أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أسئلة فلسطينيّة مشروعة!!

بقلم : رشاد أبوشاور ... 08.09.2010

من مزايا الفصائل الفلسطينيّة أنها لا تحتمل النقد، ويضيق صدرها بتوجيه الأسئلة، فهي اعتادت دائما على امتداح حكمتها، والقول في بياناتها ـ وهي غالبا لا تحتفظ بها، فالذاكرة عندها غير ذات شأن! ـ مخاطبة الجماهير: أثبتت الوقائع صدق ودقّة تحليلاتنا، ومواقفنا...
هم جميعا دقيقون، صادقون، تحليلاتهم صائبة، ومع ذلك فشعبنا، وقضيتنا، من خسارة إلى خسارة!
ولأن الفلسطيني بات يتشكك باستمرار، لأنه لُدغ من الجحور مرارا وتكرارا، فإنه ما عاد يصدّق أي بيان، ولا يعوّل على أي لقاء، رسميا كان أم شبه رسمي، فإنه من الطبيعي أن يطرح أسئلة، رغم عدم إصغاء الفصائل لأسئلته، وإن سمعتها فهي تعرض عنها، وتجيب بعبارات طنانة، مُبتزة، عاطفية.
رغم ذلك، لا بد من طرح الأسئلة، والمزيد من الأسئلة، ونحن نرى، ونتابع من جديد استئناف رحلة التيه في دهاليز جلسات التفاوض التي انطلقت من واشنطن.
بعض الأسئلة موجهة إلى أصحاب خيار المفاوضات التي أغرقت القضيّة في لجج مسيرة مدمّرة، مع عدو لن يُغيّر استراتيجيّته التوسعيّة الاستيطانيّة المندفعة قدما، في حين تنحسر مساحة الأرض الفلسطينيّة بفعل أنياب الجرّافات، واجتياح المستوطنين المحموم لما تبقّى من أرض حول القدس، وداخلها، وبين المدن الفلسطينيّة التي تتحول يوما إثر يوم إلى معازل!.
عاريا يتوجه المفاوض الفلسطيني إلى واشنطن، والتعهّد الصريح من إدارة أوباما، بلسان وزيرة الخارجيّة كلينتون: لن نضغط على أي طرف للتوصل إلى حل، وبلسان نائب الوزيرة: ربما لن يتم التوصل إلى حل في غضون عام، ولكننا نتوقع التوصل إلى إطار.
لم تكن مصادفة أنه صنع بأصابعه ما يشبه الأنشوطة، لأن الإطار سيكون حول العنق الفلسطيني المُساق صاغرا إلى كارثة.
نتنياهو المستقوي بانحياز إدارة أوباما كلينتون، وضعف العرب واستجدائهم، واستجابة وخنوع المفاوض الفلسطيني الضعيف، وضع في خطابه شرطين حاسمين: اعتراف المفاوض الفلسطيني بالكيان الصهيوني دولة يهودية، والأمن ..فقط!
والرئيس عبّاس استفاض في الحديث عن عملية الخليل، والسيّارة المستأجرة، وبطولة أجهزة الأمن الفلسطينيّة في المطاردة، وتحديد صاحب السيارة ومستأجرها ...تصوروا في خطاب أمام العالم، يفترض أن يركّز على حقوق الشعب الفلسطيني!
لم يتوقف ليستغل الفرصة أمام الفضائيات، وملايين البشر المتابعين للخطابات، ليذكّر بأن الاستيطان في الضفّة الغربيّة والقدس، هو سبب (العنف)..أي المقاومة، خشية إغضاب كلينتون و..نتنياهو.
فلسطينيون كثيرون لم يفقدوا إيمانهم بالمقاومة، بل ما زالوا يرون أنها الخيار الصحيح، وهؤلاء يعرفون أن السلطة تلاحق كل حملة السلاح من الفصائل: حماس، والجهاد، وأي طرف، بما في ذلك بقايا كتائب الأقصى التي دمّرت تماما، وشتت رجالها، وأُلحق بعضهم في صفوف أجهزة الأمن ـ من مقاومين إلى مُطاردين للمقاومين! ـ واستشهد بعضهم برصاص المستعربين الصهاينة، رغم منحهم (الحماية) بعد أن تخلّوا عن نشاطاتهم وسلّموا أسلحتهم لأجهزة أمن السلطة.
المفاوضات، مباشرة، أو غير مباشرة، أوصلتنا إلى الخسائر الفادحة، وما الجولة الجديدة في واشنطن سوى استمرار على درب الخسارة، ما دامت الخيار الوحيد!.
في اليوم الأوّل للمفاوضات في واشنطن وقعت عملية الخليل ـ بني نعيم، فشكّلت مفاجأة لكثيرين، وربما صدمة للمفاوض الفلسطيني، والإدارة الأمريكيّة، وفرصة لنتنياهو الذي بدأ يتحدث عن سبعة أيتام هم أبناء القتلى الأربعة في تلك العمليّة، وركّز على الأمن، قافزا عن الاستيطان، والدمار الذي يلحق بحياة الفلسطينيين، من القدس إلى كل أنحاء الضفّة الغربيّة المحتلّة عام 67، والتي هي الأرض (الموعودة) لتكون أرض الدولة مع قطاع غزّة المحاصر!
إذا كانت المفاوضات فاشلة سلفا، فلماذا القيام بعملية أو عدّة عمليات لإفشالها؟
عدد من أبرز قادة حماس صرّحوا بأن الجولة الجديدة من المفاوضات محكومة بالفشل!
كنت كتبت مرارا وتكرارا أن حماس تستطيع القيام بعمليات في الضفّة، مع معرفتي بشراسة عمليات المطاردة من أجهزة أمن السلطة لـ(مجاهديها)، ولمجاهدي الجهاد، ولكنني كنت على قناعة بأنه رغم كل ما تفعله تلك الأجهزة فإن حماس قادرة على تخطي كل العوائق وتوجيه الضربات لحواجز الاحتلال، ودورياته، ومستوطنيه الذين يعيثون خرابا..ولكنها تؤجّل نشاطاتها لأسباب تخصها.
إذا كانت حماس ترى بأن المفاوضات ستفشل، وتحكم عليها بالفشل مسبقا، وبالمناسبة هي تلتقي مع آراء كثير من المراقبين والمتابعين، فلسطينيين، وعربا، ودوليين، فلماذا تضع نفسها في موضع المتهم بإفشالها، في حين أن نتنياهو وحكومته التي توصف بالأكثر يمينية وتطرفا كفيلة بإفشالها؟!
الدكتور الزهّار صرّح للـ BBC صبيحة الجمعة 3 أيلول/سبتمبر الجاري: لماذا نتهم دائما بأننا نتسبب بالفشل، المفاوضات فاشلة، وهي ليست بحاجة لنا لنفشلها.
بعض الشخصيات السلطوية تقول بفشل المفاوضات، ولا تتوقع منها خيرا..فهل هذا للتعمية والتضليل، أتسهل عملية إبرام اتفاق جديد يدمّر القضيّة ويصفيها نهائيّا؟!
من جهة أُخرى فإن عملية الخليل قد ترافقت مع تصريحات ووعيد بإفشال المفاوضات.
هذا الارتباك في الخطاب، والتصريحات، يدفعنا للتساؤل: هل هذه العمليات: الخليل، وعمليتا رام الله، مقدمة لاستئناف المقاومة من جديد، كاستراتيجيّة، وليس تكتيكا، أم أن الهدف منها البرهنة على ضعف السلطة، وأن حماس موجودة، وأنها (الرقم) الذي لا يمكن تجاوزه، ولا بدّ من أخذه بعين الاعتبار؟!
في غزّة عقد مؤتمر صحافي لـ 13 جناحا عسكريّا ـ يا للرقم 13ـ مع إننا نحتاج فقط لجناحين للمقاومة: جناح مسلّح، وجناح شعبي جماهيري، بهدف تحرير أرضنا، بمقاومة بكافة الوسائل، وفي مقدمتها الكفاح المسلّح الذي هو حّق مشروع للشعوب المحتلة أراضيها.
أذكّر بأنني كتبت مرارا حول ضرورة أن تتخلّص حماس من عبء السلطة، وتعود للمقاومة، وتبدأ من غزّة بتشكيل قيادة وطنية تدير شؤون القطاع، لتنتقل التجربة من القطاع إلى الضفّة، وتشمل كافة القوى الفلسطينيّة، وتبدأ بالتصدّي للمستوطنين، وجيش الاحتلال، بعد أن فشلت مسيرة (السلام) الموعود، وعاث المستوطنون في القدس والضفة.
من جديد، لا بدّ من التساؤل: هل حماس مستعدّة للتخلّي عن السلطة والهيمنة على القطاع، والعودة للمقاومة، والتخلّي عن مطاردة من يخالفها، ومن يحمل سلاحا لا يخضع لها، وتوجيه الاتهام بأنه سلاح غير شرعي؟!
إذا كانت العمليات في الضفّة بداية جادة، وصادقة، واستراتيجيّة، لمقاومة موحدة، تضم جميع المقاومين الفلسطينيين، بقيادة وطنية واحدة، وبأهداف محددة متفق عليها، فإن هذا التحوّل سيحظى بالتقدير، وهذا لن يتحقق مع تنفيذ بضع عمليات متفرقة هنا وهناك، لأهداف محدودة وخّاصة، لا تنقذ القضية وتخرجها من المأزق، ولا تمنح شعبنا الثقة من جديد بفصائل المقاومة.
انطلاقة المقاومة من جديد، تستدعي دراسة ما مضى، والاستفادة من كل ما حدث، فهناك منجزات، وهناك خسارات، وليس لأي طرف أن يقرر نيابة عن الجميع، ويجتهد وحده، ويمضي بالقضية وحده، وكأن القضية حكر عليه، والشعب دوره أن يُقاد بعمى، وأن يُخسّر برضى!
معركة المقاومة في حال استئنافها فضاؤها حاليا: الضفّة، والقدس، وحول غزّة.
القطاع بقيادة سياسيّة، وليست فقط عسكريّة، سيبدأ رحلة الخروج من الحصار...
ليس لنا أن نفرض على أهلنا في عمق وطننا، في الـ48، أساليب النضال التي يقررونها ويختارونها، فنضالاتنا يفترض أن تتكامل.
هذه أفكار، وأسئلة مُضمرة ومعلنة، وهي وأكثر منها تتردد على ألسنة أهلنا، والمهم أن تجد من يصغي بتواضع وصدق، لا باستعلاء، فلا وصاية على شعبنا الذي ما عاد يحتمل مزيدا من الأوصياء!!