بقلم : ريم عبيدات ... 28.07.2010
في أغلب، إذا لم يكن في الصحف العربية كافة، وبالذات على مستوى التغطيات الثقافية والفنية منها، حزن على الجمهور،وعتب شديد عليه، بجانب عتب يطال الصناعة الثقافية برمتها .
فعلى امتداد الخارطة الصيفية للعواصم العربية، ترتسم المهرجانات والمناسبات الفنية على كل فسيفساء المشهد، وتتنوع التعليقات على المشاركات المختلفة، لكن حزناً واحداً كبيراً يخيم عليها، وهو انحسار الجمهور بصورة عامة، وتغير بنيته النفسية والاجتماعية، بما يرشح من عادات التلقي الجديدة .
صحيح أن التغير هو أصل الظاهرة الاجتماعية وقلبها بامتياز، لكن الخروج تماماً من جلد قيم التلقي والمشاهدة يثير الكثير من تساؤلاتنا التفصيلية .
حزينة بحق تئن كراسي المسارح والمراكز الثقافية وصالات العروض في العالم العربي كله، من فرط الإهمال والتراجع الفظيع حتى لمستواها اللوجستي والمادي، والتراجع الكبير في القيم الجديدة التي تنعكس على المتلقين الجدد، واختلاط نسبها بصورة منفّرة مع سلالة الأعمال التجارية كافة التي حطّت سيفاً فظيعاً من الشرطية المادية على رقبتها، وقناعاً منيعاً من التجهم على مخيلتها .
غادرنا ذلك الزمان الجميل، الذي كانت فيه المناسبات الثقافية المختلفة، ملاذ العائلة العربية نحو سماء الخيال، وصديقة المساءات المتألقة، والصداقات المثقفة وأتون الفكرة المتألقة، وعمق القضايا وارتشاف ليال خاصة محملة بالمعاني، ومدججة بالحيوية الفكرية والإمتاعية .
جاء التلفزيون مخلفاً إزاحته الأهم للثقافة البصرية والترفيهية، وليحتل مكان الفعل الثقافي في العالم أجمع، وباعثاً لعدد من ظواهر وعادات المشاهدة المتباينة كماً وكيفاً في الجغرافيا الثقافية والمعرفية للعالم .
والمشوار الطويل الذي قطعه الحدث الثقافي في العالم من العمل المنظم على معمار دور العرض والمناسبات المختلفة داخلياً وخارجياً، وعلمية الديكور وراحته للتلقي، ومراعاة أدق تفاصيل حساب المسافات بين الشاشة والمتلقي والحسابات الفيزيائية للحواس البشرية، واحترام طقوس التلقي وحرية الآخر .
وليس آخرها تطور وسائل وأساليب العرض، والمهرجانات المختلفة، كما والأكاديميات السينمائية حول العالم، فيما انزلقت مناسباتنا الثقافية كالماء المستعجل، مخلفة وراءها ذكريات أجيال من الألق . فالمشهد المحبط، خلّف تراجعاً مدوياً، ليس فقط في إدارتها وتمويلها، بل في سويتها الشكلية وترتيبها ومرافقها .
تراجع الحدث الثقافي عربياً، ظاهرة تلج الى أعماق الوجدان المجتمعي والثقافي والمعرفي، وانعكاس لتراجعات عدة لمنابع الحياة الحقيقية فينا، تلك المأهولة بالفكرة والخيال والإبداع، لتشيح بطعم أكثر ملوحة على بقايا المساحات النضرة على أيامنا القادمة .
انحسار مياه الإبداع من سماء الحياة اليومية العربية، دعوة لترك الأفراد لمصائر محزنة أكثر كنتيجة لتراجع تفاصيل أنماط الإبداع كافة، وهيمنة الثقافة الاستهلاكية على حياتنا، وفصل جديد من فصول الخوف الذي يذرف بآلاف القضايا التي تستأهل التفكير من غلبة ثقافة الحد الأدنى، وثقافة الضرورة الفقيرة بل والأفقر باستمرار .