أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
" حلف الأطراف "...قصة التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا!!

بقلم : صالح النعامي ... 08.05.2010

رغم التعليقات الساخرة التي يحظى بها وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان من بعض المعلقين في وسائل الإعلام الإسرائيلية بسبب أسلوبه الفظ في التعامل مع زعماء الدول الأجنبية وبشكل يتنافى مع طبيعة عمله كمن يقف على رأس الدبلوماسية الإسرائيلية، إلا أن الكثيرين في المقابل يكيلون له المديح مؤخراً لأنه جعل على رأس أولوياته مواصلة اختراق إفريقيا، لدرجة أن صحافياً مخضرماً مثل معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة " هارتس " شببهه بوزيرة الخارجية ورئيس الوزراء الأسبق غولدا مائير التي عكفت منذ سنوات الخمسين والستين من القرن الماضي على إيلاء أفريقيا أهمية خاصة وحرصت على زيارة معظم دولها غير العربية في أفريقيا. ومن الواضح أن تحرك ليبرمان المكثف في أفريقيا حالياً يستهدف بشكل أساسي منطقة " القرن الأفريقي " على وجه الخصوص التي تضم كلاً من كينيا والسودان وأثيوبيا وأرتيريا والصومال.
*دور الموساد
وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية هي التي تتولى بشكل نظري المسؤولية عن تنسيق السياسات الإسرائيلية في أفريقيا، فإنه مما لا شك فيه أن الطرف الذي يلعب الدور المركزي والأساسي في هذه المنطقة هو جهاز " الموساد " الذي يعمل بالخفاء، ويحافظ على ممثليات ناشطة في الكثير من العواصم الأفريقية، كما كشفت صحيفة " هآرتس "، مؤخراً. وتفويض " الموساد " بالقيام بهذا الدور له علاقة بشكل أساسي بالدور التآمري الذي يسم دائماً تحرك هذا الجهاز، سيما على صعيد العمل على المس بالأمن القومي للدول العربية في أفريقيا أو المطلة على البحر الأحمر. فهناك علاقة وثيقة وأكيدة بين تعزيز العلاقات بين أثيوبيا وإسرائيل بشكل غير مسبوق مؤخراً وبين تهديد حكومة " أديس أبابا " بإعادة توزيع مياه النيل بشكل يمس بشكل خاث بكل من مصر والسودان. وتشير المصادر الإسرائيلية إلى أن العلاقة بين تل أبيب وأديس أبابا أخذت في الآونة الأخيرة منحىً درامتيكي، أظهرت فيه القيادة الصهيونية مرونة كبيرة، تمثلت بالتخلي عن حليفها السابق أسياس أفورقي مقابل الظفر بتعزيز العلاقة مع النظام الأثيوبي، وتمثل تعزيز العلاقة بين الجانبين في التوقيع على العديد من صفقات السلاح بين إسرائيل وأثيوبيا وبشروط ميسرة، إلى جانب تقديم خدمات في مجال التدريب، حيث تتواجد وحدات من المدربين العسكريين الإسرائيليين تعكف على تدريب القوات الأثيوبية. وهناك من يربط بين التعاون الإسرائيلي مع أديس وأبابا ونجاح أثيوبيا في تحقيق انتصارات على أرتيريا في المواجهات التي دارت بين الجانبين قبل عامين.
*ضرب الأمن القومي العربي
يتوجب ألا يتوقع أحد أن تتبرع إسرائيل أو أثيوبيا بالكشف عما يحاك بينهما ضد مصر من وراء الكواليس، فليبرمان الذي يدير السياسة الخارجية لإسرائيل في أفريقيا هو نفسه الذي هدد يوماً بقصف السد العالي، بينما يصر وزير المالية يوفال شطاينتس على اعتبار مصر " دولة عدو " على الرغم من توقيع اتفاقية السلام.
توظيف إسرائيل لعلاقاتها مع الدول والحركات التي تناصب الدول العربية العداء في المس بالأمن القومي العربي وإلهاء الدول العربية المؤثرة وإشغالها بمشاكل ثانوية وذلك لتقليص مدى تدخلها في الصراع العربي الإسرائيلي يعتبر جزءً أصيلاً من العقيدة الأمنية الإسرائيلية.
*التحالف مع أعداء الأمة
وقد وثق هذا التوظيف بشكل نادر شلومو نكديمون مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير الذي أشار إلى أن إسرائيل دأبت منذ الخمسينات من القرن الماضي على توثيق علاقاتها مع الأكراد في شمال العراق من أجل تعزيز توجهاتهم الانفصالية لضرب الدولة العراقية والتأثير على أولويات الدولة العراقية. وبنفس المنطق عززت إسرائيل علاقاتها مع نظام الشاه، وكذلك مع تركيا بقيادة العسكر والعلمانيين لعدائهما المستحكم تجاه الدول العربية. في نفس الوقت فإن قصة التحالف الإسرائيلي مع موارنة لبنان ماثلة للعيان، واعتماد تل أبيب عليهم في ضرب المقاومة الفلسطينية والحركات الوطنية اللبنانية. ويشير نكديمون في كتابه " حلف الأطراف " ( periphery alliance )، أن نفس المنطق أملى على إسرائيل إقامة علاقات وثيقة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تطالب بانفصال السودان، حيث حرصت إسرائيل على مد قوات الحركة بالسلاح والعتاد الحربي، علاوة على تدريب عناصرها. في نفس الوقت فإنه ليس سراً أن إسرائيل شجعت اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة على وضع الأجندة التي ترفعها بعض نخب الأقباط في المهجر على جدول أعمال كلاً من الكونغرس والإدارة الأمريكية، وتحديداً الدعاوى المتمثلة في التضييق على الأقباط وعدم المساواة في التعامل معهم، وغيرها من الملفات.
*حلفاء حسب المصلحة
وكانت علاقة رئيس أرتيريا أسياس أفورقي قوية جداً بإسرائيل، وقد أغرت تل أبيب أفورقي بالعمل على تهديد الأمن اليمني عندما أقنعته باحتلال الجزر اليمنية في البحر الأحمر، مستغلاً التفوق العسكري الذي ضمنه السلاح الذي زودته إسرائيل؛ لكن كما أشرنا سابقاً فإن السياسة الإسرائيلية في أفريقيا تقوم على المصالح فقط، فعندما وجدت إسرائيل أن مصلحتها تقتضي تعزيز علاقتها مع أثيوبيا خصم أفورقي اللدود، على حساب أرتيريا لم تتردد في لفظ أفورقي. من هنا فإن التجربة التاريخية تدلل على أن إسرائيل تقف بهذا الشكل أو ذلك خلف التحرك الأثيوبي، مدفوعة بحسابات مصلحتها الإستراتيجية، فتل أبيب معنية بإلهاء مصر وإشغالها بنفسها، على اعتبار أنها ستظل تمثل أكبر تحدي إستراتيجي لإسرائيل، كما يجاهر بذلك نائب رئيس الوزراء ووزير التهديدات الإستراتيجية في حكومة نتنياهو الجنرال موشيه يعلون، والذي شغل في الماضي منصب رئيس هيئة أركان الجيش.
*مصالح إستراتيجية
لكن اهتمام إسرائيل في " القرن الأفريقي " لا ينحصر فقط في محاولة التأثير على الأمن القومي المصري من خلال محاولة المس بحصة مصر من مياه النيل، بل يتعداه إلى تحقيق أهداف إسرائيلية كبيرة، حيث أن " القرن الأفريقي " يشرف على " باب المندب "، الذي تمر من خلاله 20% من التجارة الخارجية لإسرائيل. ومما لا شك فيه أن تصاعد دور تنظيم " القاعدة " والجماعات المرتبطة به في هذه المنطقة وتحديداً في الصومال زاد من حاجة إسرائيل إلى تواجد في المنطقة، وتدخل أثيوبيا كدولة مقربة من إسرائيل في الشأن الصومالي أسهم في تسهيل المهمة على إسرائيل، وهناك مؤشرات على أن إسرائيل وظفت الاحتلال الأثيوبي لأجزاء واسعة من السودان في منح " الموساد " مواطئ قدم في هذه الدولة الممزقة، خشية أن يتحول عناصر التنظيم للمس بالسفن الإسرائيلية التي تبحر في المحيط الهندي والبحر الأحمر، خاصة في ظل ازدهار عمل القراصنة الصوماليين.
ولا يخفي مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلي الأسبق تسفي بار قلق إسرائيل من ازدياد معدلات انتشار الإسلام في أفريقيا على اعتبار أن هذا العامل يثير القلق بشكل أساسي بالنسبة لتل أبيب، حيث يفترض بار أن هذا التطور يفضي إلى بيئة سلبية للمصالح الإسرائيلية، وهو ما يفاقم من حاجة إسرائيل لتواجد مكثف وعميق في المنطقة. وعندما تتوجه إسرائيل لأنطمة الحكم في الدول التي تعاني من صراعات على خلفية وقبلية، يكون أحد أطرافها المسلمون، فإنها تذكر هذه الأنظمة أنه بالإمكان الاعتماد على تجربتها في مجال مواجهة الحركات الإسلامية. من هنا نجد إن إسرائيل بذلت جهوداً كبيرة في التقارب مع نيجيريا على وجه الحصوص ووقعت معها على صفقة لتزويدها بالسفن الحربية.
لكن هناك قائمة كبيرة من المصالح الإسرائيلية في أفريقيا، تعمل على ضمان عدم المس بها، وتتمثل في:
1- احكام السيطرة على صناعة التنقيب على النفط في أفريقيا، حيث تتولى شركات إسرائيلية بغطاء أوروبي التنقيب عن النفط في عدد من الدول الأفريقية، وقد تعززت رغبة إسرائيل في استغلال احتياط النفط الأفريقي على أثر التقارير التي أصدرتها الأمم المتحدة والتي تحدثت عن أن الاحتياط الأفريقي من النفط يصل إلى أكثر من 80 مليار برميل.
2- تستغل إسرائيل المواد الخام التي يتم استخراجها من الدول الأفريقية، سيما اليورانيوم، حيث أنه في بعض الأحيان يتم هذا الاستغلال بعلم الدول الأفريقية، وأحياناً تستغل إسرائيل ضعف بنية الدولة والرقابة في الدول الأفريقية وتقوم بالبحث عن اليورانيوم واستخراجه دون أن أن تضع الدول الأفريقية في صورة ما تقوم به. ففي كتابه " بقوة العلم "، كشف العالم النووي الإسرائيلي أرئيل بخراخ النقاب عن أن إسرائيل قامت بسرقة اليورانيوم من دول أفريقية دون علمها، بحجة أن علمائها كانوا يقومون بأبحاث جيولوجية في صحاري هذه الدول.
3- تعتبر أفريقيا سوق واسع للمنتوجات الإسرائيلية، سيما في مجال الصناعات الحربية
4- تحتكر إسرائيل الكثير من الصناعات والمرافق الاقتصادية في عدد من الدول الأفريقية، فعلى سبيل المثال تحتكر الشركات الإسرائيلية صناعة الغذاء في أثيوبيا.
5- تعتبر صناعة وتصدير الماس أحد أهم مصادر الدخل القومي الإسرائيلي، حيث أن جميع الماس يتم استخراجه من الدول الأفريقية.
وتاريخياً استخدمت إسرائيل أدوات متعددة في تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية، فتارة عبر تصدير الخبرات الفنية في مجال الزراعة، وتارة في مجال التدريب العسكري وتأهيل الألوية العسكرية المسؤولة عن حماية أمن الرؤساء الأفارقة وتقديم العلاج الطبي سراً لأرباب الحكم في المستشفيات الإسرائيلية، واستيعاب الطلاب الأفارقة في الجامعات الإسرائيلية. وفي بعض الأحيان لم تتردد إسرائيل في المساهمة في تدبير انقلابات عسكرية في بعض الدول الأفريقية، وكما يؤكد الصحافي يوسي ميلمان معلق الشؤون الاستخبارية الإسرائيلية فإنه في حكم المؤكد إن الموساد أسهم في حدوث انقلابين في كل من أوغندا وزنجبار.
أن الذي يصيب المرء بالاحباط هو حقيقة أن إسرائيل تتحرك في القارة الأفريقية دون أن تواجه أي مقاومة عربية على الاطلاق، حيث أن الدول العربية تحرص على عدم استغلال الكثير من الأدوات التي بإمكانها استخدامها ليس منع التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، بل حتى لا تواصل إسرائيل توظيف هذا التغلغل في المس بالأمن القومي العربي. فكلمة سر مشروع إسرائيل مقابل فراغ عربي.