أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
بين القدس ورام الله!!

بقلم : بيروت حمود  ... 10.09.2009

كي تحترف خوض الزحام عليك باختزال الدهشة، وتدريب قلبك على الرقص فوق مسرح الفوضى بخطوات متباعدة، فعند مدخل باب العامود لاشيء ينتظرك سوى أياد حفزها مظهرك الأنيق وأكياس الخضراوات التي تضمها راحتاك أن تمتد إلى ما بعد جيبك بسحاب.
عند نظرة الجنود بالتحديد يحتل الصمت أرض أوراقي الصغيرة، وتمتد الحواجز بين التعابير إلى أبعد من السؤال عن هوية الكلمة، فتضيق المسافات بي، يحاصرني التناقض وأضيع بين البندقية الموجهة إلى رجل في الأربعين من العمر، وبين يد لطيفة تقبض على راحتي وتسحبني إلى قاع البلدة القديمة.
تذكرتكَ، ونحن جالستان في "الهوس بيس النمساوي" قبالة فندق "الأهرامات". يومًا بعد امتطائنا أحصنة اللذة واستسلامنا لغرابة الفرح، في علاقة جغرافية وعاطفية في الوقت ذاته، ففي "الهوس بيس النمساوي" كان علي أن أتجرد من ذاتي، وأخلع قفل ذاكرتي وأتعرى للجنون.
كل الأشياء أتت دفعة واحدة عندما شرعت صديقتي في الحديث عن موت أختها بمرض عضال، تذكرت جوعنا ولهفتنا، التقت عيناي بنوافذ فندق "الأهرامات" فتذكرت أصدقاء مصريين تعرفت إليهم بفضل الصدفة وولعي بالوطن العربي "الواحد المتوحد". انفجرت هنا لأن منطق الغياب المزمن والرحيل اتخذ شكل خلية حاولت الحياة بواسطتها استنساخ الموت.
على طاوله في مطعم "جروزليم" كان للصدفة فسحة كبيرة في مسرحية اللقاء حيث شاركنا الجزائري جلستنا، ذلك الذي التقينا به في اليوم ذاته عندما التجأنا إلى الفراغ كي نحتمي من جلبة السوق وتحرشات المقدسيين. مرة ثالثة التقيت به في "السيرفيس" وأنا مسافرة من القدس إلى رام الله.
ورام الله هي المزاح المر، هي الجنين الناتج من اتصال جسدين دون حب، كما يتحول الصلب إلى غاز دون المرور في حالة السيولة بالعملية المدعوة بـالتسامي، وهي المقاومة تارة والخضوع تارة أخرى، وهي الغريبة عني وعن نفسها.
رام الله..!
في رام الله اللقاء المخطط يكون معجونًا بالصدفة، والأصدقاء القدامى والحانات. في رام الله أحضن صديقة قديمة بكل جوارحي وأبكي، وهي تبكي، تقول لي أنها ترى يافا في عيوني وعكا في ابتسامتي وحيفا في قلبي. أتبعثر... أحزن لأجلها فهي المحرومة من لذة فلسطين بسبب تقاليد الاحتلال.
الصديقة هي الجسر الممتد بين ذاكرتينا، هي اعتراف الوجود أن العالم اصغر من رأس إبرة وهي أنا بين اليقظة والثمل.
كيف ألملم أشلائي؟! والأمن الوقائي يقيد جلستنا بأغلال الواقعية على طاولة في مطعم "دارنا" حين كنت أتحدث مع الأحبة حول الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس، على الطاولة كانت فلسطين كلها حاضرة: أنا، صديق من غزة، والأحبة من رام الله.
رأيت في "محمد" غزة الجريحة، النسيج الاجتماعي المتفكك، رأيت فيه كل شيء إلا جريمة الاحتلال. في تلك الأثناء أنا لم أكن أنا.. كنت شكل القالب الذي سكبتني فيه رام الله وانتظرتني كي أجف.
ورام الله حجزت لي مقعدًا على طاولة القدر في مطعم "دارنا" أيضًا، في مساء ذلك اليوم مع صديقتي المحامية وشاب فلسطيني ممنوع من السفربتهمة تعاونه مع(حزب الله ), هو كان يروي قصته، قربنا كان يجلس أفراد الأمن الوقائي بمظاهر البرجوازية المتعددة، وكروشهم المتدلية. يحدقون فينا وينصتون إلى قصة "محمد"، وأنا كنت أبكي لأجله.
في طريق العودة إلى "الداخل" رمتني جندية على الحاجز بنظرة احتقار وقذفت هويتي الزرقاء إلي باشمئزاز لا حد له.
في الحلم زرت ضريح محمود درويش، أو في شارع عكا - صفد لا أعرف بالتحديد