بقلم : علاء الحلو ... 30.05.2010
أستيقظ بعد الفجر وأذهب الى سوق معسكر الشاطئ أو سوق فراس لأشتري الذرة الطازجة, وأرجع الى البيت مسرعا وأتشارك أنا وأهلي في تقشيرها, وبعد ذلك نلقيها في سخان المياه, ثم نضع السخان على النار حتى تنضج الذرة بداخله, في هذه الأثناء تصبح الساعة السادسة والنصف صباحا موعد خروج التلاميذ الى مدارسهم, فيأتوا الى "البسطة" ويتذوقوا الذرة الصفراء الساخنة التي أصبحت فطورهم الصباحي اللذيذ.
هكذا يبدأ الفتى حسنين أبو عميرة من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة يومه الذي لا ينتهى إلا بانقطاع التيار الكهربائي عن بسطته التي استعارت سلكا كهربائيا من أحد الجيران للإضاءة, ولكن الفتى حسنين ليس وحيدا في هذه المهنة الموسمية, فعندما تسمع أبواب مدينة غزة دقات يد الصيف الساخن تخرج أبنائها باعة الذرة والبطيخ والمكسرات والمثلجات المتجولين, وأصحاب البسطات, وتهيئ استراحاتها البحرية وفنادقها ومطاعمها الراقية لاستقباله.
*ابتسامة..وتعب
وعلى الرغم من الألم الذي يسود قطاع غزة نتيجة حصار خانق وإغلاق مطبق جعلا منه سجنا يعتبر الأكبر في العالم ويستحق دخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية نظرا للضرر الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الهائل الذي لحق بأهل القطاع, إلا أن أهالي غزة يرفضوا أن يسود الوجع كافة ملامح حياتهم, فيتركوا المجال كبيرا أمام الفرح واستغلال المواسم والأعياد والمناسبات السعيدة بإعطائها حقها بالابتسامة الممزوجة بمشقة الحياة.
فصل الصيف في قطاع غزة ليس حارا برغم انقطاع الكهرباء عن المكيفات والمراوح, فالألفة الاجتماعية بين أهلها تطفئ نار الشمس الحارقة بعض الشئ ويأتي البحر وما يحتويه من أجواء صيفية منعشة ويقضي على ما تبقى منها, يمكننا القول بأن الصيف في غزة ليس كصيف أي من المناطق الأخرى, وللتعرف على ميزاته آثرنا الالتقاء بمن استغلوا كل جزء منه ليتحفونا بموسم رائع يحوى في طياته البساطة والرقي.
*مشروع موسمي
سالم حمد من سكان مدينة غزة يبيع الذرة في خيمة على رصيف البحر,تحدث الينا عن مهنته وقال "بيع الذرة يعتبر مشروع صغير من المشاريع الصيفية الموسمية, رأس ماله بسيط ولكن يمكنه أن يوفر احتياجات الأسرة, عندما جاءت فكرة أن أقوم ببيع الذرة ذهبت لأختار مكانا مناسبا للبيع على البحر, واشتريت أدوات البيع سخان وبابور وموقد وملقط, وبعد تجهيز كافة الأمور قمت بشراء الذرة الطازجة ونظفتها ووضعتها داخل السخان وغطيتها ببعض الأوراق الخضراء حتى لا يدخل إليها الرماد والتراب, وأصبحت أكرر ذلك العمل يوميا.
وأشار حمد الى أن أيام البيع خلال الموسم تختلف عن بعضها البعض فهناك أيام يتم بيع كل الكمية "مشوية ومسلوقة", وأحيانا لا يتم بيع نصفها, ويتم توزيعها على الأطفال في نهاية اليوم حتى لا تترك لليوم التالي فتفسد, وأضاف أن هناك بعض الفتية الصغار يأتون ويطلبون العمل لديه, فيعطي أحدهم دلوا به بعض حبات الذرة, ويعطي الآخر كرتونة وضع فيها بعض الحلويات والبسكويت والمكسرات, كذلك يعطيهم أكياس الترمس لبيعها للمصطافين على شاطئ البحر.
*نطمح بالسترة وليس بالثراء
ونوه الى أن العمل في بيع الذرة يمكن أن يمتد يوميا الى الساعة الثانية عشر ليلا, لافتا الى أن العمل في هذه المهنة الموسمية البسيطة الدخل جاء نتيجة لسوء الأحوال الاقتصادية وتفشي البطالة بشكل كبير فهناك أكثر من 120 ألف عامل عاطلين عن العمل, وقال "نحن لا نطمح في أن نصبح أغنياء ولكن نود أن نكون مستورين".
وأشار الى أن الوضع الاقتصادي المتردي يرجع الى الانقسام الفلسطيني الداخلي, وقال "يجب أن تتم المصالحة الوطنية وفق شروط ترضي أبناء الشعب الفلسطيني وليس فصيل دون غيره, نحن شعب صامد وصابر عايش النكبة والتهجير, لذلك لا بد من لملمة جراحه".
*البطيخ الشهي
وعلى الجانب الآخر من رصيف بحر قطاع غزة رأينا خيمة لبيع البطيخ الذي يعتبر الوجبة المفضلة للغزيين على شاطئ البحر خلال فصل الصيف, كان بها شابا منهمكا في بيع الزبائن, سرقنا منه بعض الوقت ليحدثنا عن مهنته بعد أن انتهى من بيع الزبون الأخير.
"أنا محمد أبو ريالة أسكن في مخيم الشاطئ, أذهب يوميا مع والدي الى الخان لشراء البطيخ الطازج, وبعد أن نرجع نقوم بتنسيقه بشكل هرمي لكي يعجب المصطافين على البحر ويجذبهم للشراء", وتابع "نتناوب أنا وأخي وأبي على البيع فعندما أتعب يأتي أخي أو أبي للبيع وأذهب أنا للنوم".
وأضاف محمد أن بيع البطيخ خلال فترة الصيف يعود بالنفع والفائدة للبائعين على الرغم من التعب والمشقة التي تتسبب فيها هذه المهنة, لافتا الى أنهم يستحملوا ذلك التعب عندما يتذكروا الأيام التي يقضوها خلال العام دون أي فرصة للعمل.
فرصة عمل في وقت ضائع
وجدنا مجموعة شباب أخرى تبيع البطيخ داخل خيمة كبيرة, تحدثنا إليهم فأشار الشاب خالد سالم الى أن وضع أسرته الاقتصادي صعب للغاية نظرا لعدم عمل والده, فوالده كان يعمل داخل الخط الأخضر ويرجع يوميا بدخل كبير يكفي الأسرة لأيام, لذلك يحاول مساعدة أسرته في هذه الأثناء ولو بالقليل.
أما خليل سرور فقال "أستمتع مع أصدقائي داخل خيمة بيع البطيخ, فهذه مهنة موسمية تجعلنا نشعر بتغيير في روتين الحياة بغزة, نعمل فيها كل يوم ولكن يوم الجمعة نتجمع ونذهب الى البحر لكي نسبح ونرفه عن أنفسنا", بينما أشار زميله ناهض فروانة الى أنه كان يتمنى ان يحصل على مهنة جيدة وثابتة تؤمن مستقبله وتجعله قادرا على خطبة ابنة عمه التي اختارها كي تكون شريكة حياته, ولكن وضعه الاقتصادي الصعب وعدم تمكنه من الحصول على عمل يمكن أن يجعلها شريكة لحياة شخص غيره.
*البساطة...ليست كل شئ
على الرغم من هذه البساطة التي تسود صيف وبحر قطاع غزة إلا أن هذا ليس كل شئ, فهناك وجه آخر لصيف غزة, حيث الفنادق والمصايف والشاليهات والمطاعم والاستراحات والمنتجعات المجهزة بأحدث التقنيات والتجهيزات والديكورات الرائعة, والتي تحوى كذلك على أرقى الخدمات, التقينا بعدد من القائمين عليها.
*منتجع الشاليهات
قد يستغرب البعض عند رؤيتهم لمكان يجاور البحر ويسوده الإنجيل الأخضر والمساحات النظيفة الواسعة, والخدمات الراقية, ولكن قد تزول تلك الحيرة والغرابة عند الالتقاء بالقائمين على ذلك المكان المسمى "الشاليهات", فقد التقينا مؤنس فروانة المسئول الإعلامي في منتجع الشاليهات, وأشار الى أن الصيف في قطاع غزة يتميز عن صيف أي بلد أخرى, نظرا للخصوصية التي تنفرد بها غزة من حروب وحصار وأمور عديدة.
وقال "من يفكر في تقديم خدمة للمجتمع أو للجانب السياحي خلال فترة الصيف, يجب أن يمتلك الإمكانيات والقدرات والكفاءات والأمور اللوجستية التي تخدم الأهداف المرجوة, نحن كإدارة الشاليهات عملنا منذ ستة شهور للتحضير لموسم الصيف, حيث أن الشاليهات مكان واسع يمكنه استقبال أكثر من 2500 زائر يوميا, لذلك حاولنا أن تنسجم الترتيبات الداخلية مع تطلعات المواطن في غزة حيث المكان الجميل, النظيف, والمريح نفسيا, لذلك حاولنا أن يكون المنتجع ملاذا لأي إنسان يحتاج للراحة النفسية".
وتابع فروانة "على هذا الأساس حاولنا استغلال المساحات الواسعة وأن نجعلها خضراء, لأنه وكما هو معروف علميا أن اللون الأخضر يريح الأعصاب, وحاولنا تقديم أمور خدماتية أخرى كالمطعم ومنطقة الكورنيش التي تطل على البحر, وبعض المظلات الموجودة على شاطئ البحر, والألعاب المجانية للأطفال, ووجود بعض المسابح الآمنة للأطفال".
وأضاف فروانة "بناءا على التوقعات السابقة والنظرة لسوق السياحة نتوقع إقبال شديد من نوعه لسبب رئيسي يرجع الى أن الوضع في العام السابق لم يكن جيدا نظرا لخروج الناس من الحرب الشرسة مما أثر بشكل سلبي على القطاع السياحي, ولكن في هذا العام الأمور هادئة الى حد ما, والناس مرتاحة على الرغم من وجود الحصار, نتوقع أن يكون الإقبال من الناس ومن المؤسسات في هذا الموسم منقطع النظير".
*استراحة الغروب
وبعد الاقتراب بشكل أكثر من شاطئ بحر قطاع غزة التقينا بصاحب استراحة الغروب عصام ملكة, حيث تحدث الينا عن التجهيزات التي تجري في هذه الأثناء لاستقبال موسم الصيف, وأشار الى أن استراحته تضع نصب عينها راحة الناس من خلال تقديم أشكال وسائل الراحة لهم من خلال توفير "الطاولات, الكراسي, المعرشات, الخيم, أماكن للتحلية والغيار بعد السباحة, مكان للصلاة, وبعض اللافتات الإرشادية التي تلف المكان".
وأضاف ملكة أن بحر قطاع غزة يعتبر المتنفس الوحيد لأهلها لذلك يكون إقبال غير طبيعي على الفنادق والاستراحات خلال فترة الصيف, والإجازة الصيفية, متوقعا أن يكون الإقبال في هذا العام مميزا نظرا للأوضاع الأمنية المستقرة الى حد ما في قطاع غزة.
*استراحة حسام
وفي لقاء آخر مع حسام قنوع صاحب استراحة حسام, أشار الى أن الإقبال على البحر حتى هذه اللحظة هو إقبال نوعي وكبير وغير متوقع نظرا لكم الناس الهائل الذي يأتي الى البحر يوميا على الرغم من عدم دخول الوقت المحدد للموسم, فما زال الطلاب يقدموا امتحاناتهم, مما يدلل على أن هذا الموسم سيكون مميزا.
وأضاف قنوع أن الأوضاع في غزة مستقرة تهيئ للناس نزول البحر, فمنذ بداية العمل على الشاطئ لم يتم ملاحظة أي شئ يزعج الناس, لافتا الى أن الأماكن الترفيهية في غزة معدومة لذلك يعتبر الصيف منفسا رئيسيا لهم خلال موسم الصيف.
ونوه قنوع الى أنه حصل على أرضية الاستراحة من الحكومة على الرغم من غلو سعرها عن المرات السابقة, وقال "سنأخذ الأرضية بأي سعر فنحن لنا زبائننا منذ أكثر من خمسة عشر عام", لافتا الى أن غلو الأرضيات يعود سلبا على الزبائن فسعر الأرجيلة زاد 2شيكل, سعر المشروب الساخن زاد 1 شيكل, أما المشروب البارد فقد زاد 2 شيكل
وتمنى على الحكومة أن تخفف من هموم الشعب في غزة, فأي إضافة على التاجر يتحملها المواطن وليس التاجر, وقال"الحكومة تهتم بالنظام وفرض الضرائب والقانون, ولكن مع ذلك يجب أن تنتبه الى أن الشعب ما زال يعيش في مرحلة حصار", وأعطى قنوع نسبة 70% نجاح لموسم الصيف الحالي زيادة على العام الماضي, حيث يحتاج البحر الى أمن وأمان كانت غزة تفتقدهما في العام الماضي نظرا لخروجها من حرب كبيرة.
**أوجاعنا نقشت على صفحات العمر , وعلي غبارها رسمت لحظات فرح خجولة !!
ها انت .. وها أنا .. أين هم ليتعرجوا على آهات الوطن المجهول الهوية .. المعروف المكان ؟!
ثمة ربع بسمة .. ونصف أمل .. ودمعة كاملة ... سنكمل النصف ونمضي ....