بقلم : سعد ابو غنام ... 28.06.2010
رحل ساراماغو عن عالمنا, لن اصطنع الحزن على عظيم خالد بقامة ساراماغو فالرجل بلغ من العمر عتيا والموت هو من بديهيات جدلية خلق الانسان. وموت ساراماغو في الحقيقة رمزي بالضرورة رغم موته الفيزيولوجي اذا جاز التعبير العلمي الذي اجهله كما تجهل جدتي الطيبة المتسمرة.. الان امام المسلسل التركي "وادي الكلاب" نظريات فيثاغورس وحسابات اقليدس. رغم الموت الذي لا ادري ما اسميه علميا كل يسميه كيفما شاء فان ساراماغو كما غيره من العظماء خالد. لعل روحه القلقة تتمشى الان في بساتين وحدائق جزر الكناري في المكان الذي ارتاى ان يموت فيه ويقبع هانئا مرضيا بعيدا عن الزوابع التي اثارها في المجتمعات الكاثوليكية او المحافظة بشكل عام نتيجة لطرحه قضايا دينية حساسة من وجهة نظر مغايرة, قراءة عقلانية وربما ساخرة وماكرة للتراث الديني بشكل عام بدء من قصص التوراة, حيث نرى محاكات ساراماغو للاسطورة الدينية عن قصة عيسى وميلاده في رواية "الانجيل بحسب يسوع المسيح" رواية غاية في الاحكام واللعب على وتر التاريخ الحكاية الدينية.
بداية معرفتي بسراماغو كانت سنتة 2003 عندما اشتريت بالصدفة او لعلها بنصيحة من صديق لي جن جنونه مؤخرا وتاه في صحار نائية لا متناهية وفقد الشعور بالحس رواية العمى التي عشت في عوالمها الساحرة, رواية عبرت عن انسانية بائسة عمياء نعيشها اليوم.
المفارقة هي انني وعندما توارى جسد ساراماغو عن الوجود في الكناري ونقل جثمانه الى لشبونة ليدفن هناك, كنت اقرا بمتعة عليائية كتابه الذي لا يضاهى" سنة موت ريكاردو ريس" وفي هذا الكتاب الذي يعتبر علامة فارقة في مسيرة سارامغوا الروائية يغوص بنا الكاتب بين ثنايا حياة احد ابرز اعلام الشعر البرتغالي في الحديث ولعله اعظم شاعر برتغالي في هذا العصر فرناندو بيسوا الرائع الخالد ايضا .
اجلس الان وانقر بخفة ورشاقة على مفاتيح اللعب في الحاسوب والقوم نيام الصغار والكبار في البيت هس هس.. لا حركة الا لبعض كائنات الليل الاسطورية التي تحتفل بها كتب الادب الرائع الذي يسمى الواقعية السحرية والذي يعتبر ساراماغو وماركيز من اكبر معلميه, وماذا بعد اجلس وحيدا واذا براس ساراماغو يطل علي من بين رفوف مكتبتي العامرة هادئا بشوشا لعله يبتسم او لعله يسخر من سذاجتي انا الذي اكتب عن موته.. لسراماغو اكثر من كتاب هنا في هذا المكان فوق راسي تماما, ارفع راسي مرة اخر يطل الشيخ ساراماغو من عل من فوق.. عبر كتاب العمى . قلت ان لسراماغو اكثر من كتاب في مكتبتي ولسراماغو كتب مترجمة في كافة انحاء دول العالم, وتكتب عن ساراماغو الابحاث والدراسات يوميا, ويتبادل الناس كتبه ويشترونها ويتناقشون حولها وحوله في كل مكان متخيل.. اما انا وا حسرتاه لم اكتب كتابا ولا يعرفني احد غير جارتنا التي تركب معي في السيارة وتجنني كل صباح وهي تدق باب الدار بمحجنها (عصاها التي تتوكا عليها وتهش بها على غنمها) الذي يشبه عصا ابي محجن الثقفي وجدتي التي اصبحت لا تتعرف علي ولا تريد ان ترى وجهي منذ ان عرفت طريقها الى الافلام التركية, والسؤال هنا من الميت حقا انا ام ساراماغو ؟ مرة اخرى يتحرك كتاب العمى ويرقص كتاب الانجيل بحسب يسوع, يتراءى وجه سارماغوا ساخرا لعله قد اشفق علي قليلا... نم يا عم ساراماغو نم قرير العين فانك خالد ونحن الاموات...