بقلم : نقولا ناصر ... 16.10.2010
القيادة المفاوضة لمنظمة التحرير الفلسطينية لا تستطيع رد أي طلب للادارة الأميركية، إذ لم تكد تمضي أربع وعشرون ساعة على مطالبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية فيليب كراولي لهذه القيادة بالرد على اقتراح رئيس وزراء دولة الاحتلال بمقايضة اعترافها ب"يهودية" دولته بتجميد جزئي ومؤقت للاستعمار الاستيطاني حتى انطلق "امين سر" هذه القيادة ومسؤولها الاعلامي ياسر عبد ربه في سلسلة متدفقة من التصريحات والمقابلات لا تعترض على المقايضة المقترحة أو على المطلب الصهيوني فيها من حيث المبدأ، بل تعلن موافقتها على المقايضة والمطلب الصهيوني فيها من حيث المبدأ، لكنها ترفع قيمة الثمن الذي تطلبه للدخول في مساومات عليها: "سوف نعترف بها حسب ما تعلنه إسرائيل، بشرط أن تكون على حدود 1967"، كما قال عبد ربه ل"راديو إسرائيل" يوم الأربعاء الماضي.وفي الجوهر لا يختلف تصريح عبد ربه هذا عن تصريح الرئيس محمود عباس في اليوم التالي (الخميس) بأن الاعتراف ب"يهودية" دولة الاحتلال "ليس من شأننا" إلا في كون التصريح الثاني تخليا صريحا متكررا عن حوالي مليون ونصف المليون فلسطيني ممن صمدوا في فلسطين بعد النكبة من رئيس المنظمة المعترف بها ممثلا شرعيا وحيدا لشعبها !إن مسارعة أو تسرع القيادة المفاوضة للمنظمة بالاستجابة لمطالبة راعيها الأميركي بالرد على مقترح نتنياهو يؤكد عجزها عن رد أي مطلب أميركي، لكن هذه المسارعة أو التسرع لهما واحد من تفسيرين فقط:
إما تهافت مألوف على إرضاء الراعي الأميركي قاد إلى تسرع بالاستجابة يشي باستهتار غير مقبول وطنيا على الاطلاق بخطورة مقترح نتنياهو على القضية الوطنية وشعبها - - كما أثبتت ردود الفعل الفلسطينية الفصائلية والشعبية عليه وبخاصة رد الفاعل الغاضب لعرب فلسطين داخل دولة الاحتلال نفسها،وإما أن الرد على مقترح نتنياهو كان جاهزا فعلا في الأدراج السرية لمفاوض منظمة التحرير وينتظر فقط فرصة سانحة كهذه لإخراجه إلى العلن، انسجاما من هذا المفاوض مع نهج ثابت سار عليه منذ بدأت عملية التفاوض يحاول باستمرار أن ينفي عن نفسه تهمة أن "الفلسطينيين لا يضيعون فرصة لتضييع فرصة" التي أطلقها وزير خارجية دولة الاحتلال الأسبق أبا إيبان (أوبري سولومون مئير إيبان) عام 1973.
لذلك فإن القول إن عبد ربه كان ينطق باسمه ويمثل نفسه فقط فيه مجافاة صارخة لحقيقة أن رده على مقترح نتنياهو يمثل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئاستها والفصائل الأعضاء فيها وبخاصة حركة فتح المفترض أنها تقودهم جميعا، حتى يثبت العكس، وحتى الآن لم يصدر عن أي من هؤلاء أي نفي لتصريح عبد ربه بأن "القيادة .. كلفته رسميا التقدم بهذا الطلب".
وقد تعاملت الادارة الأميركية مع رد عبد ربه باعتباره ردا يمثلهم جميعا، لكي يرفض كراولي نفسه في اليوم التالي (13/10/2010) هذا الرد لأن "حدود الدولة الفلسطينية وحدود إسرائيل من بين قضايا الوضع النهائي، ولا تحل سوى من خلال المفاوضات المباشرة"، ولأن بلاده وحكومته "تعترف بأن إسرائيل، كما تعرفون، هي - - كما تقول هي نفسها - - دولة يهودية" كما قال. كما تعاملت حكومة دولة الاحتلال مع رد عبد ربه باعتباره ردا يمثلهم جميعا كذلك، فرفضته أيضا، مجددة رفضها الانسحاب إلى حدود عام 1967، لأنه "يوجد إجماع كبير جدا في إسرائيل على هذا الموضوع"، كما قال نائب رئيس الوزراء سيلفان شالوم.
وإذا لم يكن من المتوقع نتيجة لذلك أن يصدر عن اللجنة التنفيذية للمنظمة أو عن حكومتها في رام الله نفي لتصريحات عبد ربه، فإنه ليس من المتوقع كذلك أن تجد انتقادات قياديين في حركة فتح (نبيل شعث وصائب عريقات ومحمود العالول وأمين مقبول – مثلا) لمقترح نتنياهو قبيل ساعات من رد عبد ربه "الرسمي" عليه أي ترجمة سياسية لها، تقود عبد ربه إلى "الاستقالة فورا، وإذا لم يفعل ذلك على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير إقالته من منصبه كأمين سرها" كما طالب رئيس كتلة التجمع الديموقراطي في كنيست دولة الاحتلال جمال زحالقة، على سبيل المثال.
وذلك لأسباب عدة، منها أن مثل هذه الانتقادات إذا لم تجد أي ترجمة سياسية لها سوف تظل "مجرد كلام" لا يتجاوز مثلا انتقادات صحف رئيسية في دولة الاحتلال نفسها لمقترح نتنياهو، فهآرتس وصفته بأنه "مناورة تضليلية كبرى" ويديعوت أحرونوت قالت إن نتنياهو يحاول "نسف" المفاوضات، ومنها أن قيادة فتح ومنظمة التحرير طالما استثمرت تهالك عبد ربه على "عملية السلام" لكي تستخدمه ك"مطلق بالونات اختبار" تروج لمواقفها الحقيقية التي لا تجرؤ هي نفسها على تبنيها رسميا وعلنا قبل أن تحصل على موافقة رسمية عليها من الطرف الآخر، و"مبادرة جنيف" مثال صارخ على ذلك.
إنها فعلا استراتيجية منظمة التحرير وفتح، وليست استراتيجية ياسر عبد ربه فقط، وإلا لما ظل الرجل في منصبه ويزداد نفوذا كل يوم، فهذه ليست سابقة له، ولم يسائله ولن يسائله أحد عنها أو عن سابقاتها لأنه ينطق باسمهم جميعا حقا. لذلك فإن انتقاداتهم له هي للاستهلاك المحلي فحسب.
فعبد ربه في نهاية المطاف مجرد ناطق باسمهم جميعا، لا باسمه شخصيا، والانتقادات الموجهة له تصب في سياسة تضليل تحاول تبرئة القيادة المفاوضة من مواقف "ناطق رسمي" باسمها ومفاوض رئيسي في فريقها التفاوضي ومنظر لاستراتيجيتها.
وإلا، على سبيل المثال، كيف يمكن تفسير التزامن بين "سابقة" عبد ربه الجديدة وبين موافقة وزارة التربية والتعليم بحكومة رام الله على تدريس كتاب جديد للتاريخ في مدرستين ثانويتين في اريحا، كما نسبت هآرتس إليها القول، عنوانه "تعلم الرواية التاريخية للآخر" يحكي الرواية الصهيونية والرواية الفلسطينية للنكبة، بينما منعت حكومة دولة الاحتلال تدريس الكتاب الذي ألفه دان بار- أون من جامعة بن غوريون وسامي عدوان من جامعة بيت لحم.
أليست الموافقة على تدريس الرواية الصهيونية للنكبة افتئات على الحقيقة والتاريخ الوطني واعتراف بهذه الرواية يمهد للاعتراف بشرعية دولتها ويهوديتها ؟ أليست سابقة حكومة سلام فياض هذه جزءا لا يتجزأ من استراتيجية المنظمة وفتح تجعل أي حديث عن أن عبد ربه إنما كان يتحدث باسمه فقط مجرد لغو كلام ليس بريئا سياسيا على الاطلاق ؟
إن دعم السويد لمشروع هذا الكتاب وتمويلها له - - بينما مؤرخون إسرائيليون لم يعودوا يجدون مكانا لهم في دولة الاحتلال (إيلان بابي مثلا) لأنهم طعنوا في الرواية الصهيونية للنكبة وكتبوا رواية مختلفة تعتمد التطهير العرقي الصهيوني لعرب فلسطين أساسا لها، وبينما تتبنى الولايات المتحدة الأميركية رسميا "لجان الحقيقة" كشرط مسبق لإحلال السلام والمصالحة في العالم - - هو تمويل يذكر بقول رئيس أريتريا اسياس افورقي في مقابلة معه قبل اشهر: "من تجربتنا فإن السويد تفعل فقط ما تريدها واشنطن أن تفعله"، ولا ينتقص من أهمية قوله أن بلاده لا تعترف ب"السلطة الفلسطينية" لأن منظمة التحرير كما قال وقفت إلى جانب نظام منغستو هيلي ميريام الأثيوبي ضد ثورة بلاده من أجل الاستقلال. أما عرب فلسطين فهم يعرفون بالتجربة التاريخية، دون أن يقول لهم ذلك أحد، بأن واشنطن تفعل ما تريدها تل أبيب أن تفعله.
إن إصرار دولة الاحتلال على انتزاع اعتراف عربي فلسطيني ب"شرعية" هذه الدولة و"يهوديتها" جدير بوقفة جادة لإجراء مراجعة وطنية وقومية جادة لاستراتيجية التفاوض العربية - الفلسطينية بكاملها، إذ ما حاجة المشروع الصهيوني في فلسطين إلى اعتراف كهذا بينما حصل هذا المشروع على اعتراف مماثل من كل القوى الكبرى التي تصنع القرار الدولي في الوقت الراهن ومنذ النكبة لو لم يكن الاعتراف الفلسطيني – العربي بشرعيته ويهوديته شرطا مسبقا لنجاحه أو فشله ؟