بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 03.10.2009
وجه كثيرون انتقادات حادة للسلطة الفلسطينية بسبب موافقتها على أو طلبها تأجيل التصويت على تقرير جولدستون بشأن المذابح التي ارتكبها الجيش الصهيوني في غزة إبان حرب الكوانين، وضج العديد من جمعيات حقوق الإنسان والمدافعين عن حقوق الإنسان بخاصة أن جهودهم المضنية في جمع المعلومات من أجل إدانة إسرائيل ومحاسبتها على جرائمها ضد الإنسانية قد أصبحت مهددة من قبل فلسطينيين.
ما رأيكم بجهة تحرض جهة على شن حرب، ثم تقوم الجهة المحرضة بعد ذلك بنفض يدها وتتخلى عن تلك التي شنت الحرب؟ لإسرائيل مصلحة بشن الحرب على غزة، وهي دائما ترى من مصلحتها استمرار الاعتداء والعدوان على شعب فلسطين والشعوب العربية، لكنها في حرب الكوانين، كما في حرب تموز/2006 وجدت دولا وجهات عديدة تحرضها وتشجعها من أجل تصفية المقاومة الفلسطينية في غزة وفي لبنان. هناك دول عربية شجعت إسرائيل على العدوان في تموز، وطالبتها بمواصلة العدوان من أجل القضاء على حزب الله بغض النظر عن الخسائر التي يتكبدها الشعب اللبناني، وهي ذات الدول العربية التي حرضت على غزة، وطالبت إسرائيل بالقضاء على المقاومة الفلسطينية سواء كانت حمساوية أو غير حمساوية. وهناك دول غربية على رأسها الولايات المتحدة دفعت إسرائيل إلى العدوان وشجعتها ودعمتها. وعلى الصعيد الفلسطيني، هناك من دعم العدوان، وهناك في رام الله من حزم حقائبه في اليوم الثاني للحرب قاصدا غزة بعد "تحريرها" من قبل الجيش الإسرائيلي. وقد صرح قادة إسرائيليون بأن السلطة الفلسطينية قد طلبت من إسرائيل مواصلة الحرب على غزة حتى تغيير الوضع السياسي القائم.
إسرائيل خاضت الحرب بالنيابة عن أطراف فلسطينية وعربية وغربية، ومن غير المتوقع أن تقف هذه الأطراف مع تقرير جولدستون وتطالب بمواصلة الإجراءات القانونية اللازمة. ولهذا هبت حكومات عربية وإسلامية لتلبية المطلب الإسرائيلي والأمريكي بضرورة تأجيل البت بالتقرير بهدف إماتته. هذا عمل منطقي لأن من يحرض إسرائيل ويشجعها لا يقف ضدها عندما تقع في مأزق. وهذا يدلل على المستوى الأخلاقي الرفيع الذي وصلت إليه أنظمة عربية وإسلامية وفلسطينيون. إنهم لا يغدرون أصدقاءهم وحلفاءهم، وهم ليسوا على استعداد للتنكر لإسرائيل وخذلانها في وقت هي فيه بحاجة للنصرة.
ثم من الأخلاق ألا يتفل المرء في الصحن الذي يلعق منه. تقدم الدول المانحة الكثير من الأموال للسلطة الفلسطينية لتنفق وفق المعايير الأمريكية والإسرائيلية، وتحصل السلطة على الكثير من السيارات الحديثة والسفريات الممتعة، فهل نطالبها بالقفز عن كل هذه النعم وتجاهلها؟ المرء عبد لمن يقدم له رغيف الخبز، أو على الأقل، لا يتمرد عليه. وبذلك يكون الطلب من السلطة للوقوف مع الشعب الفلسطيني بمثابة تشجيع لها على نكران الجميل والتنكر لكل ما قدمته الدول الغربية من حسنات مثل الرواتب وتطوير الأجهزة الأمنية.
لا أشك بأن أمريكا أمرت السلطة الفلسطينية بسحب طلبها بالتصويت على تقرير جولدستون، ومن المحتمل أنها هددت بقطع الأموال عنها، وتجريد العديد من القيادات من مواقعهم القيادية. ولا أشك بان إسرائيل هددت بنشر التسجيلات المتوفرة بشأن تعاون فلسطينيين معها لشن العدوان على غزة ومواصلته.
أما محاولة أمريكا والسلطة الفلسطينية تقديم تبريرات لعملية التأجيل ومنها الحرص على ما يسمى بعملية السلام، فهذه زخرفة متوقعة، ونحن اعتدنا على سياسة تزيين كل الأعمال المخزية.