أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الاستحذاء على طريقة أوباما!!

بقلم : صالح النعامي ... 25.07.2010

تعالت صيحات الضحك في القاعة الكبيرة التي تتوسط الكنيس الذي يجاور منزل الحاخام عفوديا يوسيف الزعيم الروحي لحركة " شاس " الدينية اليهودية، عندما تعرض الحاخام في موعظته الأسبوعية للموقف الأمريكي المتحفظ على البناء في المشاريع الإستيطانية في القدس الشرقية. وما أثار استحسان الحضور هو قول يوسيف " وهل لم يبق إلا العبيد حتى يتحكموا فينا " في إشارة إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما وأصوله الأفريقية. هذه الملاحظات العنصرية بثتها الفضائية التابعة لحركة " شاس "والتي تتخصص في نقل " خطب " و " مواعظه " الدينية لقطاعات لأتباعه ومؤيديه اليهود في جميع أرجاء العالم، قبل المقابلة التي أجرتها القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي مع الرئيس باراك أوباما الذي حاول خلالها التقرب من الجمهور الإسرائيلي وطمأنته بأنه " يكن محبة كبيرة لإسرائيل ". ومن أجل تحقيق هذا الهدف قال أوباما " أنني أعرف أن إسم والدي يزعجكم ". ولم يتجرأ أحد من المسؤولين الإسرائيليين على انتقاد يوسيف، علاوة على أن السفارة الأمريكية في تل أبيب لم تجد في كلامه ما يستدعي الاحتجاج، سيما أنه يعتبر المرجعية الأولى لحركة تشارك في الحكومة الإسرائيلية وتحتفظ بأربعة وزارات هامة. ليس هذا فحسب، بل أن الأمريكيين أبلغوا الزعيم السياسي لحركة شاس ووزير الداخلية في حكومة نتنياهو الحاخام إيلي يشاي صاحب الموقف المتشدد الرافض للاستجابة لمطالب واشنطن بشأن الاستيطان في القدس بأنهم معنيون بزيارته لواشنطن للالتقاء بأوباما. كل هذه التطورات جاءت على خلفية الزيارة التي قام بها نتنياهو لواشنطن والتي مثلت بالنسبة لكثيرين نقطة تحول فارقة في العلاقة بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما. فلا خلاف بين المعلقين الإسرائيليين على أن الثناء الذي أغدقه أوباما على نتنياهو الذي تمرد عليه وتحداه وتعمد رفض مطالبه بشكل استعراضي يعبر بشكل صريح عن التحول في موقف أوباما من نتنياهو، كما يقول الصحافي الإسرائيلي ألوف بن. فقد نجحت استراتيجية نتنياهو في اللعب على عنصر الوقت في حسم المواجهة مع أوباما لصالحه، حيث كان نتنياهو دائماً يمطئن مقربيه بأنه من الأجدر إطالة أمد المواجهة بينه وبين أوباما حتى يقترب موعد إجراء انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب المقرر إجراؤها في تشرين ثاني القادم، عندها سيضطر أوباما مرغماً لتغيير سلوكه تجاه إسرائيل بشكل كامل وسيجد نفسه مرغما على التعبير عن مواقف أكثر توافقية مع إسرائيل، دون أن تضطر حكومتها لإجراء أي تعديل على سياستها، سيما فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين. وفي إسرائيل يشيرون بشكل خاص إلى الضغوط التي تعرض لها أوباما من عدد من النواب الديموقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب الذين طالبوه بألا يظهر خلافه مع نتنياهو على السطح، حتى لا يتعرض الديموقراطيون لهزيمة ساحقة في الانتخابات. وفي الوقت الذي تكاد تجمع فيه معظم النخب السياسية والإعلامية في إسرائيل على أن آخر ما يعني نتنياهو هو الشروع في عملية تسوية سياسية حقيقية تفضي إلى حل الصراع، فإن أوباما أكد بأنه يؤمن بأن نتنياهو " يريد السلام ومستعد لتحمل مخاطر من أجل تحقيقه ". وكما يقول الصحافي بن بأن أوباما بات يدرك بأنه بمثل هذا الخطاب بإمكانه ان يقنع الناخبين والمتبرعين اليهود قبل انتخابات الكونغرس أن بإمكانهم الاعتماد عليه وأنه عليهم ألا يشكوا في تأييده لإسرائيل ولرئيس وزرائها.
وقد منح أوباما تأييداً غير متحفظ لآلية عمل نتنياهو المضللة في مجال التفاوض مع السلطة الفلسطينية، فهو مثل نتنياهو شدد على أهمية الجوانب الإجرائية في المفاوضات، في حين تجاهل التركيز على الجوهر. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده مع أوباما كرر نتنياهو مواقف لا تعكس توجهاً حقيقياً نحو التسوية، فقد حذر من مغبة الانسحاب من الأراضي المحتلة التي زعم أنها ستتحول الى " مراكز وقواعد للإرهاب "، ودعا إلى تغيير مناهج التعليم الفلسطينية. ووجه نتنياهو أمام أوباما صفعة مدوية لرئيس حكومة رام الله سلام فياض عندما أعلن أنه يعارض نقل أراضي في الضفة الغربية لسيطرة السلطة الفلسطينية حتى لا يتم السماح ببناء مدينة " روابي " التي وضعت حكومة فياض المخططات لبنائها بالقرب من مدينة رام الله والتي يعتبرها مبعوث اللجنة الرباعية توني بلير أهم مشروع اقتصادي ذو أبعاد سياسية يدشن منذ تشكيل السلطة الفلسطينية. فقد اشتكى المستوطنون بأن تشييد " روابي " يمس بحودة حياتهم، مما دفع نتنياهو لرفض الفكرة.
لم تقتصر المكافآت التي حصل نتنياهو عليها من أوباما على تغطية مواقفه السياسية، بل اتفق الإثنان أيضاً على أن تعمل الإدارة الأمريكية بشكل مكثف من أجل ضمان تحرير الجندي الإسرائيلي المختطف لدى حركة حماس جلعاد شليت. في نفس الوقت قدم أوباما لنتنياهو ما لم يقدمه أي رئيس أمريكي في الماضي، حيث تعهد أوباما بالتعاون النووي مع إسرائيل في المجال النووي السلمي، على الرغم من تمسك إسرائيل بسياسة الغموض النووي.قصارى القول الحماس الأمريكي للاستئناف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة لا يعدو كونه محاولة أمريكية لحصر هذه المفاوضات في الجانب الإجرائي دون المخاطرة باتخاذ أي موقف يهدد فرص الديموقراطيين في انتخابات مجلسي الكونغرس، وهكذا فإنه يتوجب على عباس وسلطته الانتظار.