بقلم : د. فايز أبو شمالة ... 24.10.2009
ارتقت السلطة الفلسطينية إلى أعلى سقف المواجهة مع الإسرائيليين، وتصر على تواصل توقف المفاوضات طالما لم تعلن إسرائيل رسمياً عن توقف الاستيطان في الضفة الغربية، وتتشبث السلطة بموقفها الوطني هذا حتى اللحظة، وتعتبر ذلك التزاماً إسرائيلياً ورد في خارطة الطريق، وليس شرطاً. وفي المقابل يواصل الإسرائيليون البناء في المستوطنات، ويتطاولون في بنيانهم في مدينه "أورشليم" القدس، ويصرون على أن التجميد الجزئي للاستيطان مرهون بعودة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات دون شروط.
لم تتوقف الجهود الأمريكية في حشر الخلاف بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي ضمن إطار التشاور، والتحاور، والحديث، والتريث، فأصدر البيت الأبيض بياناً جاء فيه؛ إن الرئيس "أوباما" سيرسل مبعوثه للشرق الأوسط جورج ميتشل إلى المنطقة قريباً في أحدث محاولة لاستئناف المحادثات بين الجانبين، ودعا بيان البيت الأبيض إسرائيل إلى اتخاذ إجراءات مهمة لوقف الاستيطان، وطالب الفلسطينيين بوقف التحريض، ومنع الإرهاب.
ما يمكن استنتاجه من بيان البيت الأبيض أنه يدعو الطرفين إلى اتخاذ خطوات متبادلة، ففي اللحظة التي دعا فيها الإسرائيليين إلى اتخاذ إجراءات مهمة لوقف الاستيطان، ـ لاحظ أيها العربي الفلسطيني؛ يطالب إسرائيل بإجراءات مهمة فقط، ولم يطالب بوقف الاستيطان، أو تجميده مؤقتاً ـ في حين دعا الفلسطينيين لمنع الإرهاب، ومنع التحريض. وعليه؛ فإن وفاء السلطة الفلسطينية ببند محاربة المقاومة الوارد في خارطة الطريق لم يعد كافياً، رغم عدم التزام إسرائيل ببند وقف الاستيطان، وإنما صار على الفلسطينيين منع التحريض، تلك الكلمة الفضفاضة التي تجيز لإسرائيل الإدعاء أن قراءة القرآن في الإذاعة المدرسية فيها تحريض على اليهود، وأن صوت المؤذن يحض على الإرهاب.
إلى أن تحقق السلطة الفلسطينية شرط منع التحريض، يبقى الأمر على ما هو عليه؛ بحيث تواصل السلطة الفلسطينية دق عنق بندقية المقاومة، وفي المقابل لا تعترض إسرائيل على تدفق المساعدات المالية من الدول المانحة، ويتواصل التوسع الاستيطان اليهودي بوتيرة مقبولة، وفي المقابل تطلق يد المسئولين الفلسطينيين بالتحرك كيف يطيب لهم.
إنه حل الأمر الواقع للقضية الفلسطينية، بعد أن ساد السلام بين الطرفين بالتراضي، وتم إخماد جمرة الصراع الذي امتد لعدة عقود، ولاسيما وأن المنطقة الممتدة من البحر الميت حتى البحر المتوسط تعمّها حالة من الهدوء، والتنسيق، والاستقرار الأمني غير المسبوق، ولم يتبق إلا التوقيع الرسمي لتوثيق هذه الحالة، والاحتفال العلني لتثبيت ما هو قائم الآن مع إحداث بعض التغييرات الطفيفة. ولهذا يزور "جورج ميتشل" المنطقة.
من لديه اعتراض على ما سبق من اجتهاد في تحليل الواقع، عليه أن يقدم الدليل المقنع بأن المنطقة تعيش في حالة صراع مصيري، أو حتى نزاع على الحدود، أو اهتزاز وجداني، أو أن الفلسطيني يخزن الغضب، وأن هنالك إعداد نفسي للمواجهة، أو هنالك إعداد سري للمقاومة، أو أن الإسرائيلي بات يخشي على غنم المستوطنين وهي تتنقل على الطرق الالتفافية في الضفة الغربية، وتجتاز الحواجز حول مدنها، وتطوف آمنه في شوارعها.