أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
حبة قطايف بعشرة الآلاف دولار: يا بلاش!!

بقلم : عطا مناع  ... 18.08.2010

يا أبن..... ويشير الي "قفاه" بدك تحررها، جملة كان يرددها والدي عندما يغضب مني، وكان يقول لي يا ولد" شهاب الدين أطقع من اخية"، كنت صاحب ردود فعل صبيانية لأنني مش فاهم أو أنني كنت اعتقد إنني فاهم وأقول في داخلي راعي هالختيار.
قد تتوفر فرصة للحديث عن ما كان يقولة لي الختيار الذي مات وشبع موتاً وترك لي ارثاً ثقيلاً لحياة بسيطة قضى قسطاً وافراً منها في السجون العربية والإسرائيلية تشاركنا بعضها، لذلك لا زال حاضراً روحاً وفكرً يقيدني هو وأبناء جيلة الذين يستحقون منا الوعد فهم اكبر وأجمل ما تبقى فيينا.
الاكبر بالنسبة للشعب الفلسطيني هي التجربة والمعاناة التي عاشها ملايين الاسرى والشهداء والجرحى والمهجرين، والأكبر في تجربتنا حياة الصمود والمعاناة والحصار وسنوات الاحتلال التي أخذت من شعبنا الفلسطيني الكثير، ومن غير المعقول اختصار حياة شعب في "صرعات" تفرغ نضالنا من مضمونة وتسطحة تحت شعار الدخول في موسوعة غينيس التي أصبحت موضة وطريقة للفساد والإفساد باستخدام الجوهر لخدمة المظهر دون الانتباه لجدلية العلاقة بين الأشياء.
هي ظاهرة تعبر عن حالة ترف لشريحة استطاعت ان تميع اهتماماتنا وقضيتنا بإشغالنا وشدنا لنشاطات تفتقر للتطبيق الجدلي الذي يرتقي بواقعنا الثقافي ويرسخ ارتباطنا بتاريخنا الفلسطيني الغني والضاربة جذوره عميقاً في الأرض رغم محاولات السرقة التي يتعرض لها من دولة الاحتلال الإسرائيلي.
لست ضد ان ندخل موسوعة غينيس في مجال يدعم قضيتنا ويعزز من صمودنا في وجه العاصفة، هذا من حيث المبدأ، ولكن عندما نخوض في التفاصيل نكتشف ان الصورة مختلفة عما يُسوق لنا نحن الذين تدغدغ عواطفنا عندما نتابع الليالي الأفراح والليالي الملاح التي تقام احتفاءً بأكبر سدر مسخن واكبر سد كنافة واكبر ثوب فلسطيني واكبر منسف بهدف الدخول لموسوعة غينس وبالفعل دخلنا الموسوعة من أوسع أبوابها.
لكن موسوعة غينس أغلقت أبوابها وتحولت لخرم إبرة أمام مفتاح العودة الذي أقيم على مدخل مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين تحت مبرر ان مفتاح العودة يمثل شعار سياسي، وهذا ينطبق على اكبر علم فلسطيني الذي حطم الرقم القياسي الذي نفذ في سوريا.
أين الحلقة المفقودة إذن؟؟؟ سأعود الي مفتاح العودة الذي أنجزه مركز شباب عايدة الاجتماعي الذي يقدم خدمات للاجئين الفلسطينيين، يؤكد السيد منذر عميرة رئيس المركز وصاحب فكرة اكبر مفتاح الذي تربع على بوابة العودة ان تكلفة المفتاح وصلت الي 12 ألف دولار أمريكي، وأستطيع ان اجزم ان مفتاح العودة عاش مخاضاً صعباً قبل ان يرى النور نظر لرفض القائمون علية الذهاب للعملية القيصرية، ولست بصدد الدخول في متاهة مجريات الأحداث التي رافقت ولادة مفتاحنا الذي أكد القائمون علية وجموع اللاجئين الفلسطينيين أنة ليس للبيع.
على مقربة من مخيم عايدة تجري الاستعدادات على قدم وساق لانجاز اكبر حبة قطايف، وتقف الغرفة التجارية في محافظة بيت لحم على راس النشاط، وحسب مصادري فان تكلفة اكبر حبة قطايف تصل لعشرة الآلاف دولار، وهي جزء من المبلغ الكلي الذي سيتضاعف ثلاثة مرات لنشاطات تقام على هامش احتفالية اكبر حبة قطايف، ومن هذه النشاطات إفطار العمل الرمضاني..... رجاءاً دققوا معي... إفطار العمل الرمضاني، بالطبع الهدف المعلن من اكبر حبة قطايف الدخول في موسوعة غينيس، يا سيدي متفقين ومش غلط ندخل في موسوعة غينيس من خلال حبة القطايف، لكن مش ثقيلة شوية ان تكون وكالة التنمية الأمريكية ال USAID من يدعم هذا المشروع.
بين يدي دعوة إفطار العمل الرمضاني التي قدمها لي احد رجال الأعمال الذي لن اذكره أسمة ولكنني سأنقل الحوار الذي دار بيننا.
رجل الأعمال- هل جاءتك دعوة للإفطار
انأ- لا وبالعادة أفضل الإفطار مع أسرتي وعندي وجهة نظر في هذا الموضوع.
رجل الأعمال – حصلت على دعوتين وسأعطيك دعوة، ولكن عليك ان تقرر الحضور من عدمه لأنني سأنقل اسمك.
أنا – لماذا ؟؟ ولمن؟؟
رجل الأعمال- لان اسمك سيفحص من قبل الأمريكان!!
أنا- مش معقول... شو دخل الأمريكان في الموضوع، القضية مش أكثر من إفطار!! وبالمناسبة أين ستحتفلون بأكبر حبة قطايف؟؟ جاءني الجواب بسرعة في العمل الكاثوليكي، ولماذا لا يكون في ساحة المهد فهي أوسع ويمكن ان تستقطب جمهور واسع؟؟
جاءني الخبر اليقين.... الساحة تحت سيطرة بلدية بيت لحم والأمريكان غير راضين عن رئيس البلدية الدكتور فكتور بطارسة لذلك استبعدوا الساحة.
افهم ان الدكتور فكتور بطارسة غير مدعوا!! رد علي طبعا هو غير مدعوا ، لم اصدق فرفعت الهاتف واتصلت بالدكتور فكتور بطارسة الذي أكن له كل الاحترام وسألته مباشرة، هل وصلتك دعوة دكتور لحضوره احتفالية اكبر حبة قطايف، جاءني الرد ضاحكا... مؤكداً ... مستنكراً للحالة التي وصلنا إليها، طلبت منة ان انقل حديثة في مقالي الذي تحول في جزءُ منة لتحقيق صحفي فقال لي اكتب يا عطا على لساني.
نحن في وضع سياسي خطير، والسلطة الوطنية الفلسطينية تعيش ضغوطات كبيرة، والأرض تسلب والبعض يفكر في اكبر حبة قطايف واكبر منسف، وأضاف الدكتور بطارسة: ليس شرفاً لبيت لحم ولا لفلسطين ان يعرفنا العالم من خلال حبة القطايف، وعلينا ان نركز جهودنا على بناء الدولة والتعليم والصحة، وكان الأجدر بهم ان يرصدوا هذا المبلغ لصالح الطلاب والتعليم، أنهى عمدة مدينة بيت لحم كلامه وأقفلنا الهاتف.
خوفي أيها الرجل الطيب ان تختصر قضيتنا لصفحة في كتاب غينس، وخوفي ان نصل لمرحلة لا نتنفس فيها إلا بأمر الأمريكان، ولا نقف بين يدي الله إلا بأمر الأمريكان، وخوفي على الأجيال القادمة من حق الليلة الأولى، وخوفي ان نضيع في الاكبر والأصغر وننسى قضايانا الجليلة، وخوفي الاكبر من ان ننشد إلى القاع وننقاد وراء مصالحنا لنحتفل بأكبر ..... واكبر......واكبر......، أعود إلى ما كان يقول لي والدي رحمة رحمه الله،يا ابن.....مشيراً إلى قفاه، بدك تحررها.