بقلم : د. غانم الجمالي ... 26.08.2009
قالت: لا أريد.. مجنونة أنا أم عاقلة، لا أريد.. نجماتك.. فراشاتك.. كل جداول الفرح والأمل تلك لا أريدها. مالت برأسها على صدره تبكي وهمست: إذهب أرجوك، اتركني لمخالب الزمن تنهش بي وبحبي.. تمزقه إربا.. تسحقه تحت رحى التقاليد وتنثره فناتا على هشيم من رفاة المحبين.
بكت وبكت بحرقة المستغيث المحتضر.
حملها بين ذراعيه.. فتح لها صدره..أسكنها بين الضلوع والفؤاد.. بنى لها أرجوحة من عروقه وتركها تغفو هناك وتتمايل مع كل خفقة لقلبه الحزين.. صرخ بكل ما تحمله سنينه من ضنى: توقف أيها الزمن.. أصمت أيها القلب ودعها تتنعس بسلام.
تردد صدى صوته المقرور في وجدانها النبيل وانتشى نغما يصدح طروبا في المهجة الحرّى. قالت: عزيزي، كم دمعة تغنيك عنّي؟ كم لحظة وجع أرشفها راضية تثلج قلبك المنهك؟.. أيا أنا، ما كنت ولا صرت إن كان العشق رحلة بلا معنى.. بلا جدوى.. أنا حرف من حروف العشق التي تنثرها.. أنا، يا سيدى، همزة الوصل بين أن تكون وأن لا تكون.
قال: سنيني بعدك غلفاء جرداء وحياتي برحيلك صماء جدباء فلا تتركيني وحيدا هائما بين حاضر شاحب ومستقبل سراب.
ترنّحت من كريمتيه دمعة.. ثم دمعة.. فقطرة وانهمرت زغاريد الحزن سواق عذوبة وعذاب.
آلفت بين راحتيها تلتقط هاتيك السواقي.. لملمتها بأنّة وأناة لكن دون جدوى فالحزن كالظل تشعر به.. تراه.. تحسّه، لكن هيهات أن تمحوه هيهات.
رحل عنها إلى لا مكان ولا زمان فقد كانت زمانه ومكانه وصار كلما ناداه الشوق لها يفتح صدره للذكريات ويتأملها على أرجوحتها تلهو بسرور وغرور.. لقد انتصرت الظلمة على النور واحترقت فراشته بنار الخوف والعيب والالتزام وسحقت أمانيه تحت حجارة من صفوان.
حمل أحزانه وسافر في طريق الأيام الباقية، لا عودة فيها ولا قرار.. حمل أحزانه وأشجانه وغاب في زحام الذكريات..