بقلم : ريم عبيدات ... 13.07.2010
عجيبة معظم برامجنا التلفزيونية، الجادة والمنوعة وحتى البسيطة في طرحها لواقعنا.
ما يحدث عادة هو انسلاخ عن الحقيقية بدعاوى مختلفة منها ارتفاع سقف التعبير، والرغبة في الاعتدال، أو الهدوء في الطروحات المختلفة، حتى لم تنج برامج الطبخ من لعنة هذا الانسلاخ عن الواقع.
فالمشاهد غالباً يرى مطبخاً لا يشابه معظم المطابخ المتوفرة للشريحة الوسطى والغالبة على بيئة المشاهد العربي، ناهيك عن أدوات الطبخ الفادحة في أسعارها وأشكالها وأنواعها وبالطبع في أسعارها، والتي ينتمي غالبها لعائلة الإكسسوارت ومواد الديكور لا أواني الطهي.
وحديث آخر طويل عن أنواع وصفات الطهي المختلفة، البعيدة عن متوسط معظم دخول مشاهديها، وفيما تقوم الكاميرا بتصوير عمليات إعداد وتحضير الوجبات المختلفة، يلقي القائمون على البرامج بالكثير من الكميات التي تفيض عن حاجتهم في تحضير الوجبة وفقاً للطبيعة التلفزيونية، ضمن إيحاء غير مباشر بأن مصيرها سلال النفايات بعد ذلك.
ثم يتابع سير الحلقة كأن الطبخ عملية تسير وحدها في صحراء بلا جيران. أليس الطبخ واحداً من أبناء الثقافة وصديقاً جاداً لمعتقداتها وقيمها المختلفة، فلماذا يجري تفريغه إذاً من جرعته الإنسانية والثقافية الحقيقية؟
ليس المقصود على الإطلاق إخراج التلفزيون من حلته البصرية وضروراتها الجمالية المختلفة، وليس المقصود الاحتفاء بالقبح على حساب الذوق، أو استحسان الفقر على حساب الكفايات. ومن المعلوم أن التلفزيون هو الأداة الإعلامية الأكثر ترفيهاً بين الوسائل الأخرى، لذا لا بد من اعتبار شخصيته تلك حين نحكم على نتاجه ومطالبة هذه المنتجات بالاقتراب ولو قليلاً من عالم العقلانية، وإعادة الاعتبار للممارسات الإدارية العميقة، ومن ضمنها التدبير والتوفير والبساطة وعدم التكلف، وهي باب عميق ومهم من أبواب المدرسة التربوية، بخاصة في ظل ما يعانيه مشاهد هذا التلفزيون من أزمات حقيقية تعصف بحياته، منها أن هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر، وأن معدلات البطالة وصلت إلى 4،14% من القوى العاملة مقارنة ب 3،6% على المستوى العالمي، وتتفاوت البطالة بدرجة ملموسة بين بلد وآخر وفقاً لتقرير التنمية العربية الأخير، الذي ألمح إلى أن معدل البطالة بين الشباب في العالم العربي ضعف ما هو عليه في العالم بأسره.
الإعلام العربي عموماً يحتاج، في ما يحتاج، إلى ممارسات استراتيجية تعنى بشيء من المنطق في نماذجها المختلفة، والانعتاق ولو مرحلياً من التخيل، والتعاطي ولو قليلاً مع الحقيقة.