بقلم : أسامة جمال الدحدوح ... 11.09.2010
للناس طقوس و عادات في أعيادهم .. و الغزيون منهم يمدون أمام زوارهم طيلة أيام العيد مائدة عامرة بشتى المُشتَهيات من مكسرات و فواكه و حلويات و كعك العيد .. ناهيك عن العصائر والمشروبات الساخنة كالشاي المحلى برائحة النعناع .. و هو المشروب السحري قياماً بواجب الضيافة .. لكعك العيد هذا .. قصص و حكايات مثيرة .. يرويها المعيدون بعضهم على بعض .. و غالباً ما تكون تلك القصص مدعاة للتفكه و الضحك .. و تندلع المداعبات بين الرجال عندما يطلق أحدهم رصاصة البدء .. مستفزاً السامعين بأفضلية كعكه البيتي على ما عداه من كعك .. عند هذه اللحظة .. تنفر خيول السامعين .. في الميدان .. لا لترد عدواً أنانياً .. و إنما لتظل سمعتها .. ناصعة في مجال طهي الكعك من قبل الزوجات ..
فهذا يبخس في كعك ذاك .. و ذاك ينفخ في كعك هذا .. و تدور المساجلات .. و يخرج الجميع .. بنتيجة .. لا يرجح معها كعك على آخر .. لأنه لا أحد يقبل لكعك زوجته الانهزام أمام كعك زوجات الآخرين . حتى لو كان الكعك بنكهة المفتول . أتصدقون ذلك ؟ دعوني أكمل لكم الرواية . غمرنا جمال العيد .. هذا العام على غير ما كنا نتوقع .. لا شيء يدعو لإقامة هيكل الحزن المجهول في ساحات أوقاتنا المخصصة للمسرات فقط .. كما هي عادة المدائن الكبرى في إقامة نصب تذكاري لمن ضحوا لأجل حياتها ..
بهياً ، و رائقاً كفكرة عن جمال الورد .. زارنا العيد .. من أول نسمة هبت علينا منه .. و النفس في سرور دائم تحت ظلاله الوارفة .. كانت شمسه صافية و دوائية للجسم وحانية .. ما لمعت في عين ناظر إلا وجردته من لباس الكسل .. و في ذات الوقت .. تخلع عليه لباساً مزداناً بجمال وردة حسناء .. صحوت على نداء زوجتي .. لا تلوموني فحتى لو جاء الكلام هامساً و ناعماً .. فالنائم المستلذ بنومته يحسبه نعيقاً .. أُسقط في يدي عندما أخبرتني باقتراف الوقت جريمةً .. سفك خلالها دم عقارب الساعة .. حتى توقف جريانه قريباً من السادسة صباحاً .. يدخل بعد قليل موعد صلاة العيد .. لكي تعرف .. إن كنت غريباً عن ديار الأعياد .. أو أنك غير مسلم .. لكي تعرف ملامح العيد .. تسمع حين يجيء .. صدى التكبيرات وهو يلامس قمم الفضاء الرحب .. أصوات تشي بما وراءها من بوارق لأفكار تتلبس بالجسد .. تماماً .. كما تتلبس بالروح .. جوهر تلك الأفكار هو أن هناك مساحات بيضاء في العلاقة القائمة بين الإنسان و خالقه .. يعترف فيها العبد الضعيف .. بكل حب .. أنه تافه بدون .. تلك التكبيرات .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله .. الله أكبر .. الله أكبر .. و لله الحمد .. دوي خاشع .. و حواريون يلتفون قرب المنبر .. في أيديهم اللواقط الكهربائية .. و يرطبون ألسنتهم .. بتلك التكبيرات .. اليوم عيد .. اليوم عيد .
صعد الأمام المنبرَ خطيباً في الباقين من المصلين .. أما الذين هرعوا إلى البيوت فقد حُرموا من فائدة العلم النافع .. فضلاً عن الأجر العميم .. انتهت الصلاة .. و من وقتها .. لا يمكنك إحصاء عدد القُبلات المتبادلة بين الحاضرين .. هو يوم عيد .. و يعني لي العيد .. قبل الزينة الظاهرة على البدن .. و قبل المطاعم و المشارب المتنافسة على عروش الموائد .. أنه ساعة صلة بين قلبين من خطايا .. و محبة .. و إخاء .. و أنه دينار من تواضع .. و درهم من رسوخ في أعماق الصفح و التسامح .
خطفت نفسي .. بعد عشرة آلاف قبلة .. و ثلاثة آلاف حضنة .. تاركاً ورائي سيلاً بشرياً يشتري المحبة بقليل من الصفاء القلبي الصادق ..
وصلتني رسالة من أخي الأكبر .. يستعجلني في الخروج إليه .. خطتنا أن نبدأ الجولة مبكراً .. و لأن رائحة الكعك ترف في أنفاسنا .. فقد وثبت إلى الشارع .. متجهاً صوب منزل أخي .. .. افتتحنا .. بالشاي المنعنع .. المسكوب في أوانٍ زجاحية مميزة في لمعانها .. و المجاور لزمردة من الزجاج الفاخر .. المتلألأة بما فيها من كعك غزي .. كانت رائحته و لا أطيب من المسك .. جلستنا الأخوية .. و جرى الكعك في حلقي .. كما يجري شلال في مصبه .. كانت هذه هي بواكير ما طعمنا من الكعك الغزي لهذا العيد .. و في كل بيت كان لنا كعك مختلف .. و شتان شتان .. بين آخر كعك تناوله بلذة .. و بين كعك تلاه .. قد كان برائحة المفتول .. و ما كان من أمر هذا الكعك هو أننا وصلنا إلى بيت قريب لنا في مخيم النصيرات .. و من عجب .. فقد كانت هذه هي الزيارة الأولى من نوعها في العيد .. وعدناه كثيراً .. و اليوم وجب علينا الوفاء .. تبادلنا الأحاديث عن البحر .. فهو جار له .. ومع ذلك لا يجيد فن السباحة .. كانت له مع السباحة محاولات غير ناجحة .. ربما لأنه رقيق القلب كقلوب الصبايا .. لأمه كما أعرف .. يد طاهية شهيرة .. و لولا المبالغة لقلت أنها يد مستوردة .. عند الطهي .. من حوريات الجنة .. هل يطبخن الحوريات في الجنة .. للصالحين ؟. أعرف أنني لا أستطيع الجزم بالإجابة .. و راح كعك العيد يفوح برائحة المفتول :
خالد .. شو القصة .. مالك رايح جاي .. الله يخليك .. مش قادرين ناكل حاجة .. بعدين إحنا بدنا نجرب بعض يا زلمة .
سلامة قيمتكو .. و الله جيِّتكو عندي بالدنيا كلها .. بعدين هادا أقل من الواجب .
والله غلبت حالك يا زلمة .. بس إنت اقعد خلينا نشوفك .. بتعرف العيد ما إلو صاحب .. بيجي زي البرق .. و بروح أسرع منه .. اقعد خلينا نشوفك .. عدنا قمنا .. " همست في أذنه " بس بيني و بينك .. ريحة المفتول طالعة .. و أخدت الها طريق .. رايح جاي .. في مناخيري ..
شو بتقول .. مفتول .. و الله ما أنا شامم .. يمكن من عند الجيران .. خصهم بيحبوا الأكلات الدسمة .. بعدين ما تقلق الحجة عاملة سماقية .. و لا سماقية الشيف رمزي .. ثواني راح ادوقكو إياها ..
علي الطلاق ما بتجيب .. و لا معلقة .. هاينا قايمين .. كل عام و إنت بخير .. سلم على الحجة ..
والله ما بتقومو .. تخلنيش اخلع من راسي .. لسة ما كلناش الكعك .. و لا شربنا الشاي طيب اقعد .. و ما بدنا لا سمقية و لا كعك ..
خلص بلاش سمقية .. بجيب كعك .. ولا احنا اقل من الناس .. بعدين انت حلفت على السمقية مش ع الكعك .
بس بالله ما تطول .. بتعرف لولا معزتك .. كان ما قعدنا كل هالقعدة ..
ماشي .. ثواني و بجيب الكعك مع الشاي .
------
صدَّقت حتى هذه اللحظة .. أن رائحة المفتول .. الشهية .. مصدرها من الجيران .. أتدرون من كذب ما آمنت به قبل قليل ؟
الله يعطيك العافية .. والله شكل ها الكعك .. بيفتح النفس .. بس يا زلمة كإنوا ريحة المفتول بتملي الغرفة ..
بتعرف زي اللي بديت اشمها هالقيت .. اخ .. والله عنجد اشي بيتفح النفس .. تفضلوا .. تفضلوا .. ريحة الكعك أحلى .
الله يخليك .. ويزيد فضلك ..
كلوا كعك يا جماعة .. والله هاي الكعك .. قصتوا طويلة .. المهم .. انا اليوم قررت اسوي حاجة بحياتي .. تشهد لي لو صار حاجة .. ابتعرفوا انوا الطبخ للحريم .. بس اليوم قلت لازم اخليه الحجة تعرف انوا .. دايما الفضل للرجال .. وجبت ها العجوة .. وطبختها .. وتبلتها .
شو .. تبلتها ؟ .
بلاش يا شباب تعليق .. انتوا احكموا لما تدوقوا .
طيب وبعدين .
المهم .. خبزتوا في الفرن .. وطلع زي السكر .. بس والله لسة ما دقتوا .. ولا الحجة عارفة فيه .. تفضل يا أسامة .. والله انا بعزك .. دوق
بسم الله .. ولك شو هادا .. طعمه طعم مفتول .. الله يخزيك .
طيب .. أنا مجنون وانت عاقل .. بالله تخلي الشباب يدوقوا .
وكان الإجماع .. مفتول لابس تياب مقطعة من الكعك .. و لا يزال البحث عن السبب جارياً .