بقلم : توكل عبد السلام كرمان* ... 17.10.2009
في اليمن "الجمهورية والديمقراطية " كلمات غدت لها معاني أخرى غير تلك التي وضعت لها ، الجمهورية لاتعني سيادة الشعب ، ولا شأن للديمقراطية هنا بتداول السلطة واحترام حقوق الإنسان.
ستسمع أن هناك حرباً للدفاع عن الثورة فلا تأبه ، وأن هناك خطراً كبيراً على الجمهورية التي ضحى من أجلها الآباء فلا تعير الأمر اهتماماً !
سنجاري الحاكم في ادعاءه بأن الدولة تخوض حرب صعدة دفاعاً عن جمهورية مضى عليها قرابة خمسة عقود .. ضد متمردين يخوضون حربهم لإعادة ملكهم الآفل ، لكن هناك أسئلة ملحة يجب أن تطرح:
لماذا تعود حرب الاسترداد الملكية بعد أربعة عقود من الأفول .. لماذا الآن ..؟ ، ولماذا ردة الفعل اللامبالية هذه من قبل قطاع واسع من الجمهور تجاه دعوة الحاكم للاصطفاف .. ؟ ،هل فقدت الجمهورية حماستها ؟، ولماذا الناس يرونها حرباً لاتعنيهم ؟
ما ثمة أحمق سيذهب لقتال المتمردين في صعدة أو في أي مكان أخر دفاعاً عن الجمهورية وهو يعلم يقيناً أن "مملكة الصالح" هو الاسم الجديد لها .. أو هكذا أرادها الحاكم منذ حملته المقادير وسوء حظنا إلى كرسي الرئاسة.
حين يفسح الحاكم الطريق للناس .. ستجد من يقل "لا" لكل من يتمرد على عقدهم الاجتماعي ، وإن كانت السيادة بيد الشعب .. فلن يقوى أحد على انتزاعها منه .
لكن أين الجمهورية وسيادة الشعب التي يهددها تمرد الحوثيين ..؟، هناك فرد حاكم وعائلة مسيطرة على الثروة والقرار منذ ثلاثة عقود، لا تداول للسلطة .. ولا شراكة في القرار .. والثروة مؤممة لصالح الفرد والأسرة والعائلة بفرمان رئاسي له من القداسة والنفاذ أضعاف ما للدستور المكتوب وقوانينه الشارحة.
هناك انقلاب واضح من الحاكم على العقد الاجتماعي ، ذلك يسحب الغطاء الأخلاقي عن أي ادعاء بالدفاع عن الثورة ، ويجعل الجميع يضربون عرض الحائط بكل دعاوي الاصطفاف للدفاع عن الجمهورية المغدور بها أولاً من الحاكم المدعي كذباً وزوراً أنه فعلاً يتحمل مسؤولية شرف الدفاع عن الثورة والوحدة .
الاتجاه نحو توريث الحكم بدأه الحاكم منذ وقت مبكر، والحرب التي يخوضها الحاكم الآن في كل اتجاه وضد كل القوى السياسية والاجتماعية وضد كل صاحب وجود أصيل في هذا البلد قد يشكل بقاءه حائلاً دون وراثة الحكم .. يمكن تفسيرها بالهوس غير المعقول لتوريث الحكم ، لكن مالذي سيورثه .. غير دولة منهارة فقدت سلمها الاجتماعي أو تكاد ، وتهاوت وحدتها الوطنية أو هي على وشك الانفراط ، فضلا عن الفشل المطلق في معركة التنمية .. حيث جل الشباب ملقون في سوق البطالة ، وأغلب الأسر تعيش دون حد الكفاف ، وكلها مشكلات عميقة تحتاج إلى معجزات حقيقية لتجاوزها!!
لم يعد قادراً على إصلاح ما يتلف من أعمدة الكهرباء وتحديث مكائن توليد الطاقة الكهربائية المتهالكة ، فضلاً عن إنارة غالبية البلاد التي لم ترى النور بعد ، نعلم الآن أن رؤيتها للنور مرهون فقط بأفول عصر الظلام الجاثم منذ ثلاثة عقود!
هو أعجز من أن يوظف وبراتب ضئيل بضع ألاف من خريجي الجامعات من أصل ربع مليون خريج سنوياً يكتشفون للتو أن ماثمة شيئ في الانتظار. حيثما يممت وجهك في اليمن التعيس هناك أزمات وكوارث غير مقدور عليها ، الخارج يرى فيه شريك كاذب ، والداخل يرى فيه حاكماً غير أمين . بفضله تحولت البلاد بكل ما تملكه من إمكانات بشرية وطبيعية ضخمة الى بلد كوارث تستدعي مناشدات المنظمات الدولية لتقديم الإغاثة ولكن لا مغيث ، فمن يغيث بلد أرصدة مسؤوليه تعاني من التضخم والتخمة؟!
ماثمة متر واحد في الجنوب إلا وهو يغلي ، ومن النادر أن تجد جنوبياً واحد لم يعلن تمرده بعد ، نعم .. هو تمرد سلمي ، لكن من الذي يعلم إلى اين ستتجه به حماقة الحاكم وطيشه ، ألن يتحول حراك الجنوب السلمي إلى حرب دامية تأكل اليمنيين في الجنوب مثلما تفعل في الشمال وأشد .. ؟!
منذ بدأ حراك الجنوب وحاكمنا الوحدوي لم يفعل شيئا تافهاً لإصلاح ما أفسده العابثون في الجنوب ..! ، لم يتم إعادة فلساً أو متراً مربعاً من الأملاك العامة والخاصة التي طالها العبث ، ومع كل يوم تمر هناك عبث جديد وفيد أخر يستنهض الجنوبيين إلى تصعيد الثورة واستعادة الثروة المنهوبة والأرض المغدور بها ..!
الفشل والكارثة تمتد في كل اتجاه ، انظروا كيف نحن في نظر العالم ، نحن متوحشون .. نقتل للقتل ولاتعرف الرحمة وقيم الانسانية الى قلوبنا طريقاً ..! ، تذكروا مقتل كل سائح قاده سوء حظه لزيارة اليمن ، من نحن أمام العالم بعد مناظر الآلاف في صعدة بين مقتولين وقتلة ، هل نحن أكثر من منبوذين أينما حط بنا الحل وحيثما قادنا الترحال ..؟!
ترى كم من المصالح تخسر أمتنا بعد كل عملية إرهابية ينفذها المحتمون بالقبيلة .. إنها تفوق كل توقع .. وتكبر على كل عدٍ وحصر ، إنها تمتد وتمتد لتصيب الحاضر بالركود ، والمستقبل بالشلل لعقود وربما لقرون ، فمن نحن في نظر العالم سوى متوحشين خطرين على الإنسانية ومصالحها!
لو أن الدولة تستعيض عن حربها العبثية في صعدة بحرب أولئك الذين يخطفون الآمنين ، ويروعون ضيوف اليمن وزوارها وهم واثقين بأن لهم في قبائلهم ملاذاً آمن ! ، لو أنها حركت الألوية وساقت المدرعات لحرب أولك العابثين الذين يخوضون حربهم القذرة ضد كل ماهو مصلحة استراتيجية لهذا الوطن !، لقلنا أن الحاكم قد فعل شيئا يستحق عليه الشكر ..، لكنها لم تفعل ، لكنها اختارت ان تدفع الملايين وتكافئ المتورطين بالخطف ودوس سيادة القانون من افراد القبيلة عقب كل جريمة.
الثابت في حروب صعدة الست - وحتى المئوية كما سيقال يوماً - أن طرفي النزاع الظاهرين ومن هو أعظم من الأطراف الخفية يريدون لهذه الحرب أن تستمر إلى مالا نهاية ؛ إذ خبر اليمنيون أن حروبهم الداخلية فيها منافع لأصحاب القرار والنفوذ ومن يخطط لأن يلحق بالركب مستقبلاً .
التدخل الخارجي في قضية صعدة يأتي كمطلب رسمي في الدرجة الأولى ، لانحتاج الى ذكاء كبير لنجزم ان تهافت الحاكم في استجداء دعم الجوار في حربه ضد الاثنى عشرية كما يسميها يستجلب الدعم الايراني وغير الإيراني تجاه الطرف الآخر ، إن دعم السعودية لأي جماعة كانت اذا جاء استجابة لنصرة المذهب السني في وجه تهديدات الشيعة فان ذلك بالضرورة يستدعي دعماً موازياً من إيران بل وأشد.
إن إصرار الحاكم على الحديث الدائم عن الدعم الإيراني للحوثيين منذ حربهم الأولى يمثل دعوة لإيران لتقوم بالواجب الذي قعدت عنه ، وبالمحصلة يتحمل الحاكم تبعات هذا التدخل في جانبه الايراني والسعودي على السواء.
عله يحسن بنا أن نقول .. أننا لم نفوض الحاكم العابث بالدفاع عن الطائفة السنية ، نذكر الجميع أن الصراع المذهبي في اليمن لم يحدث على الأقل منذ خمسة قرون مضت ، نذكر الحاكم أنه ليس مؤهلاً .. فضلاً عن أن يكون مفوضاً للدفاع عن الطائفة السنية !.
نذكر الأشقاء أن هناك طريقة واحدة لدعم المطالب السنية ، وبالتأكيد ليست في خلق العداوات والقطيعة بين الطائفتين ، إنها فقط بمساندة مطالب الشعب الجنوبي العادلة في السلطة والثروة ، هنا لامانع أن تستذكر الشقيقة أخوة المذهب .. وأن تقودها الحمية بعيداً للنصرة وتقديم العون، أما إن اختارت ان تضخ المليارات إلى الحاكم العابث ، مدعية انها بذلك تقوم بواجب النصرة المذهبية فيؤسفنا أن نقول أننا مستغنون عن هذه الخدمة.