بقلم : رشا حلوة ... 6.11.06
-1-
زيتونة لا تعرف غارسها، وحيدة في شارع مُحتل. تعبر كل أنواع السيارات بجانبها، لا تحية صباحية لها، قليلة هي السيارات العابرة التي تغني مع فيروز.. وقليلون هم المتأملون في أغصانها خلال النهار.
الأرض أرضها، والتراب قد سُرق من تحت أخواتها، والمياه أتت من بانياس لتُروي وهي عطشى لصفاء رائحتها.
ولكنها هنا، في شارع غريب في حيفا اسمه "يد لبانيم" (يد للأبناء). ذات الشمس، وذات طعم التراب. ولكنها غريبة، موضوعة مكانها عنوة، ومنفية من قائمة الأشجار التي سيُقطف زيتونها في الموسم القادم..
-2-
سيارات الأجرة تعرف وجهي عن بُعد، تعرف إلى أين أتوجه وفقًا للأيام والساعات، ومزاجي العلني. عند دخولي أحدى السيارات أتحوّل إلى عاملة اجتماعية، طبيبة نفسية أو مستشارة تربوية للسائقين.. قد تُظهر ملامحي مهارة إصغاء عفوية لتعب روحهم، لسباق السائقين المسرعين بمهمة خطف راكب إضافي، لاحتمال إنهاء عملهم اليومي بأكثر من تكلفة السولار.
قبل يومين، كان حظي مع سائق يهودي شرقي. يعرف مهنة السياقة والسباق على الشارع باحتراف، يلتقي بسيارة ثانية لها ذات الطريق. السائق الآخر عربي. كانت نقطة لقائهم في حي "الحليصة" في شرق حيفا، حي يبعد عن حي "الهدار" عشر دقائق، وخمسة شواقل. ينقص السائق اليهودي بعض الركاب ليرتاح، والعربي على ما يبدو مرتاح. ينزل من سيارة "العربي" أربعة عمال من جنين، يُطلق السائق العربي ضحكة غير مريحة، يحدث زميله اليهودي في السباق اللحظي بأنه ضحك على العمال الأربعة من جنين وأخذ منهم ضعف التكلفة من "الهدار" إلى "الحليصة".. كان سعيدًا بالانتصار.. واليهودي، يشاركه مُتوجًا انتصار صديقه بشعور "الأخوة".."سهل أن تضحك على عربي".. قال..
لم أكن عاملة اجتماعية عندها، كنت نفسي.. كاتبة!
-3-
في طريقي أنا وإنسانة تعرفت عليها قبل مدة قليلة، كنا نمشي في الحي الجديد الذي أسكن فيه، تحدثنا عن تشابه الحي مع القرى الفلسطينية المختلفة، كجمالها، بيوتها، جغرافيتها الجبلية، نسيمها الصافي صباحًا والبارد ليلا..
ذُكرت قرية الرامة الجليلية، فسوطة، ترشيحا والبقيعة وغيرهم من القرى الممتلئة بعبق النعناع، البرتقال والحنين..
إلا أن رفيقتي في الجولة القصيرة لامت نفسها قليلا قائلة: "خسارة! لا أعرف العديد من المناطق والقرى في إسرائيل!"
أعتذر لك فلسطين.. بعض الناس لا تفعل بهم ثمانية وخمسون عامًا أيَّ شيء!