أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
بعد 62 عاما من النكبة.... مقاومة فسياسة فتياسة... فماذا..!!؟

بقلم : حاتم أبو شعبان* ... 13.05.2010

بعد النكبة التي أحلت بالشعب الفلسطيني عام 1948، مر الشعب الفلسطيني بثلاث مراحل رئيسية هامة حتى الآن، كان أولها المقاومة التي بدأت بعد النكبة عام 1948 مباشرة من أجل التحرير والعودة، ووقف العالم أجمع معنا في هذه المرحلة بكل الدعم والتأييد المطلق لحق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى دياره في فلسطين المحتلة وحقه في تقرير المصير، وكانت المعطيات الدولية طوال تلك المرحلة تسمح بالتعاطي مع المقاومة المطلقة في ظل وجود قطبين متناقضين يحكمان العالم وهما الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة للاستعمار والامبريالية في كافة أنحاء العالم، والإتحاد السوفيتي قبل انهياره الذي كان داعما لكافة قوى التحرر الوطني في العالم والداعم لقضايا الشعوب المنكوبة من الاستعمار وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدعم السوفيتي في ذلك الحين لم يكن حبا في دعم هذه القضايا بقدر ما كان تحدياً للإدارة الأمريكية المنافسة له في السيطرة على العالم، وفد نجحت قوى التحرر الوطني في العالم من استثمار هذه المنافسة للحصول على الدعم المعنوي والمادي والعسكري والسياسي لها من الاتحاد السوفيتي.
وقد توجت مرحلة المقاومة الفلسطينية بالانتفاضة الأولى التي استمرت من عام 1987 وحتى نهاية عام 1993 بعد أن تم توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل حيث تم توقيع اعتراف متبادل بين المنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وإسرائيل.
بعد توقيع اتفاق أوسلو بدأت مرحلة جديدة من الصراع الفلسطيني العربي مع إسرائيل وهي مرحلة السياسة التي قادها بحكمة الشهيد/ ياسر عرفات الذي لا يستطيع أحداً أن يشكك في وطنيته وحرصه على المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني وتمسكه بالثوابت الأساسية له، حيث بدأت المفاوضات بين المنظمة وإسرائيل بعد انتهاء حرب الخليج التي أثرت سلباً على القضية الفلسطينية ومطالبة العديد من دول العالم شطب منظمة التحرير، إضافة إلى إنهاء وجود الاتحاد السوفيتي وتفكيكه إلى دول صغيرة، فكانت موافقة القيادة الفلسطينية على توقيع اتفاق أوسلو بهدف عودة الحياة للقضية الفلسطينية، ومن هنا بدأت مرحلة السياسة، وإن كان يتخللها كثير من الأحيان مقاومة ضد الاحتلال تسير بالتوازي مع السياسة وقد ساهمت هذه المقاومة كثيرا من الأحيان في تحقيق انجازات سياسية هامة للشعب الفلسطيني، وإن كانت بعض الأعمال من هذه المقاومة غير مدروسة، وبعضها مقصودة من بعض الجهات الفلسطينية الرافضة لاتفاق أوسلو بهدف إفشال العملية السلمية.
أما بالنسبة للمقاومة غير المدروسة أو المقصودة لإفشال العملية السلمية فقد كان تأثيرها في تلك المرحلة السياسية ضعيفا وإن ساعدت على إبطاء التقدم في تحقيق انجازات سياسية هامة فيما لو تم تنفيذها في إطار خطط ومواعيد مدروسة للقيام بها، بل وأدت أيضا إلى فرض الحصار على الرئيس الشهيد/ ياسر عرفات داخل المقاطعة بسبب تمسكه بالثوابت الفلسطينية.
ومن هنا بدأت المرحلة السياسية تتراجع مع نهاية عام 2000 بعد فشل المفاوضات السلمية تحت الرعاية الأمريكية، حيث اندلعت الانتفاضة الثانية التي أسيئ استخدامها بعد فترة من اندلاعها عندما تطورت إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل لا يمكن المقارنة فيها عسكرياً بين الجيش الإسرائيلي وأفراد المقاومة الذين يتفوقون على إسرائيل بالمقاومة السرية بينما تتفوق إسرائيل بالمواجهة العسكرية المباشرة بين مقاومين وجيش بكامل سلاحه.
نجحت إسرائيل في إظهار المواجهة العسكرية مع المقاومة الفلسطينية أمام العالم بأنها حرب ضد الإرهاب وتدعي أنها بين جيشين لدولتين وهما جيش السلطة الفلسطينية الذي يضرب الصواريخ على إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، وذلك بعد أن استطعنا إقناع العالم أجمع أن السلطة الفلسطينية التي أُنشئت عام 1994 هي من الناحية العملية دولة فلسطين لها مطارها وعلمها وسلامها الوطني وتسير قدما نحو إنشاء ميناء بحري تجاري.
استمر التراجع في المرحلة السياسية إلى لحظة حدوث الانقسام الفلسطيني الفلسطيني الدموي في الرابع عشر من يونيو 2007، حيث أصبح بعد هذا التاريخ هناك سلطتان وهما السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة المعترف بها رسميا في الساحة الدولية والعربية والتي فقدت سيطرتها على قطاع غزة بعد هذا التاريخ وحكومة حماس المقالة المسيطرة على قطاع غزة وغير معترف بها في الساحة الدولية والعربية، وبدأت عملية الحصار الشامل على قطاع غزة من كافة أرجاء العالم.
منذ هذا التاريخ بدأت مرحلة التياسة في الساحة الفلسطينية حيث أصبح التعصب والحزبية وكرسي الحكم أهم من الثوابت الفلسطينية وأهم من المصالحة وإنهاء الانقسام، مما أدى إلى أننا فقدنا الدعم الدولي والعربي حيث أصبح هذا الدعم شكليا للسلطة الوطنية الفلسطينية بالضفة في ظل ضعفها بعد الانقسام، وعدم اعتراف بسلطة حماس بعد سيطرتها بالقوة العسكرية على قطاع غزة بعد الانقسام.
بعد هذا الانقسام أصبح همنا الوحيد هو التشهير في بعضنا البعض وتوجيه الاتهامات بالخيانة والتفريط والتآمر والتبعية لأمريكا وإسرائيل لفريق السلطة الفلسطينية في رام الله واتهامات أخرى لفريق حماس المسيطر على قطاع غزة بتنفيذ أجندة إقليمية لبعض دول المنطقة والتبعية لإيران وسوريا وحزب الله ضد المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، وغير ذلك من الاتهامات المتبادلة بين قيادات الشعب الفلسطيني والتي للأسف صدق القول بها الرئيس الشهيد/ ياسر عرفات عندما كان يقول دائما " أن الشعب الفلسطيني أوعى من قياداته"، وكأنه كان يقرأ الغيب للمستقبل، وهو صمام الأمان لوحدة الشعب الفلسطيني وتمسكه بالثوابت الأساسية.
تخلل مرحلة التياسة حرب إسرائيل على غزة في بداية عام 2009 واعتقدنا في ذلك الحين أن هذه الحرب المدمرة ستنهي مرحلة التياسة وسيتعظ قادة الشعب الفلسطيني من نتائج هذه الحرب المدمرة التي لم يفرق القصف والتدمير الإسرائيلي بين فتح وحماس وأي من أبناء الشعب الفلسطيني، ولكن للأسف وبدلا من الاتعاظ زادت التياسة في التعصب والتخوين والاتهام بالتآمر، واستمر هذا الوضع إلى أن جاءت الورقة المصرية للمصالحة المنبثقة عن نتائج الاجتماعات المختلفة التي أجرها اللواء عمر سليمان وفريقه مع قيادات فتح وحماس، وقد وقعت عليها السلطة الوطنية في رام الله بالرغم من تحفظاتها على بعض بنودها وذلك بهدف إنهاء الانقسام ورفع الحصار وإعادة بناء غزة التي دمرت، بينما رفضت حماس التوقيع على الورقة المصرية لاعتراضها على بنودها التي تعتبرها مجحفة بحقها من وجهة نظرها.
وما زال الشعب الفلسطيني حتى هذه اللحظة يعاني أشد معاناة من التياسة التي ينفذها بعض قيادات الشعب الفلسطيني المتنفذة من هنا وهناك دون أدنى مراعاة للمآسي الكبيرة التي يعانيها شعبهم والحصار المفروض عليه.
وهنا نطرح سؤالا هاما وخطيرا يتعلق بمصير الشعب الفلسطيني في كل مكان: هل سيدرك هؤلاء القادة الرافضون لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة فورا من أجل مصالحهم الحزبية والفصائلية، أنهم يقودون شعبهم إلى الدمار الكامل والاندثار من الوجود والهبوط إلى أسفل الحضيض ويدفعون الشباب إلى الهجرة من الوطن والكفر بالقضية الفلسطينية.
ألم يحن الوقت أن يرتفع هؤلاء الانقساميون من هنا وهناك إلى مستوى المسئولية الوطنية من أجل المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني بإنهاء الانقسام الفلسطيني الفلسطيني لإعادة الحياة والدعم الدولي والعربي الحقيقي للقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني حتى لو كان ذلك على حساب مصالحهم الحزبية وسيطرتهم السلطوية.
والسؤال الأخطر كثيرا : فإذا لم يدركوا هؤلاء القادة تلك الحقائق المدمرة لشعبهم..... فماذا يريدون..!!؟؟ وإلى أين ذاهبون بشعبهم بعد أن أوصلوا هذا الشعب إلى أسفل الحضيض..!؟

*المهندس حاتم أبو شعبان .. عضو المجلس الوطني الفلسطيني