بقلم : رشاد أبوشاور ... 11.08.2010
ما زلت أتذكّر الحملة التشويهيّة التي استهدفت الشيوعيين أخلاقيا، وليس فكريّا، فمن يروّجون الإشاعات لا يصمد منطقهم البائس أمام الأسئلة والحوار الجدّي.
روّجت اتهامات ضدهم، للنيل من أخلاقهم. افتري عليهم بأنهم لا يميزون بين الحلال والحرام، وأنهم (ينطون) على أخواتهم، وأمهاتهم، بهدف تأليب المجتمع عليهم، تمهيدا لنبذهم، وتبريرا لحملات مطاردتهم وزجّهم في السجون!.
من كان وراء تلك الحملة آنذاك؟! ما من شّك أن المروجين جهلة، أو مرتزقة، ولكن من كانوا يحركونهم كالدمى، كانوا ينفذون توجيهات أجهزة أمريكيّة مهمتها إعلامية تشويهيّة، دعاوية، تحريضيّة، في فترة ما سُمّي بالحرب الباردة.
كانت تلك الجهات تتبع أساليب تلاقي ترحيبا من الجهات الرسمية الحاكمة التابعة، التي كانت تبرر تبعيتها بأنها انحياز لمعسكر الديمقراطيّة الغربي، أي أمريكا تحديدا، التي كانت، وما تزال، تدعم الكيان الصهيوني، تسلحه، وتموله، وترعاه، وتعادي من يعاديه، ولا سيّما النظام الناصري التقدمي القومي في مصر، الذي أسهم في بروز تيّار عدم الانحياز دوليا، بقيادة: ناصر ونهرو وتيتو.
في تلك الأيّام، مطلع الخمسينات، سعى بعض الأذناب لجمع تواقيع على عرائض يطالب الموقعون عليها بترحيل أُسر مناضلين شيوعيين من مخيّمات أريحا، ودعما للحملة الحقيرة وقف بعض شيوخ الجوامع خطباء في المساجد، ولعلعت حناجرهم بمطالب بنبذ الشيوعيين (الملاحدة) و.. أسرهم.. مخالفين الآية الكريمة: ولا تزر وازرة وزر أُخرى.
ولكن اللعنات انقلبت بعد سنوات قليلة إلى مدائح للاتحاد السوفييتي، بفضل صفقة السلاح التشيكي لمصر الناصريّة، وتهديد بولغانين وشبيلوف لأطراف العدوان الثلاثي عام 56: بريطانيا، فرنسا.. والكيان الصهيوني:
شبيلوف شبيلوف
إيدن منّك برجف خوف
كان هذا هتاف الجماهير اللاهجة بالشكر لموسكو:
ويا ويل اللي يعادينا سلاح التشيك بيحمينا
استذكرت تلك الأيّام البعيدة، وأنا أتابع حملة الفحيح التي تسري هنا.. و.. هناك، في بلدان عربيّة، والتي تستهدف السيّد حسن، سيّد المقاومة، وحزب الله، وتهدف إلى تشويه الطائفة الشيعيّة المسلمة التي باتت عنوان المقاومة المظفرّة، ومجد لبنان، والتي أهدت العرب والمسلمين انتصارين مجيدين جددا الأمل بإمكانية إلحاق مزيد من الهزائم بالكيان الصهيوني، وجيشه الذي بات من سماته أنه قُهر مرتين، في الأولى عام 2000 عندما ترك خلفه الدبابات، وكان بقيادة باراك جنرال الحرب القاتل المجرم، وفي الثانية انكسر وترك حطام المركافا في وديان الجنوب، والتي لا يغيب مشهدها في المقبرة التي تناثر فيها حطامها، وفرّت أطقمها باكية نادبة، وألغت بسبب فضيحتها عدّة دول منها الهند صفقات شرائها، بعد أن فشلت في المواجهة مع مقاومي حزب الله!
الفحيح تحريضي وبنفس أسلوب التحريض على الشيوعيين، ولكن بكلمات مختلفة، فبدلاً من الشيوعي صار المستهدف الشيعي، والشيعي لا يمكن اتهامه بأنه لا يفرّق بين أمه وأخته.. فهو يحترمهما، وهو يحافظ عليهما، وهما محجبتان، وإن كان تحجبهما لم يحل دون أداء دورهما الشجاع والمشرّف في المقاومة، وفي حرب تموّز/يوليو، وهما مؤمنتان، تصليان وتصومان، وتسهمان في صمود قرى الجنوب، وتنجبان أبطالاً، ينتسبون لآباء أبطال.
ما التهمة إذا؟ الكفر.. وهي نفس التهمة الموجهة للشيوعيين، فالشيعية متهمون بأنهم (رافضة)، ومن هنا يدخل مروجو الفحيح، فيبثون الإشاعات بأن الشيعة يسبون الصحابة، وأنهم، أي الشيعة، وبخاصة حزب الله قاتلوا الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا!
الحّق أن حزب الله وقف ضد العدوان على صبرا وشاتيلا، وسماحة آية الله حسين فضل الله أتى بجواز أكل الجثث في الحصار، ووقف في مواجهة ما اقترفته أمل آنذاك.. وهذا ما أدّى لاشتباكات دامية بين حزب الله وحركة أمل، رغم أنهما شيعيتان!
لماذا تحديدا الآن هذه الحملة من الافتراءات؟
لخلق فتنة سنّية شيعيّة. لتفتيت الأمة العربيّة أولاً، والمسلمين في العالم ثانيا، و.. الرابح أمريكا وحليفها الكيان الصهيوني، وبعض التابعين في بلاد العرب، الذين يتفرجون على القدس وهي تهوّد، وفلسطين وهي تستوطن صهيونيّا.. رغم أنهم سنّة، بل يدّعون أنهم حُماة السنّة والدين!
من يحشرون أنفسهم بين المصلين وفي التجمعات، نافثين سمومهم، لا يقولون لماذا لا يجاهدون لتحرير فلسطين من الأعداء(الكفرة)!.. ولا يجيبون إن سُئلوا: لماذا لا يحملون السلاح ويقاومون كما يقاوم أبطال حزب الله؟!
وهم في كل الأحوال جهلة في أمور(دينهم)، فهم يُكفّرون مسلمين يصلون ويصومون ويجاهدون ويرابطون على الحدود في مارون الراس و.. العديسة، يُقاتلون فيقتلون ويُقتلون!
بؤرة المقاومة في لبنان، التي تتأجج نارها، والتي تؤرّق الكيان الصهيوني وجنرالاته، ومن خلفهما أمريكا الراعي والحليف، هي القادرة على قطع اليّد الصهيونيّة ـ هذا ما قاله السيّد حسن نصر الله في خطابه عشيّة يوم معركة شجرة العديسة ـ إن امتدت إلى الجيش اللبناني، و.. لبنان، وأرض لبنان، ويد المقاومة قادرة وبرهانها ناصع منذ بدأت مقاومتها عام 1982 وحتى العام 2006، وما بعد 2006 و.. إلى أن تقع الواقعة التي توعّد السيّد حسن بقصف تل أبيب إن قُصفت الضاحية الجنوبيّة.. عندما تقع الواقعة!
من يتصف بالصدق إلى حد أن جمهور الكيان الصهيوني ينتظر خطاباته.. ويصدقها، فهو قال دائما وفعل. من ضحّى بابنه، ومن كان ابنه الثاني في ميدان المعركة، وفي موقع متقدّم في حرب تموّز، وكان هو يقود، ويحرّك، ويشرف، ويتنقل في مواقع الخطر، يستحق من كل عربي، ومسلم، وإنسان شريف محّب للإنسانية، كاره لظلم أمريكا والصهاينة.. الاحترام، فماذا نقول بمن يشككون، ويطلقون لحى كاذبة تغطّي وجوههم الصفيقة المستأجرة؟!
مرتزقة يتحركون خدمة لأعداء الأمّة، بدلاً من استفزاز حميّة الناس للذود عن القدس والأقصى وفلسطين، ودعم مقاومة العراق، والاستنفار دعما للمقاومة اللبنانيّة بقيادة حزب الله، تراهم ولا همّ لهم سوى الدعوة للفتنة، والتحريض على المقاومة، ومحاولة النيل من قائد، حتى العدو يحسب له حساب، وينتظر كل كلمة تصدرعنه، يحللها، يدرسها عسكريا وسياسيّا وإعلاميّا.
وجود المقاومة في فلسطين، ولبنان، والعراق، مؤرّق لعرب تابعين، ولأمريكا، والكيان الصهيوني. ومن يدسّ على المقاومة بجهل، أوعن خبث، فهو في مواجهة الأمّة، لا هو مسلم، ولا هو عربي، ولا هو إنسان، لأن من صفات الإنسان أن يحترم إنسانيته، وأنه ينتمي لوطن، وللإنسانية جمعاء، محب للخير لكل أبناء البشر.. وإلاّ : لماذا يتضامن الناس في العالم مع بعضهم؟ لماذا ينحاز ملايين البشر لكفاح ومعاناة وآلام شعب فلسطين؟!
يوم 7 آب/اغسطس الجاري، نقل موقع (وكالة فلسطين اليوم) الإخبارية، أن استفتاء أجرته جامعة ميرلاند (الأمريكيّة)، بيّن أن السيّد حسن في مقدمة القادة المحبوبين والأكثر شعبية في ستة أقطار عربيّة هي: مصر، السعودية، لبنان، المغرب، الأردن، الإمارات العربيّة.
و.. أن شعبيّة السيّد ازدادت عن العام الماضي، أي رغم الحملات المسمومة، ورغم صرف نصف مليار دولار في لبنان لتشويه سمعة السيّد حسن، وحزب الله، كما كشف جيفري فيلتمان!
في الاستفتاء، برزت شعبية الرئيس بشّارالأسد، والسادة: أردوغان، تشافيز، أحمد نجاد.
هل مزاج الجماهير المستفتاة (متطرّف)؟! لا، بل هو مزاج مقاوم، يحترم من يقاوم، ومن يدعم المقاومة، ومن يتصدّى لأمريكا في العالم.
زعماء الاعتدال، يعني التبعية لأمريكا، و..الرضى بكل ما يقترفه الاحتلال بشعب فلسطين، بالقدس، بغزّة..لا يحظون بشعبيّة، أي أن الناس لا يحبونهم...
أليس هذا طبيعيا جدا من شعوب لا يدافع عنها، وعن بلادها، من يتحكمون بها، ويعيقون نهوضها، ويتآمرون على مقاومتها؟!