بقلم : عطا مناع ... 19.09.2010
قد يعتقد البعض أنها عدمية فكرية عندما نؤكد على حتمية انسحاب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وخاصة أن الحالة الفلسطينية مشبعة بالمفاهيم الترقيعية التي تدعوا للرهان على المنهج التفاوضي الفلسطيني الذي اثبت فشلة حتى ألان باعتراف ركائزه الرئيسة التي ما عادت تعتمد سقفاً وإستراتيجية وطنية تحافظ على الحدود الدنيا من تطلعات الشعب الفلسطيني.
بالطبع هناك وجهات نظر؟؟ ولكن يمكن لوجهات النظر هذه أن تصمد أمام البعد العقائدي والتاريخي لفصائل المعارضة الفلسطينية المكبلة بمواقف الآباء الأوائل الذين اتخذوا القرارات والمواقف الصعبة والمسئولة انطلاقا من قدرتهم على استشراف المستقبل على اعتبار أن اللحظات التاريخية بحاجة إلى قادة تاريخيين يرتقون لمستوى وهذا الذي كان.
المشهد الفلسطيني التفاوضي والداخلي واضح لكافة ألوان الطيف الفلسطيني، وبحسبة بسيطة فان كل جولة تفاوضية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي تزيد من حجم الهوة بينهم ويبن حقوقهم الوطنية، ناهيك عن الوضع الداخلي المتمثل بإطراف الانقسام التي تخفي مشروعها الاقتصادي بشعارات وطنية ما عادت تنطلي على احد، لدرجة أن ما يسمى بالعقلانية اليسارية والشعارات الاعتراضية التي تتخذها كمحاولة لتنفيس الأزمة زادت من حدة الأزمة الداخلية لهذه الفصائل لتتجلى بالأزمات الداخلية المتكررة وتعرضها للعنف البوليسي من قبل الأجهزة البوليسية التي افرزها الانقسام.
مجريات وتطورات الأحداث التي تشهدا تسارعاً ملحوظا في سلبية العلاقة بين المعارضة والسلطة يؤكد أن وراء الأكمة ما وراءها، وما حدث في قاعة البروتستانت إلا مؤشرا بسيطا لمستقبل قاتم ستعيشه المعارضة الفلسطينية وبالتحديد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لماذا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين؟؟ سأتعرض لذلك في معرض هذه الرؤيا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاحتكام للقانون الذي يضمن حرية الأحزاب والشعب في ظل الإسقاطات السياسية والميدانية البعيد كل البعد عن التوجه الفلسطيني، وهذا ما تجلى في الاجتماع الأخير للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، هذا الاجتماع الذي وضع الجبهة الشعبية تحديداً أمام مسئولياتها التاريخية التي لا يمكن أن تتحرر منها مهما كانت التعقيدات لأنها إي الجبهة عاشت محطات مفصلية في العلاقة الفلسطينية التاريخية اتخذت خلالها قرارات وصفت بالراديكالية.
إن حتمية انسحاب الجبهة الشعبية من اللجنة التنفيذية أو تجميد عضويتها مرتبطة بالأب الروحي لها الدكتور جورج حبش الذي لا زال حاضرا بقوة في أوساط قواعدها ، جورج حبش الذي اتخذ القرارات الصعبة التي كان لها كبير الأثر في مسيرة الجبهة الشعبية، وإذا عدنا إلى الوراء عندما انسحبت الجبهة الشعبية من اللجنة التنفيذية عام 1974 عندما تخلت منضمة التحرير عن لاءات الخرطوم، وعام 1977 عندما شكلت جبهة الرفض في مواجهة التوجه الجديد والذي تخلى عن تحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
هي مواقف اتخذتها الجبهة الشعبية لها مكانها وزمانها، لكنها حفرت لها مكانا في الحياة السياسية والوطنية الفلسطينية، ووضعت الجبهة الشعبية أمام استحقاقات عقائدية لا تتبدل بتبدل الظروف، رغم أن الواقع السياسي الذي تعيشه القضية الفلسطينية في هذه المرحلة يعتبر الأخطر في تاريخها، مع الإقرار بالمتغيرات التي عصفت بالجبهة الشعبية وفصائل المعارضة التي مسكت العصا من النصف كمحاولة منها لخلق التوازن والحفاظ على ما يمكن الحفاظ علية من الثوابت الفلسطينية لكنها فشلت بامتياز.
إن الاستحقاقات الأيدلوجية والعقائدية التي تقيد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تضعها أمام مفترق تاريخي وخاصة بعد اتضاح الرؤيا للمستقبل الفلسطيني المنظور، ولا اعتقد أن الدعوات العقلانية الصادرة عن بعض المحللين الحريصين على الجبهة الشعبية من الممكن أن تلعب دورا في إبعاد الجبهة الشعبية عن مسارها التاريخي في تعاطيها مع الواقع الفلسطيني، وإذا حدث ذلك سيكون بفعل متغيرات بنيوية داخلية عاشتها الجبهة بفعل المستجدات الفلسطينية المتمثلة بالسلطة الفلسطينية.
لكن: هل من الواقعي والمنطقي أن تقرر الجبهة الشعبية الانسحاب من اللجنة التنفيذية؟ لا أميل إلى الاعتقاد أن المنطق هو الذي يحكم حركات التحرر الوطني في اتخاذ مواقفها التاريخية، لأنها بذلك تفقد مبرر وجودها واستمراريتها كفيصل استطاع أن يشكل صماما للامان لمنظمة التحرير الفلسطينية في الفترات المفصلية، لكن الواقعي أن تتخذ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تحركات تكتيكية اعتراضية تتناسب مع خطورة المرحلة، لكن السلطة الفلسطينية سحبت البساط من تحت إقدام الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح وبالتالي لم يعد للتكتيك الوطني مجالا، وأعيد إلى الأذهان مرة أخرى ما حدث في قاعة البروتستانت وتعرض المعارضة الفلسطينية السياسية والشخصيات المعارضة للمفاوضات المباشرة للقمع، والاعتقالات التي شنتها الأجهزة الأمنية في صفوف عناصر وأنصار الجبهة الشعبية في مخيم الدهيشة على خلفية أحداث عامة، كل هذا يدلل على توجه للسلطة الذي يفترض أن تكون ذراعا من اذرع منضمة التحرير.
ولا يمكن حصر التطورات القادمة في العلاقة بين المعارضة الفلسطينية من جهة والسلطة الفلسطينية التي وضعت يدها بالكامل على منظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى، فمجريات الأحداث الميدانية والاستحقاقات التي تفرضها المفاوضات تلقي بظلالها القاتمة على المشهد الفلسطيني الذي بات أسير مجموعة من الإفراد يتخذون القرارات الخطيرة ويدخلون المنطقة المحرمة بدون حساب للنتائج القاتلة، وهذا سبب أخر من سيفضي إلى ضرورة وحتمية اتخاذ الصراع الفلسطيني الداخلي أشكالا أخرى تبرر استمرارية التوجه المعارض للتسوية الراهنة.
ولكن السؤال الذي يقفز إلى ذهن المواطن العادي قبل السياسي والمثقف، هل تستطيع الجبهة الشعبية بالتحديد وفصائل المعارضة التقدم خطوة إلى الأمام؟ في ميزان الربح والخسارة يكون الجواب لا، ولكن في ميزان المراهنة على البعد التاريخي والإيمان بعدالة القضية الفلسطينية فنعم كبيرة، لأنة وبكل بساطة من غير المنطق أن تتجسد المعارضة في الأغلبية، وبالعادة تدفع المعارضة إي الأقلية الثمن الأكبر للوصول إلى أهدافها التي تكبح عملية التدهور السياسي الذي تعيشه حركات التحرر الوطني، وهذا ماسيكون على الساحة الفلسطينية.
بلا شك ستدفع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ثمنا باهظا إذا قررت الانسحاب أو تجميد عضويتها في منظمة التحرير الفلسطينية، لكن الثمن الأكبر الذي ستدفعه في بقائها الغير فاعل باعتراف قادتها السياسيين، ولا استطيع أن اجزم بهذه الرؤيا نظرا للتعقيدات التي تعيشها الجبهة والوضع الفلسطيني السياسي، وما استطيع إن اراة حتمية انسحاب أو تجميد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لعضويتها في منظمة التحرير الفلسطينية!!