددا من التساؤل مرة أخرى عن هدف الشرطة من وراء نصب هذه الحواجز فإذا كان الهدف هو القضاء على تجارة المخدرات فهي نفسها تعرف من خلال التجربة السابقة أن هذه ليس هي الطريقة المثلى التي يمكنها القضاء عليها بها وإذا كان الهدف هو ردع المتعاطين من الوصول إلى المدينة فلماذا لا تنصب لهم الحواجز والكمائن على مداخل المدينة فهم لا يصلون إلى المدينة على الرغم من كونها أهم مدن المطارات في إسرائيل جوا بل برا عبر هذه المداخل وعلى كل الأحوال لقد أثبتت الأيام فشل هذه الطريقة في السابق فأزيلت الحواجز مخلفة وراءها جرحا عميقا في نفوس السكان العرب سببه عدم قناعتهم بجدواها وسوء معاملة من يقفون عليها لهم ولكن على الرغم من هذا كله عادت الشرطة في مطلع الشهر الجاري إلى نصبها مجددا على مداخل بعض الأحياء العربية في المدينة مختارة الزمان والمكان متذرعة بنفس السبب الذي نصبت من اجله هذه الحواجز الفاشلة في السابق والحقيقة أن اختيار الزمان والمكان ليؤكدان عدم صحة ادعاء الشرطة من وراء نصب هذا الحاجز في هذا الزمان والمكان بالذات مع أن هناك غيرة من الأحياء ينطبق عليها ما ينطبق عليه حسب ادعاء الشرطة على الأقل لكن الحقيقة هي أن هناك أوامر هدم وشيكة التنفيذ ستنفذ في بعض الأحياء العربية حيث جاء نصب هذا الحاجز في هذا المكان بالذات لأنه يطل على الشارع المؤدي إلى الأحياء التي ستتم فيها عمليات الهدم.
لقد تمت أعمال الهدم السابقة في ظل تواجد مكثف للشرطة ولن تكن هذه المرة أقل حظا من سابقاتها بل لربما أكثر حيث يحتم ذلك تواجد الشرطة في المنطقة على الدوام لهذا نصب هذا الحاجز في هذا الزمان والمكان بالذات كخطوة استباقية لعمليات الهدم وليس لنفس الهدف الظاهر الذي تدعيه الشرطة وعلى فرض أن الشرطة تنوي فعلا القضاء على آفة المخدرات فلن يكون ذلك بواسطة الحواجز التي لا يقتصر ضررها على تجار ومتعاطي المخدرات ولا تفرق في المعاملة بينهم وبين غيرهم وتوحي المعاملة عليها وكأن جميع سكان المدينة مشبهه بهم ولعلها تهدف من وراء ذلك الضغط على سكان هذه الأحياء ودفعهم إلى سل سيوفهم في وجوه بعضهم البعض بسبب معاملتها لهم على هذه الحواجز حقا يمكن للسكان محاربة تجارة المخدرات ولكن ليس بالطريقة التي ترمي إليها الشرطة بل عن طريق مقاطعة تجارها سلميا، فعلى سبيل المثال لقد أفلحت بعض النساء في احد أحياء المدن الايطالية في منع وصول متعاطي المخدرات إلى الحي الذي يسكن فيه، لكن ليس هذا هو المطلوب لان ذلك يتنافى مع تقاليدنا وعاداتنا لكن المطلوب هو أن يقف السكان وقفة رجل واحد ويكفوا عن مشاركة تجار المخدرات مناسباتهم وولائمهم ولامتناع عن مشاركتهم أفراحهم وأتراحهم فللأسف انك لتجد في كثير من الأحيان تهافت الكثيرين على موائد القوم دون موائد غيرهم ممن لا ناقة لهم ولا جمل في تجارة المخدرات مما يساهم في إبقاء الأحياء العربية في مدينة اللد بين حصارين.