بقلم : ردينة حيدر ... 29.08.2010
منذ حلقاته الأولى يحوز مسلسل "وراء الشمس" على شغف واهتمام المشاهدين، إذ يدخل بعمق في صلب قضايا المجتمع بشكل عام وقضايا الإعاقة بشكل خاص، بعدد من أبطال الدراما السورية، التي أثبتت التصاقها بالواقع في السنوات الأخيرة، بشكل ينم عن نضج ووعي كبيرين، ومواكبتها للعمل الإعلامي المدني، الذي دأب مرصد نساء سورية وبعض الجهات الحكومية والمدنية الأخرى على رصده ونشر الوعي حوله بقوة وجرأة.
وتأتي شخصية "بدر" التوحدي والذي يؤديها باحتراف وإبداع منقطعي النظير الفنان الكبير بسام كوسا، حيث لا يغيب عن نظر الفنان أدق تفاصيل الشخصية، لتجسد معاناة الأهل والمجتمع المحيط والشخص التوحدي نفسه الذي يعيش في عالم مغلق مع ذاته، منعزلا عن الآخرين، لكن حب الأم (الفنانة الكبيرة منى واصف) الفطري، والصافي، يواصل الطرق على ذلك الجدار الصلب، حيث يعيش ولدها وحيدا محاولا تحطيمه، لتبدأ رحلة البحث الإنساني، وينشأ نوع من التواصل الشفاف، وغير المؤدلج بين الأم وولدها التوحدي.
والملفت أيضا في المسلسل أن يقوم الشاب علاء الدين زيبق ذو الإعاقة الذهنية حقيقة "داون سيندروم" بأداء شخصية شاب لديه إعاقة "داون" في إحدى العائلات الميسورة الحال، حيث تعتني هذه العائلة بابنها، وتتأقلم مع واقع إعاقته، وتعمل على تقديم كل إمكاناتها للعيش بسعادة وانسجام في مجتمع أكثر ما يحمله تجاه الإعاقة هو نظرة الشفقة والاسترحام، لكن هذه الأسرة تحاول تخطي تلك النظرة، والدفع بابنها إلى الخروج إلى المجتمع، والقيام بالعديد من الأنشطة الحركية التي تعتبر هي المفضلة لدى أطفال الدوان كالسباحة واللعب الحر في الحديقة. كما يتعرض المسلسل لموضوع إجهاض الجنين في حال وجود إعاقة، والذي لايزال محط جدل وساع بين الجهات العاملة في قضايا وحقوق الإنسان، والأهل والمجتمع، حيث ينشأ صراع حاد بين زوجين مقبلين على وضع طفل لديه إعاقة "داون سيندروم"، إذ تقاوم الأم "صبا مبارك" الضغط الممارس من قبل الزوج "باسل خياط" لإجهاض الجنين، وتعبر عن رغبتها -رغم نظرة المجتمع السلبية للمعوقين- بالاحتفاظ بالجنين.
ما يميز مسلسل"وراء الشمس" حتى الآن الطرح المنطقي، وغير العاطفي، وأيضا محاولته طرح أسئلة كبيرة، حول مسؤولية كل من الحكومة والمجتمع المدني تجاه قضايا المعوقين، التي لا يمكن فصلها عن باقي قضايا المجتمع، حيث أن العمل على تأهيل المعوقين، وتأهيل البيئة، ونشر الوعي بالاختلاف بات ضرورة حتمية لتطور المجتمع ككل، وأصبح من الضرورة بمكان تقديم كافة أشكال الدعم المادي والمعنوي لأسر الأطفال المعوقين والنهوض بواقع المعوقين.
ففي حالة بدر، مالذي قد يحدث له إذا ماتت والدته، أو تعرضت لحادث ما.. كذلك الأمر بالنسبة للشاب علاء..
"وراء الشمس" كل شيء يحترق عتمة، كوكب مظلم تسوده حياة من نوع خاص، أحياء تكتنفهم الوحشة، والانفصال الكلي عن رحم المألوف، عالم تكتنفه القسوة والغموض ، ينتظر قلبا واحدا ويدا واحدة تديره الشمس نحوه..
تمنحه إشراقة حب وقبول للآخر..
"وراء الشمس" حالة ملفتة من الوعي والنضج في طرح ومعالجة قضايا المجتمع بشكل عام والإعاقة بشكل خاص
مرصد نساء سورية يتوجه بتحية كبيرة لكل من ساهم في إنجاز وإنجاح مسلسل "وراء الشمس" لمخرجه سمير حسين وكاتبه محمد العاص.