أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
نعم: ننتظر انتصار أفغانستان!!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 04.08.2010

ليس ضروريا أن تكون مع طالبان حتى تفرح بانتصار أفغانستان على الاحتلال الأمريكي الأوروبي.
كنّا مع فيتنام حتى النصر.. وانتصرت فيتنام، وآه كم فرحنا وشمتنا بالسفير الأمريكي الهارب من سايغون، والراكض كي يلحق بطائرة الهليوكبتر التي أوشكت أن تقلع من فوق سطح السفارة، واضطر لفرط هلعه أن يترك حذاءه - فحياته رغم كل شيء أغلى من الحذاء، رغم انه حذاء فاخر، ونفيس! فالتقطت الكاميرات صورة الحذاء وبثّتها للعالم، فكانت مشهد النهاية لغطرسة القوّة الأمريكيّة التي أحرقت الغابات، وقلوب الأمهات، وذبحت وحرقت أهالي قرية (ماي لاي) فضيحة الديمقراطيّة الأمريكيّة، تلك التي أعادت الكرّة في العراق، فحولته - بفضل العملاء اللصوص، خونة وطن يدعون الانتساب له - إلى مقبرة، وميتم، وبلد أرامل، وسجون ضمن سجن كبير، بفضل لصوص يتنافسون على نهب المليارات، ممن عادوا مع الهليوكوبترات، وفي ظلال الدبابات، ومع الصورايخ، والذخائر المنضبة التي أنتجت جيلا من المشوهين بالسرطان، وأجيال قادمة أكثر تشوها.
ليس ضروريا أن تكون مع طالبان - فيكفيك أنك مع طالب واحد خاب في الامتحان، امتحان فلسطين - كي تفرح بدنو انتصار الأفغان الحفاة، أشباه العراة، الذين من جديد أغرقوا أمريكا وقادتها الحمقى في الوحول، وأدخلوهم في متاهات المغاور والكهوف، والذين لا تخضع قيادتهم (لضغوطات)، ولا تستجيب لإغراءات التفاوض على تقاسم السلطة.
ليس ضروريا أن تكون مع طالبان أبدا، فأنت مع حق كل شعب في الحرية، والاستقلال، والسيادة، و..المقاومة، فشعب لا يقاوم ليس حرا، وشعب أفغانستان حر، وهو أسقط إمبراطوريّات، وأرغمها أن تجر أذيال خيبتها، وتخرج طالبة النجاة بما تبقى لها من هيبة وكرامة ملطخة بالخزي، وبدم فقراء تلك البلاد التي تستكلب عليها الإمبراطوريات، وتنهزم تحت سفوح جبالها، فالقمم تليق بالمقاومين، والنسور، والمؤمنين .
قبل أيّام تساءلت أمام جمع من المثقفين: هل انتصار أفغانستان، بقيادة طالبان، خدمة للإنسانية أم لا؟! ثمّ أضفت سؤالاً مشتقا من نفس السؤال: هل هزيمة أمريكا خدمة للإنسانية، وانتصار لها، أم لا؟ مع التذكير بأنني اقصد بالإنسانية أولا الإنسانية الفقيرة، إنسانية الشعوب المضطهدة.
ما دامت أمريكا تتبلطج علينا - وفي زمن الرئيس الأسمراني باراك أوباما ـ ونحن نرى انتصار طلبان أفغانستان عليها، فلماذا لا نسّر بذلك الانتصار، ونعتبره انتصارا للحريّة، وللشعوب المستضعفة المهانة؟ وهل هناك شعوب مهانة أكثر من الشعوب العربيّة؟!
شعوبنا ليست مذلة مهانة، بل هي (هاملة) من حيث الفعل، فهي سائبة، تائهة، مستخذية، شعوبنا حالها من حال قافلة الجمال التي بكت، وعندما سئلت عن سّر بكائها، أجابت: نحن الجمال سفن الصحراء، نطحن الشوك بأضراسنا، نحمل الأحمال ونعبر المسافات بصبر..و..نربط في ذيل حمار؟! والحمار جمعه حمير!.
تساءل أحد الأصدقاء في جلسة حزن وندب على حالنا العربي: هل رأيتم ما جرى في كابول؟ سيارة تدهس أربعة أفغان وتقتلهم، وتجرح بعض المّارة، وهي سيارة مرتزقة إحدى الشركات الأمريكيّة المستأجرة..فينتفض أهالي كابول، وينقضون على سيارة القتلة المرتزقة، ويضرمون بها النار، وتشتعل انتفاضة كرامة وكبرياء عفوية.
تساءل الصديق: لماذا لا يحدث هذا في بلد عربي. أين الملايين؟! أنا حبكت معي فعلقت: الملايين تسرق في العراق وفلسطين.. والملايين التي تقصدها بلا قيادات، ولا مرجعيات، وهي تفتقد من يتقدم صفوفها. هذه الجماهير لم تكن هكذا..أتنسى جماهير الانتفاضتين؟ لقد بيعتا بثمن بخس، ولقيادات هزيلة، تتنمّر على شعبنا، وتستخذي أمام أعدائه، وتدّعي أنها مضغوط عليها..وهي لا تتخلى عن القيادة، فهي نعمة، وكنز، وهي تدّر ما لا يخطر على بال من الأرباح..وعلى ذلك قس يا صاح، فالفساد في بلاد العرب صار دولاً، والفاسدون الطغاة أرهقوا الناس، أذلوهم، وجوّعوهم، والثوريون الكذبة خانوهم، والوحدويون..باتوا أشد الناس تعصبا إقليميّا وطائفيّا..ومن جلب انتصارين للبنان والعرب يُكاد به، و..يطارد بتهمة (ظنيّة)..وبلاد العرب، كما كانت تقول جدتي: قطبت كفر..يعني أحاق بها الكفر من كل جانب، ومن فوق وتحت..واللهم نجنا مما هو آت، فهذا الصيف الذي لا شبيه له يتوعدنا بنار حامية، وفتنة عاتية، و..ليس لنا والله إلاً بقية من بنادق، وصبر، وأقلام..هي ما تبقّى لنا، وهي وإن كانت قليلة فهي كثيرة، ذلك أنها (الخميرة) و..الملح الذي به يملّح، فإن فسد الملح، فبماذا يملّح..كما تساءل السيّد المسيح؟!
أمريكا مزنوقة، محشورة، مبهدلة في فيتنا..أقصد في أفغانستان، وهي عندنا في بلاد (العربان) مصهللة، فلها بهائم تمتطيها، ولها مفكرون وكتبة يبررون لها، ولها سيدات ورجال أنيقون مزفلطون محفلطون، كما في قصيدة أحمد فؤاد نجم/ يُنظّرون لهول الضغوت - لا يوجد خطأ طباعي - على الكيادة الفلستينيّة..من أمريكا أوباما!..ولذا لا بد من الاستجابة للضغوت.. ياي على الواكعيين!
واحد طلباني يبوّس طالباني راجع من عمليّة ناجحة استهدفت رتل دبابات..وواحد فلستيني - ثمّة فرق بين الفلسطيني و..الفلس تيني! - يتأوّد أمام الكاميرا، مدهون بكل أنواع الكريمات..يعني الميك أب..التجميل ولا أي ممثلة إغراء..لم اقل: سيدة..لأن السيدة تذكرني بأمهات الشهداء، بزوجاتهم، ببناتهم بكبريائهن..بحنين الزعبي،..وليس بحنان التي تهوّل ضغوت أمريكا التي لم تر مثلها في (كل) حياتها السياسيّة! أين كانت حياتك السياسيّة يا(مناتلة)؟!
كعربي فلسطيني عشت زمن انتصار فيتنام، ولم أكن شيوعيا - ولم أنحز لفيتنام كرمى لخاطر والدي الشيوعي ـ تغمده الله في فسيح جنّات الفقراء والبروليتاريا، وكل الطيبين المؤمنين الطاهرين والورعين - فنحن لا نحب المعتدين الآثمين، ونفس القوة الغاشمة السافلة اعتدت على فيتنام، وحرقت غاباتها - وهي بالمناسبة من أحرقت هيروشيما وناغازاكي ـ وعبثت بتجاربها الرهيبة بكل أنواع الأسلحة بمصير الأرض فغيّرت الطقس، وحوّلت مناخها إلى جحيم، وجعلت الكوكب الأزرق الجميل حرائق ودخانا وأمراضا..فلماذا لا نكون سعداء بطرد الأفغان للاحتلال الأمريكي عن ترابها، رغم ما سيبقى وراء تلك القوة الآثمة من خراب في تلك الأرض البكر!
لا يهمني كيف سيحكم طالبان بلدهم، وإن كنت أتمنّى أن يستفيدوا من أخطائهم السابقة، وأن يكونوا رحبي العقول والنفوس، رحماء بشعبهم، منفتحين على العلم والمعرفة، يتغذون من شمس الله، ومن نور يضيء الكون كله، فلا ينغلقون على أنفسهم، فالعلم هو ما سيحررهم من الجهل والتخلّف، وهو ما سيفتح أمام أطفالهم سبل المستقبل، وأمام نسائهم نور المعرفة، والشعور بالكرامة، فلفلفة النساء في الملابس السوداء تكميم للعقول، وحرمان للعيون من الاستمتاع برؤية مباهج أفغانستان.
لن نقدم لأفغانستان برنامجا سياسيا، فنحن عجزنا عن صون برنامج منظمة التحرير الفلسطينيّة، ولكننا لا بد أن نتعلّم من الأفغان أن الشعوب يمكن أن تتلقى هزيمة وأكثر أمام قوة طاغية باطشة، ولكنها تستجمع طاقاتها وتنهض، و..ترفع شعلة الحريّة وتنهض..وهذا ما يملأ النفس بالثقة بالشعوب، والاحتقار لمن يظلمونها، محليا، و..دوليا.
في بلادنا يتواشج ويتحالف المحليون مع من هم والكيان الصهيوني عدو واحد!
أفغانستان الطالبانيّة الإسلاميّة تهزم أمريكا، بعد فيتنام الشيوعيّة البوذيّة..هذا والله أمر رائع، وهو إلهام للفقراء في كل العالم، وانتقام ممن يتسبب في عذابهم وقهرهم، ونصر للمقهورين.. ونحن في المقدمة منهم!.