أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
قبل مُضي تسعة أعوام بيوم واحد!!

بقلم : رشاد أبو شاور ... 30.09.2009

بين الـ28 من أيلول (سبتمبر) 2000 والـ 27 من أيلول (سبتمبر) 2009 يوم واحد سبق اكتمال الأعوام التسعة العجاف، وهو يوم طال انتظاره!
ضمرت انتفاضة الأقصى، وتراكمت فوق نارها طبقات من الرماد الكثيف، ولحقت بها أُهجيات من قادة لم يؤمنوا لا بالكفاح المسلّح، ولا بالكفاح بالحجارة.
ذبلت شعلة انتفاضة الأقصى ببطء، هي التي أججها شعبنا ليصحح بها مسيرة أوسلو، والتي لم تكن مجرّد ردة فعل على استفزاز وتدنيس شارون لباحات الأقصى، في ذلك اليوم الذي انفجرت شرارته بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد برعاية بيل كلينتون المتصهين عقائديا، الناعم المظهر، والذي أسهم في ذبح شعبنا وهو يبتسم بخبث بعد عقد جلسة خاصة للمجلس الوطني في غزّة، بايعه فيها المنافقون والرخويات الصفيقة، بالتنازل عن مواد في الميثاق الوطني الفلسطيني الذي حوّل إلى ممسحة بالية منذ التخلّي عن بعض أبرز بنوده كرمى لخاطر (الدكتور) جاك شيراك، مع عبارة (كادوك)، التي اختلف حولها فلسطينيو أوسلو في تونس، إن كانت تعني (هدية) أم (حذف)، وفي كل التفسيرات كانت أعلانا عن أن الميثاق الوطني الفلسطيني لم يعد وثيقة عهد بين الفلسطينيين ممثلين بقياداتهم وفلسطين!
يوم 27 أيلول (سبتمبر) 2009 غاب عن المشهد آرييل شارون، لأنه في غيبوبة، وحضر كالعادة، وكما هو معتاد شعب فلسطين، الذي يقاتل بصدور عارية، ويتصدّى دفاعا عن أرضه وحقوله ومقدساته.
حضر إلى باحات الأقصى عتاة الصهاينة الذين استسهلوا مصادرة الأراضي الفلسطينيّة، وأمعنوا في التوسّع، مستهترين غير آبهين، وقد أغواهم بالإمعان في نهب الأرض والتوسّع الاحتلالي، تراجع حالة المقاومة بكافة أشكالها ووسائلها من البنادق إلى الحجارة، والتي كبّدت قطعان الغزاة المحتلين خسائر جديّة دفعتهم للانكفاء، لعجزهم عن تحمّل الخسائر مهما تواضعت، بينما يواجههم شعب اعتاد أن يضحّي لأنه ينتمي لفلسطين الجديرة بأفدح التضحيات.
تفجّرت انتفاضة الأقصى في 28 أيلول (سبتمبر) بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد، وكان عرفات معها بعد أن تيقّن من انحياز إدارة كلينتون المُطلق رغم ما قدمه لها، ومن شراسة ولؤم باراك وريث رابين المغدور، و(بطل) عمليات الاغتيال والتصفية من (فردان) في بيروت إلى (تونس)، وسعي الطرفين لفرض حل على الفلسطينيين ينتزع منهم الأقصى أولاً، وحق العودة ثانيا، والدولة المستقلّة فعلاً ثالثا، برضاهم، وتواقيعهم، وبتحوّلهم إلى أدوات لقمع شعبهم، أي انهاء القضيّة نهائيّا، وتكريس وجود الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي!
أراد الحليفان الأمريكي والصهيوني في كامب ديفيد أن يفرضا على عرفات، أن يتنازل للاحتلال عمّا تحت الأقصى، على أن يمارس الفلسطينيون العبادة في المبنى فوق الأرض!
كان باراك يتلمظ بشيلوكيّة وهو يرى لحم الفلسطيني الشهي على مقربة من أنيابه، يغويه انحياز القاضي والحكم الأمريكي لمطلبه بانتزاع اللحم من صدر الفلسطيني حتى وإن شخب الدم متدفقا من بدن الضحيّة الفلسطينيّة (الكنعانيّة) في قاعة المحكمة!
وكان المفاوض الفلسطيني يتوقع بسذاجة شيئا من الرحمة مكافأة له على سلوكه الطيّب، ونواياه الحسنة، وتنازلاته الكثيرة حتى عن ما كان اتفق معهم عليه في أوسلو، وما تمّ التوقيع عليه في حديقة البيت الأبيض!
تسعة أعوام مضت على انتفاضة 2000 اغتيل أثناءها عرفات، وتغيّرت إدارتا كلينتون وبوش.. وها قد جاء المنقذ المُنتظر ـ أوباما ـ لسمعة أمريكا بعد مسلسل جرائم إدارة بوش، وضياع هيبتها، وانهيار اقتصادها، وبدء أفول هيمنتها كقطب وحيد، وغرقها في وحول العراق وأفغانستان.
بعد مشهد اللقاء الثلاثي الذي رعاه أوباما، والذي تمخّض عن لا شيء للفلسطينيين، وتكشّف، من جديد عن انحياز تام للاحتلال الصهيوني، وتوسعه الاستيطاني، وخيبة وفد السلطة، واللعثمة الفاضحة للعجز وخفّة الوزن في ميزان إدارة أوباما، ها هو الأقصى يشعل الشرارة من جديد مُنهيا سنوات التيه، مُذكّرا من ينسون بأنّ الشرارة ثاوية متوهجة تحت الرماد، وأنه عنوان ومنطلق لكل الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين، في مواجهة الخطر الصهيوني منذ كان بذرة ترعاها المجرمة بريطانيا، مرورا بوريثتها وابنتها أمريكا وفي عهود إداراتها المتصهينة المتعاقبة.
هل يمكن لأحد أن يذكرنا بإدارة أمريكيّة تخلّت عن انحيازها المُطلق، وأمرت الاحتلال بالتوقّف الفوري عن التوسّع.. وإلاّ؟!
انظروا لإدارة أوباما..من رفض الاستيطان، والمطالبة بتوقفه التام، إلى تعليقه لستة أشهر، إلى ـ في اللقاء الثلاثي ـ التفاوض بدون شروط مسبقة، يعني تفاوض مع استمرار الاستيطان! بماذا تختلف هذه الإدارة عن إدارتي بوش، وكلينتون؟! الانحياز الأمريكي ليس لنقص في المعلومات، ولا هو بسبب ثقل ضغط (اللوبي) اليهودي، ولكنه في صلب (عقيدة) أمريكا، وجوهر سياستها، وهذا ما يتجاهله المفاوضون الفلسطينيون الذين صدّقوا أن أمريكا يمكن أن تكون (حكما) ووسيطا نزيها!
شعبنا الواعي مكبّل بعجز السلطة، وحالة الانقسام والصراع على حصص، وليس صراع نهجين ـ مقاوم ومساوم ـ فقد تشابهت البقر، وهو كعهده ينفجر في اللحظات الحاسمة، ويجترح معجزاته، ويتجاوز فصائل عاجزة لم تعد تمارس أي دور سوى أنها تصدر تصريحات وبيانات، وتتوعّد وتهدد ..والجعجعة بلا طحن!
بُددت انتفاضة الأقصى 2000 في المفاوضات والمساومات، وفي الفوضى المفتعلة، ودق الأسافين بين المُنتفضين، والتفرّج على بطولات مخيّم جنين لا مؤازرة المجاهدين الثابتين الذين كبّدوا جيش الاحتلال خسائر لم يتوقعها، وبهدلوه مع كل جبروت آلته العسكريّة التي واجهتها بيوت المخيّم، وأزقته، و(تكنولوجيا) فلسطينيّة أبدعت الأكواع المحشوّة بما تيسّر من المسامير!
مشهد الشباب الفلسطيني داخل باحات الأقصى، وفي الأزقة المحيطة، وقد عرّوا صدورهم لمواجهة رصاص الاحتلال، واشتبكوا بالسلاح الفلسطيني التقليدي: الحجارة ..أعاد ذكريات الانتفاضتين، ومن جديد قدم للعالم صورة شعب فلسطين، وقدراته المُعجزة، هو الذي ينجب أجيالاً من الثوار بعد أجيال، وكلما ظنّ أعداؤه أنه أحبط ويئّس انتفض وتجددت أسطورة صلابته، فلا غيبيّات ولكنها قضية وطن وحريّة، تشكلان مساره، وتحرسان ناره التي لن تنطفئ.
ولأن الانتفاضتين ضُيعتا في التفاوض والوهم، فإن أثمن درس لشعبنا في انتفاضته المتجددة أن لا يمنح قيادات العجز، جميعها، المفاوضة المزمنة، ومن تخلّت عن المقاومة، ألفرصة للعبث بانتفاضة الأقصى المتجددة...
ولأن الانتفاضة ليست أجسادا عارية شجاعة، وحجارة، فإن خطابها لا بدّ أن يكون تصحيحيّا، فالمفاهيم السائدة التي بثّتها قيادات العجز والمساومة ينبغي أن تُهزم نهائيّا بحيث لا تجد لها مكانا من جديد في حياتنا الفلسطينيّة.
لقد ناشد فضيلة الشيخ عكرمة صبري العالمين العربي والإسلامي أن يهبا للدفاع عن الأقصى لأنه ليس للفلسطينيين وحدهم ...
القضيّة الفلسطينيّة لا بدّ أن تعود قضيّة عربيّة شعبيّة أولى بامتياز، تتبناها الجماهير العربيّة متجاوزة السلطات الإقليميّة التي سرّها أن ترفع القيادة الفلسطينيّة شعار القرار المستقّل، لتدفع بها بعيدا في عزلة قاتلة أضعفت قضيتنا وشعبنا.
العودة بعد تيه أوسلو إلى (فلسطين عربيّة كاملة) هو البرنامج الوطني الحقيقي، والخيار الذي لا خيار سواه، وليذهب نتنياهو وكل الصهاينة بوهم دولتهم اليهوديّة إلى حيث يستحقون، وهو ما يعدهم بهٍ كفاح أمّة بمئات ملايينها، وليس مجموعة تفاوض، وتحلم بدولة في الضفّة والقطاع بعد توحيدهما بصفقة مصالحة (مُحاصصة)!
من رتّبوا مؤتمر فتح السادس، وتنصيـــب أعضاء مضـــــمونـــــين في اللجنة التنفيذيّة، هل سيعيدون النظر بعد (خيبتهم) بإدارة أوباما؟!