أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
عناد الأم: الظلم والنهاية المؤلمة!!

بقلم : مها ساق الله ... 06.08.2010

قصة تجاوز عمرها الخمسين عاما، أبطالها زوجان وبناتهما الثلاث، الكبرى 5 أعوام والوسطى 3 أعوام والصغرى بلغت عامين، لم يكن الزوجان على استقرار في علاقتهما الزوجية، كثيراً ما كان يحدث بينهما مشاكل لعدم وجود تفاهم بينهم وإصرار كل منهم على رأيه، وكثرت التدخلات من أهل الزوج على أن يتزوج ثانية ليتخلص منها ومن مشاكلها ولكي ينجب ولداً لأنه لم يكن لديه أي ولد منها، وبالفعل قرر الزوج أن يتزوج من أخرى لكي يرزقه الله بولد، وطلب من زوجته أن تبقى في منزلها معززة مكرمة إلا أنها أبت وكان ردها:" إذا تزوجت أنت، فأنا أيضاً سأتزوج".
وبالفعل تزوج من ثانية وهي كذلك تركت بناتها وكان عنادها سيد الموقف.. لم تفكر بحال بناتها بعد زواجها بآخر ولم تأبه لمصيرهن، وجلست البنات مع زوجة أبيهن وأنتم تدرون كيف تكون زوجة الأب؟ لقي البنات الثلاث كل معاني المرارة والألم من زوجة أبيهن، وبعد الإصرار الشديد من قبل زوجة أبيهن بضرورة مغادرتهن المنزل أرسلن إلى منزل عمهن وسافر الأب وزوجته إلى السعودية، وتزوجت والدة البنات من آخر.
وخلال إقامة البنات الثلاث في منزل زوجة أبيهن كانت حياتهن قاسية، حيث الذل والإجبار، والمعاملة السيئة، لاحظت على شفاه البنت الوسطى خدشاً يراه كل من ينظر إليها فسألتها ما سبب ذلك الخدش, فأجابتني:" إن ذلك جرح قديم منذ طفولتي، عندما ضربتني زوجة أبي، فجرحت شفتي، ولا زالت آثار ذلك الجرح حتى الآن"
الأب تزوج وسافر إلى السعودية، والأم تزوجت، والبنات الثلاث رحلن إلى منزل عمهن ليلاقوا العذاب المرير, ولكي يحصلن على قوت يومهمن كان عليهن أن يعملن ويخدمن في بيوت الجيران طوال النهار، كان مأكلهن ومشربهن وحتى منامهن الذل والشقاء، وكنّ يحلمن بأن ينعمن بحياة كريمة وسط والديهم.
"في إحدى الأيام طلبت مني معلمتي في المدرسة أن أحضر صنارة لتعلمنا كيف نصنع شيئاً من الصوف، لم يكن بوسعي أن أشتري تلك الصنارة، وكنت أخاف أن أطلب من زوجة عمي مالاً لكي أشتريها، فذهبت للشوارع والطرقات أبحث لعلي أجد شيئا مشابها للصنارة" هذا ما قالته البنت الكبرى عن موقف مرت به خلال طفولتها, أي أم تترك بناتها يدرن في الشوارع بحثاً عن أبسط احتياجاتهن !!! كل ذلك نتاج عنادها لزوجها!!! أين رحمة الأم !!! أين قلبها الحنون!! أما عهدنا على أمهات المسلمين بلين القلب ورقته، والعاطفة الجياشة، والأم المعطاءة !!
مرت السنين، وتوفت البنت الوسطى بمرض، وكبرت الفتيات وما أن بلغت الفتاة الكبرى الخامسة عشرة من عمرها حتى تقدم لها أحد أقاربها وما كان من زوجة عمها إلا الموافقة على الفور، وكذلك كان النصيب للفتاة الصغرى أن تتزوج بعد أختها بفترة قصيرة.
تزوجتا وعاشتا حياتهما مع زوجيهما، كانت طفولتها مليئة بالشقاء، ولم يكن زواجهنّ أحسن حالاً حيث عانتا الأمرين مع زوجيهما، حيث كانت تمر عليهم أيام لا يوجد لديهم ما يأكلونه ويشربونه, كان الفقر يملأ كل أروقة منزليهما.
ومع مرور الأيام والسنين رزقت كل منهن بعدد من الأولاد، وتغير الحال من الأسوأ للأفضل للبنت الكبرى حيث فتح الله على زوجها من واسع رزقه، بعد أن عمل تاجراً فأصبحت ثروته كبيرة، وبعد أن كان لا يجد ما يأكله أصبح الآن يتصدق على الناس ويزكي من أمواله شاكراً ربه على ما نعمته.
أما البنت الصغرى لم يتحسن حالها، وبقي زوجها على ما هو عليه دون عمل، فكانت أختها الكبيرة دائماً ما تساعدها وتقدم لها الطعام والشراب، وتساعدها مادياً لتدير شؤون منزلها ولتلبي احتياجات أولادها.
وكانت البنت الكبيرة والصغيرة يترددان على والدتهما بين الفينة والأخرى, وكذلك الأم كانت تزور بناتها بين الوقت والآخر.
كبرت الأم وكثرت الأمراض التي أصابت جسدها، ولم يعد طبيب يستطيع تقديم العلاج المناسب لها، فلازمت الفراش، أصابها الشلل لا تستطيع التحرك ولا فعل أي شيء.
كان من الممكن على البنت الكبيرة والصغيرة أن يعاملوا والدتهن مثل ما عاملتهما في طفولتهما ويتركانها من دون سؤال عنها أو زيارة لها، عقاباً لها على ما فعلته بهما عندما تركتهما ورحلن لمنزل عمهن ليعيشن هناك.
وكثيراً ما يردد زوج البنت الكبيرة على لسانه ويقول لزوجته:" أمك ظالمة وما يحدث بها الآن عقاب من الله على ما فعلته بكم" ولكنه رغم ذلك لا يكل ولا يمل من دعوتها لزيارة والدتها والوقوف بقربها ومساعدتها قائلاً لها :" تبقى أمك وواجب عليك مساعدتها".
ولكنهم كانوا أرحم منها فأصبحوا يذهبون إليها يومياً لكي يطعموها ويشربوها، فهي أصبحت الآن مثل الأطفال لا تستطيع أن تأكل ولا أن تشرب إلا بمساعدة الآخرين، وتحتاج لمن يغير لها ملابسها وينظفها، ولم يقم بذلك العمل سوا بنتيها اللتين حرما من حنانها في طفولتهما.
ثلاثة أعوام ظلت الأم تلازم الفراش وتزداد حالتها سوءً يوماً بعد يوم، ولا زالت كل من بنتيها الكبرى والصغرى تقفان بقربها وهما ترجوان من الله الرحمة بوالدتهن وتدعوان لها بالشفاء!!

غزه