أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
9نيسان 2007.....!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 11.4.07

يوم 9 نيسان 2003 تشعبط جندي أمريكي ليصل رأس تمثال الرئيس العراقي صدّام حسين، في ساحة الفردوس، في قلب بغداد. لفّ الرأس بالعلم الأمريكي ـ فالانتصار أمريكي ـ ولكن أصواتاً ارتفعت، فـ..استبدل بعلم عراقي.
تبديل العلم كان مسألة شكليّة، لم تغيّر من حقيقة أن المارينز اخترقوا قلب بغداد، وأن تاريخاً جديداً قد بدأ، لا للعراق وحده، ولكن لكّل العرب المعاصرين، وللأجيال العربيّة...
مشاهد سينمائيّة معدّة لتؤدي أبلغ الأثر في نفوس البشر عبر العالم كلّه:إسقاط التمثال، هبوط بوش علي سطح حاملة للطائرات وهو بملابس طيّار ـ تعويضا عن تهرّبه من المشاركة في حرب فيتنام ـ وإعلانه انتهاء الحرب، وزّف الانتصار المؤزّر (للأمّة) الأمريكيّة، والوعد بالديمقراطيّة لكّل العراقيين!
بوش الابن علي موعد مع التاريخ، والتاريخ يبدأ من 9 نيسان2007 في قلب بغداد!
(الكومبارس) العائدون في ظلال الدبابات عبر الحدود الإيرانيّة، والكويتيّة، والسعوديّة، انتحلوا دور الأبطال، فالتقطوا الصور وهم بملابس المارينز ـ بمن فيهم سارق البنوك ما غيره ـ وحولهم أشخاص يرتدون نفس الزّي، ويتحرّكون في لقطات يؤديها غشماء في أدوار لايصلحون لها، بسبب بلادة وترهل حياتهم في المنافي، والعلف الدسم الذي جعلهم بدناء متكرّشين بطيئي الحركة، لا مقاتلين في الميدان وشركاء في حرب بوش (التحريريّة)!
هل انتهت الحرب بمشهد ساحة الفردوس؟!
لا، لم تنته الحرب، بل بدأت بعد أيّام قليلة، وهاهي علي مدي أربعة أعوام تحصّد أرواح ألوف المارينز، وتفسد أوهام بوش الصغير، الذي يتخبّط في سنتي حكمه الأخيرتين، هو والتيار السياسي المنحّط الذي ينتمي له، تيّار (الرجال البيض الأغبياء).
لم يكن نهب، وتخريب متحف بغداد مصادفة، فصواريخ الكروز وحدها لا تكفي لاجتثاث حضارة بشريّة أبدعها الإنسان العراقي لتفيض علي الدنيا حوله: إبداع لغة، ووضع قوانين تصون حقوق البشر، وتنتقل بهم من قوانين القوّة والتوحّش إلي المدنيّة والحضارة .
لم تكن تلك الحرب حرباً علي (الدكتاتوريّة) كما ادعّي بوش وبلير الكاذبان، فهي شنّت علي العراق صاحب الدور والطموح، العراق ظهر العرب وظهير كل محارب ومقاوم ...
ما كان صدفةً، أو غلطة غير مقصودة قرار بريمر حاكم العراق الأمريكي حّل الجيش العراقي، الذي زرع في كل ميدان شهداء، وله علي الأرض العربيّة: في فلسطين، وسوريّة، والأردن.. بطولات وصولات، في حرب الـ48، وحرب حزيران 67، وحرب تشرين 73 ـ و..حرب الدفاع عن البوّابة الشرقيّة حماية لأرض الأمّة، التي لا تحميها دويلات هشّة رغم صفقات الطائرات والأسلحة التي تصدأ في مستودعاتها...
9 نيسان 2003 زلزل العقول والنفوس، وأحبط العزائم، وهدّ حيل حتي بعض المؤمنين بحّق الأمة في الحياة فتاهوا إلي أن أعادت (المقاومة) العراقيّة الثقة إلي نفوسهم .
في تلك اللحظات التي روّج لها بأنها نهاية و..بداية، وأن شرقاً أوسطا جديداً، صناعة أمريكيّة صهيونيّة قد ولد في ساحة الفردوس ..
راهن المؤمنون العنيدون علي قيامة العراق ...
هؤلاء اتهموا بأنهم ينتمون لزمن شعارات الستينات، وأنهم يعيشون في الماضي...
هؤلاء مع أوّل عملية تستهدف المارينز، خاطبوا أمّتهم: استيقظي يا أمتنا، افتحي عينيك علي وسعيهما للفرح ببهجة نور المقاومة الذي بدأ يبزغ علي ضفاف دجلة والفرات، وتحت نخيل العراق، وفي شوارع مدنه وقراه...
اسمعي يا أمتنا قرع طبول الحرب في ميادين العراق.الحرب لم تنته، الحرب تبدأ ...
أكنّا متوهمين، منتمين للماضي وشعاراته الحماسيّة؟!
نعم، نحن نحمل شعارات قيلت في الماضي القريب، شعارات لا تعيبنا، بل إن حملها يدلل علي جوهر كريم أصيل لا يبدّله هبوب رياح السموم، ولا أيدي العابثين وأفعالهم.
قلنا : العراق سينهض، وأمريكا ستخسر، ستهوي في الحضيض ...
وكتبنا في هذه الصحيفة ـ القدس العربي ـ أن النصر الحقيقي سيكون للعراق المقاوم، العربي الانتماء، عراق العدل والتآخي لكّل أهله: عرباً وكرداً وتركماناً ...
في تلك الأيّام الأولي المحبطة، كتبت في هذه الصحيفة مستلهماً مثلاً عربياً فلسطينياً ساخراً: واوي بلع منجل ..قال : عند ..بتسمع عواه!
يوم 9 آذار 2003 انتصرت أمريكا علي التمثال في ساحة الفردوس، واحتفلت بسقوطه ...
ومع سقوط التمثال بدأت رحلة سقوط الاحتلال الأمريكي في هاوية العراق.
أمريكا تخسر أبناءها، وملياراتها، وسمعتها، ودورها القيادي علي المستوي العالمي، لظلمها، ولكذب قادتها في البيت الأبيض والبنتاغون، وما يتّصفون به من تهوّر، وتضليل للرأي العام بأكاذيب افتضح زيفها وتلفيقها.
9 نيسان 2007 !
ما هي المنجزات الأمريكيّة الموعودة؟!
سمعة إدارة بوش في الحضيض، داخل أمريكا، وفي العالم...
الخسائر البشرية أكثر من ثلاثة آلاف وأربعمائة قتيل ـ هذا المصرّح به ـ والجرحي زادوا علي العشرين ألفاً، والتوابيت تعّد لنقل المزيد من القتلي ...
نفقات الحرب مئات المليارات، والمعركة تدور بين الرئيس والكونغرس علي إقرار مزيد من النفقات للحرب التي أبلغ بوش العالم بالانتصار المؤزّر فيها يوم 9 نيسان 2003!
الديمقراطيّة الأمريكيّة: أكثر من مليون قتيل عراقي، ومليونان هجروا العراق وطنهم الحبيب، صاروا لاجئين في الأردن، وسوريّة، وبلدان الخليج، وحتي أمريكا، وكندا، والدول الاسكندنافيّة، وموتي في البحار...
الديمقراطيّة البوشيّة الموعودة: موت مجّاني يومي، لا يعرف مقتول من قتله، ولماذا قتله!
نهب مليارات الدولارات من أموال النفط، واللصوص هم من عادوا إلي العراق بعد أن (عارضوا) في المنافي المريحة، التي أطلقوا منها الوعود للمظلومين والمستضعفين بجعل حياتهم جنّة بعد رحيل صدّام حسين و (اجتثاث البعث)!
وعود وشعارات الديمقراطيّة: الإنصاف (الطائفي)، حقوق الأقليّات، تحرير المرأة، فتح آفاق الإبداع للموسيقي والشعر والرقص والمسرح ,و..ماذا جرّت علي العراق؟!
فهلوية المعارضات، انهمكوا مع وطء أقدامهم لتراب العراق في اقتراف أكبر عملية نهب وفساد في التاريخ ..وهذا ليس حكمنا، ولكنها تقارير الأمم المتحدة، والهيئات الدولية، والصحافة العالميّة، وصندوق النقد الدولي...
العراقيون جوعي، خائفون، يصطفون علي (البنزين خانة) لساعات في بلد النفط، النفط الذي كان يتوفّر لهم رخيصاً غزيراً ..أيّام (الديكتاتوريّة)!.. النفط الذي شنّت إدارة بوش الحرب لتستحوذ عليه!
بغداد التي كانت حياتها تتواصل ليلاً ونهاراً، حتي في أيّام الحصار الخانق بعد حرب الـ91، يلوذ أهلها ببيوتهم قبل هبوط الظلام في زمن الديمقراطيّة، ومن لا عمل له لا يغادر بيته إلاّ خطفاً لشراء غرض يحتاجه إن كان يملك بعض المال ...
بغداد منذ احتلال ساحة الفردوس باتت جثثاً مشوهّةً، بقايا آدميّة بلا رؤوس، شوارع بغداد صارت كمائن اختطاف، واغتصاب...
بغداد (السلام) في زمن الديمقراطيّة الأمريكيّة لا سلام ولا أمن !
بغداد التي تعرّضت للسخرية والهزء من صمودها، لم تواجه معركة 21 يوماً كما ادعت أبواق العملاء والمشككين ومثبّطي العزائم .. بغداد تواصلت الحرب عليها حصاراً، وغارات، وموجات مفتشين جواسيس.. طيلة 12 عاماً، منذ عام ااـ91 وحتي 9 نيسان 2003 ...
ومن قادوا الدفاع عنها هي قلب العراق ودرّته، سقطوا في الميادين تحت صواريخ الكروز، وبالأسلحة التي لم تستعمل من قبل في حرب، ومن نجا منهم واصل المقاومة...
التمثال سقط في ساحة الفردوس، وأمريكا سقطت أخلاقيّاً، وها هي تهوي عسكريّاً...
التمثال سقط في ساحة الفردوس، وصاحب التمثال تقدّم إلي حبل المشنقة الذي عوقب علي الصواريخ التي أسقطها علي رؤوس الصهاينة، هاتفاً باسم العراق، والعروبة، وفلسطين...
العراق ينهض من عثاره بالمقاومة، ووطن يفتديه أهله لا يسقط ولا يموت...
في 9 نيسان 2007 نتأمّل حال من تآمروا علي بغداد : أمريكان وإنكليز وصهاينة، عرباً وعجماً ..نشمت بهم، ونلعنهم جميعاً، ونحيي المقاومة التي عرّتهم جميعاً ...