بقلم : هبة الإفرنجي ... 02.06.2010
يمشون بخطوات متأرجحة، عن اليمين وعن الشمال ناظرين، أطفال عرفت الابتسامة كيف تشق طريقها لوجوههم رغم حزن الموقف والمكان، قابضين بأيديهم قطفة وريدات من القرنفل الغزيي، اصطفوا كمن يصطف في طابوره الصباحي ذهابا لمدرسته، لكنهم متجهين لفعل شيء آخر فهم قد اصطفوا بجانب بعضهم البعض منتظرين لحظة إعطائهم الإشارة كي يطلقوا العنان لأقدامهم، لتتقدم نحو ميناء غزة وتنثر على سطحه الدامي، ما استطاعت أيديهم الصغيرة على حمله من ورود.
على إحدى ألسن ميناء غزة تجمعوا وبعد دقائق معدودة رموا تلك الورود على سطح البحر، وما أن اقتربت من المياه وعانقت سطحه حتى أطلق كل منهم ترحمه على شهداء أسطول الحرية، والبعض منهم لوح بيده الصغيرة كمن يرثى خليله.
أخذ البعض من الأطفال العودة لأدراجهم خوفا من الانزلاق في المياه ،حينها اقتربت من الطفل زكي كريدية سبعة أعوام وأخذ يحدثنا بعد ان وضع يده على جبينه ظنا منه بأنها ستحميه من أشعة الشمس الملتهبة، وقال: "إجيت ليوم عشان الى استشهدوا وكانوا بدهم يجيبولنا مساعدات ، وما قدروا يفوتوا، اليهود طخوهم ، إجيت عشان ارمي الوردات بالبحر وأقلهم إني بفديكو بروحي".وأضاف: "بحكيلهم انو ما يوقفوا مساعداتهم إلنا، وإحنا أكيد بدنا نساعدهم ".
كلمات بريئة وألفاظ تنم عما في أعماقهم من وعي وإدراك لما يدور حولها، عبرت بان الغنيمي ابنة التسع سنوات عن حزنها العميق لما حدث للمتضامنين على أسطول الحرية وأخذت بوردة كانت قد أبقتها بيديها كي تنفرد بتضامنها مع شهداء أسطول الحرية وقامت بتغميسها من بتلاتها حتى انتهت بعودها كمن يغرس وردا في ذاك الشاطئ هناك اقتربت منا وسألتنا: "أنا اجيت عشان أرمي وردة عشان الشهداء إلى نزلوا عليهم اليهود من الطيارة واستشهدوا، الله يرحمهم ، ادعولهم انو يفوتوا الجنة".
أما الطفل أحمد ابن الخمسة أعوام، والذي سارع على عجالة بكرسيه المتحرك نحو منطقة تكاد تكون قريبة من الشاطئ كي يرمي بورته الناصعة لا بياض والذي غرس بين طياتها قبلة ورماها بحركة هزت كرسيه من تحته وقال: " كانو جايين عشان يوصلولنا الحليب والكراسي المتحركة ، بس ما وصلت ، هجموا عليهم وما وصلت ، بس احنا بنقلهم ليوم إنو إحنا بنحبكو كتير لأنكوا ما بتنسوا أطفال غزة ورح نظل نتذكركوا".
كلمات تدمي القلب، فيالبراءة من جاءوا محملين بورود بيضاء كبياض قلوبهم ، فما كان مني سوى أن همت مسارعة نحو ذاك اللسان الذي فك أزرار شوقه، وفتح ذراعيه استقبالا لأسطول الحرية لكنه بدلا من ذلك استقبل دمائهم، مشيت بخطى متعرجة فقد سبقني إليه وعلاه زهرات وأشبال غزة هاشم الصامدة والذي امتزج رياحه الخماسينية برائحة البحر المغمسة بدماء المتضامنين، والتقطت صورة صحفية تبقي ذكرى لذاك اليوم الذي طوى أحداثه في تلابيب قلب غزة كشاهد عيان على ما عانته أبد الدهر.
وتعد هذه الفعالية واحدة من فعاليات عدة كانت التي نظمت تضامنا مع أسطول الحرية الذي استشهد على متنه 19 متضامن.