بقلم : مصطفى محمد أبو السعود ... 28.07.2010
رغماً عن إرادتنا احتل مساحةً شاسعةً من نقاشاتِنا اليومية و أصبحَ بحُكمِ الجغرافيا جارٌ لنا وبحكم السياسة جارَ علينا ولأنه يتحكم بنا إلى أبعد الحدود صادرَ حناجرنا بلا ثمن وانتزع منا تعهد بأن نذكَره كلما فكرنا في مغادرة بقعة الألم ، ورغم إغلاقه باب كرمه في وجوهنا إلا أننا لم نفقد الأمل فلا زلنا نستجديه صباح مساء أن يفتح عيونه لنا لا علينا ِلنُدخلَ بعض الدواء نُعالج آهاتنا التي نمت وترعرعت بفضل عبقرية إغماض الإخوة عيونهم عن المصائب الجاثمة في قلوب الثكالى وصيحات الأرامل وصراخ اليتامى وبكاء الشيوخ وصهيل الخيول التي اشتاقت لفارسٍ من زمن النخوة وصوت الرمال التي داست كرامتَها أقدامٌ نجسة وألقوا في أحشائها بذور الموت المؤجل.
معبر رفح هو فرع من " الشركة الصهيونية الأمريكية لإذلال مسافرين غزة " وموظف بدرجة "مُذل" لكل أبناء القطاع ففي قاعاته التي لا تصلح للاستعمال البشري يقف المواطن الفلسطيني ساعات ينتظر رحمة الضابط وإذن منه بالدخول رغم الدعاية الضخمة التي تنشرها وسائل الإعلام المعتدلة بأن المعبر مفتوح إلى إشعار آخر ولمن أراد لكن تخرج الوقائع وتعبر عن رأيها وتعطينا نموذج "أم محمد" فهي مواطنة فلسطينية وما ذلك باختيارها ومثل كل نساء العالم أرادت أن تفرح بابنتها وتفرحها وتزوجها ، فشاء الله لها ذلك وجاء ابن الحلال من مصر وتقدم لها ووقعت في قلب الاثنين سهام الحب الرائعة ، ويبدأ الفصل الأول في المعاناة حيث العريس ليس من بلد العروس بل يسكن جنوبها ويفصل سور حديدي بينهما رغم اقتراب المسافات جغرافياً ويأتي الموعد المقترب لخروجهما من قفص العزوبية ودخولهما القفص الذهبي لكن تأبى السياسة إلا ان تطل برأسها من النافذة لتعطل قطار الأحلام المقلع باتجاه الحياة وتفسد الفرح قبل أن يبدأ.
يجب على المتباكين ان يعلموا ان للبكاء فنون فالبكاء في الوقت المناسب أمر منطقي أما البكاء بعد فوات الأوان فهو كذبة كبرى و لا فائدة منها، فما حدث في الفترة الأخيرة من سماع صراخ ساسة العرب تجاه الأوضاع الإنسانية في غزة هو محير ولا ندري كيف يصنف هل في دائرة التكتيك واستثمار العواطف الجياشة والغاضبة تجاه ما قامت به دولة الاحتلال أم انه وعي متأخر؟ وأيا تكن الإجابة فان التاريخ قد سجل لديه بأن الزعماء العرب تركوا فلسطين تموت فماتت لكن بكرامتها لأنها لم يشرفها البقاء في مستنقعات المذلة.