أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
المرأة في الإعلام العربي: أمومة القطط وأنوثة صماء وروح غبية وعقل غائب!!

بقلم : هويدا طه ... 1.4.06

تابعة الوسائل الإعلامية في شهر مارس آذار تعني كشفا أكبر لصورة المرأة التي يعكسها الإعلام.. أو ربما يصنعها، ففي هذا الشهر يأتي الاحتفال العالمي السنوي للمرأة وكذلك الاحتفال بعيد الأم، تقليديا.. تزداد كثافة عرض الأفلام والبرامج التي تناقش قضايا المرأة، وربما ما أمكن متابعته منها يكفي لإثارة تساؤل حول ما إذا كان الإعلام يعكس فقط صورة المرأة في المخزون الثقافي للمجتمع أم يكرسها ويزيد من رسوخها وينقلها من جيل إلى جيل، أم.. يصنع صورة جديدة للمرأة يمكنها طمس الصورة القديمة؟
ربما ثلاثة نماذج- على سبيل المثال- لما تعرضه الفضائيات حول المرأة تتيح لنا مجرد لمس الإجابة عن بعض هذه التساؤلات، واحد من تلك النماذج كان على قناة الصفوة- إحدى قنوات شبكة أوربت المشفرة- حيث ناقش (برنامج الندوة) مدى أحقية المرأة في الولاية، والنموذج الثاني هو أغاني الفيديو كليب بمناسبة عيد الأم وأشهرها الأغنية التقليدية الأشهر (ست الحبايب) للمطربة الراحلة فايزة أحمد، نموذج ثالث هو تلك المسابقة السنوية الشهيرة لاختيار الأم المثالية، إضافة إلى برامج تصنف باعتبارها نسائية- وإن قدمها رجال- كبرامج الأزياء والطهي وديكور المنازل.
من الواضح أن الإعلام العربي ما زال في تطرقه لمسألة قضايا المرأة يعكس صورة المرأة الراسخة في الذهنية العربية وموروثها الثقافي.. منذ عهد ثقافة البعير! حتى وإن فرض عليه التصاعد العالمي الحديث لصوت المرأة شيئا من (الالتفاف القلق) حول ما اصطلح على تسميته حقوق المرأة، إذ يناقشها العربي وفي حلقه غصة! مكره أخاك لا متمدن! فهو يستخدم تكنولوجيا اتصال حديثة جاءته وجاء معها حتى فكرة الإعلام ذاتها، كما قال بكل أريحية (إعلامي سعودي) في برنامج على قناة اليوم: (مفهوم الإعلام نفسه جاءنا مع التليفزيون وهو ليس من عندنا)! أراح واستراح! وفي إطار هذا الإكراه العولمي للعرب على مناقشة حقوق المرأة إعلاميا كان برنامج الندوة يناقش حق ولاية المرأة في الإسلام، الضيوف وُمحاورهم جميعهم من الرجال.. وأزيدكم من الشعر بيتا.. كانوا جميعهم من المشايخ! عندما ذكر المُحاور الآية القرآنية (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) قال أحدهم:" ليس هناك ما يمنع في الشريعة لكن قلة عدد الحاكمات في التاريخ دليل على أن طبيعة المرأة تعوقها عن مهمة الحكم)! جميع الضيوف راحوا يدورون حول فكرة مسؤولية (طبيعة المرأة) عن عدم تمكنها من حق الولاية، بل وعن قلة النبوغ العلمي بين النساء! هذا بالطبع متوقع من المشايخ، فأغلبهم لم ير قط دفتي كتاب تاريخ! ولم يسمع معظمهم بما وقع من تطور الأحداث وتبادل الأدوار في تاريخ البشرية، لكن المسألة هنا ليست ما كرسه هؤلاء المشايخ في المجتمعات العربية عن (دونية المرأة) باسم الأديان والنصوص المقدسة.. بل المسألة أن هؤلاء استمرت بأيديهم السطوة على عقول الناس منذ عهد البعير وحتى عهد صندوق الدنيا.. ثم عندما (جاءهم مفهوم الإعلام) استمروا في تلك السطوة أو.. ذلك السطو على العقول، نادرا ما تجد قناة فضائية أو محطة إذاعية تطرح- بما يكفي من الجرأة- فكرة أنه آن الأوان أن تدخل هذه النوعية من المشايخ إلى متاحف الزمن القديم، وأنه آن الأوان كي تخرج مناقشة حقوق المرأة على (شروح) النصوص.. القادمة من الماضي السحيق على ظهر بعير!
أما أغنية (ست الحبايب)- التي لها في نفس كل منا ما يدغدغ ذكريات الطفولة- فقد عرضت على قنوات فضائية عديدة مصحوبة بلقطات كتلك التي تعرض مصاحبة لمسابقة الأم المثالية.. مسابقة كريهة حقا! ليس لأنها تعقد للأم المثالية وإنما لأنها تكرس صورة الأم في الموروث الثقافي العربي.. الذي يطلب من المرأة دائما (التفاني والتضحية في صمت إلى ما لا نهاية منذ المهد وحتى اللحد)، اختيار هذه اللقطات هو ما يثير التأمل عن صورة الأم في الذهنية العربية والتي يعكسها الإعلام أو تعكسها الفنون.. ليس هناك لقطات لامرأة تمارس الرياضة مثلا ! أو تعمل في مختبر أو تقود مظاهرة أو جمعية خدمية أو تدير مؤسسة أو تناقش كتابا أو تلقي محاضرة أو تدير وزارة أو تقضي بين الناس أو تقود طائرة أو قطارا، وإنما دائما لقطات لسيدة بدينة يلفها الحجاب تنهي صلاتها ثم تنحني على ابنها أو ابنتها لتقبلها بحنان (غريزي)، أو سيدة تعد مائدة متعددة الألوان والدهون أو سيدة تبكي في صمت.. تقترب الكاميرا- بتلذذ- من قطرات الدموع على خديها، أو غير ذلك من مشاهد بليدة، ماذا قدمت هذه الأم لأبنائها سوى طبق الملوخية اللذيذ هذا؟! هذه هي الأم المثالية في موروثنا الثقافي إذن.. أمومة غريزية كأمومة القطط؟! المثالية هي أن تحرم المرأة نفسها من متع الحياة؟ أن تهدهد أطفالها بهذه البلاهة؟ أن تسجن نفسها في كفن الحجاب حتى يدفنها ولاة أمرها في كفن القبر؟ أين الأم التي تحث أبنائها على القراءة والتمرد على الأفكار المتناقضة المهلهلة المهيمنة على المجتمع؟ أين الأم التي تتمتع بالحياة دون أن تخل بواجباتها؟ أين الأم التي لا تسمح للأساطير أن تقودها؟ أين المرأة الإنسان في الإعلام البعيري هذا؟!
لكن هذا الطرح لصورة المرأة في الإعلام العربي لا يعني قبول فكرة (انفصال) قضايا المرأة عن قضايا المجتمع ككل، فقضايا المرأة تجد طرقها إلى الحل تلقائيا عندما تحدث في المجتمع نهضة شاملة.. ضمنها استجابته للتنوير والتحديث وتخلص أفراده- ذكورا وإناثا- من القهر والاستبداد وتخليه عن هوس التمسك المرضي بتلك (العادات والتقاليد) المهترئة، حينئذ تتفكك الشرنقة التقليدية المتكلسة حول المرأة تاريخيا وتستطيع أن تناقش قضاياها وتطالب بحقوقها، تأويلٌ مُخلٌ بحقائق الواقع هذا الذي يطرح الرجل كطرف معادٍ للمرأة، فالعدو الحقيقي هو ذلك الموروث المتخلف الذي ورثه كل منهما معا.. الرجل والمرأة، وهذا يعني فعليا أن فكرة (تحرير المرأة) هي في وصفٍ أدق فكرة (تحرير المرأة والرجل).. أو تحرير المجتمع كله من هذا التخلف الذي يسوق أفراده كقطيع أعمى رجالا ونساء، وإن كانت النساء بحكم الثقافة السائدة الأكثر تعرضا للغبن، لكن العقلية الذكورية بالمناسبة لا تهيمن على مجتمع بإرادة الذكور فقط.. بل بقبول أو خضوع النساء لها! والحق أنه لا شيء يثير الضيق من تلك الثقافة المتخلفة بقدر ما تثيره مشاهدة امرأة تخرج على الفضائيات لتدافع- بشراسة عجيبة- عما تصفه بأنه (الحق الإلهي) للرجل في التحكم بها! يذكرني هذا بلحظة غضب مر بها الشاعر أبو القاسم الشابي فكتب قصيدة رائعة مخاطبا فيها شعبه.. الذي (يستمرئ) الإذلال:" أنتَ روحٌ غبية تكرهُ النور.. وتقضي الدهورَ في ليلٍ ملس ِ .. ليت لي قوة العواصف يا شعبي.. فألقي إليك ثورة َ نفسي"!

المصدر: المركز التقدمي لدرااسات وابحاث مساواة المرأه