أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أنعم بالمصالحة، ولا للمبايعة!!

بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 07.10.2009

بعد فضيحة تقرير "غولدستون" وما كشفه من خيانة علنية لتضحيات شعبنا، يقف الفلسطيني متسائلاً: إذا كان هذا الذي انكشف أمره على مرأى ومسمع العالم، وعرفناه، ووضعنا يدنا عليه بالوثائق، والمستندات، يجد من يدافع عنه، ويحاول تمريره وكأن الزيف حقيقة. فما هي الأسرار، والأخبار، وخفايا الغدر التي ألمَّت بشعبنا على مدار تضحياته عبر عشرات السنين، ولم نكتشفه بعد، وتمت التغطية عليه؟ ثم؛ من يضمن لشعبنا أن هذه أخر خيانة لتضحياته، ولن يتكرر التخبط، والخلط، والتسخيف، والخذلان لدماء شعبنا؟
ما سبق من تساؤل يلزم أي فلسطيني، وبغض النظر عن انتمائه السياسي، بأن يلهث ساعياً إلى تحقيق المصالحة الفلسطينية كملاذ من التفرد بالقرار السياسي أولاً، وكضابط أمن وطني يحول دون الخديعة والدسائس في العمل الوطني، وهذا ثانياً. وأن تشكل المصالحة حائطاً منيعاً يضرب رأس كل من له مصالحه الخاصة، وارتباطاته الخارجية التي لا تنسجم مع طموح شعبنا، وهذا ثالثاً. وعليه، فإن المصالحة الفلسطينية ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وأي مصالحة لا تضمن سلامة الهدف الوطني الفلسطيني، ما هي إلا مبايعة، وضحك على الذقون، وتفريط بعذاب سنوات الانقسام التي احتملها الشعب على أمل مصالحة بالمعاني الوطنية.
قد يقول البعض: أن المصالحة ستأخذنا إلى وحده الحال، ووحدة الموقف، وهي طريقنا للحرية، والخلاص، وهذا صحيح إذا كانت المصالحة على أسس احترام مشاعر الشعب الفلسطيني، وعدم التلاعب في قضاياه السياسية، وعدم التفرد بالقرار، واحترام خيار الشعب الديمقراطي، وعلى سبيل المثال، كيف يصدّق أي مواطن فلسطيني؛ أن من يدعو إلى أجراء انتخابات تشريعية، سيلتزم بنتائجها، ونحن نسمع، ونرى، ونلمس تعمد السيد عباس إعاقة عمل رئيس المجلس التشريعي المنتخب السيد عبد العزيز دويك، ويحول بينه وبين أداء مهماته بالقوة، ويرفض أن يعيد إليه سيارته الحكومية، بل ويحظر على موظفي المجلس التشريعي رد السلام على رئيس المجلس التشريعي المنتخب، ألا يشكل هذا التصرف الذي مازال قائماً دليلاً ملموساً على أن هدف السيد عباس من تكرار الدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية، هو التحايل على الديمقراطية، والالتفاف على الناخب بطريقة أو بأخرى.
أنعم بالمصالحة الفلسطينية، وهي مطلب شعبي، ومصلحة وطنية عليا، ولكن يجب أن تتأسس على أصول تحفظ ثوابت الوطن، ولا تأذن بالتحايل، ولا تسمح بالطعن في الظهر، يجب أن تتقيد المصالحة بشروط واضحة، وقواعد عمل سياسي مشترك لا تغفل صغيرة ولا كبيرة، ولا تترك مستقبل شبعنا على عواهنه كما كان في السابق. حيث التفرد بالحكم. لذا فإن بقاء حالنا الفلسطيني على ما هو عليه من انقسام لأشرف ألف مرة من مصالحة تفتح الطريق لتصفية القضية الفلسطينية، وتسهل عبور البعض إلى تحقيق مآربهم الشخصية، لذا فإنني أزعم؛ أولاً: أن ممارسة المجلس التشريعي المنتخب صلاحياته بالكامل هو الاختبار الحقيقي، والدليل الصادق على احترام الديمقراطية، ونتائج الانتخابات التشريعية القادمة. لأن من لم يحترم نتائج الانتخابات السابقة لن يحترم النتائج اللاحقة.
ثانياً: الذي يريد المصالحة يسعى، ويقدم الدليل على حسن نواياه، وأول مؤشرات نجاح المصالحة؛ وقف التنسيق الأمني الكامل مع الإسرائيليين، وقطع كافة الاتصالات، واللقاءات السياسية معهم إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية، التي سيقول فيها الشعب كلمته، وهذا الشرط تنضوي في أحشائه قضية المعتقلين التي هي نتاج التنسيق الأمني. ودون هذا، فإنني أحسب أن المصالحة وهمٌ، وخديعة، وكذبه تغطي على عيوب سياسية انكشفت لشعبنا ولاسيما بعد اللقاء الثلاثي في نيويورك، وبعد محرقة تقرير "غولدستون" الذي كشف المستور، وسلط الضوء على المحذور.
وصدق الشاعر العربي أبو الطيب المتنبي حين قال:
إذا ما الجرحُ رُمَّ على فسادٍ تَبيَّنَ فيهِ إهمالُ الطبيبِ