بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 28.10.2010
كان لي رأي منذ زمن وهو أنه من الممكن إنقاذ لبنان من المشاكل الداخلية إذا قدّر حزب الله أنه يستطيع القيام بأعمال عسكرية ضد إسرائيل، ويحول بذلك الاهتمامات الداخلية والعربية نحو قضية كبيرة تجمد المشاكل الداخلية اللبنانية، والتي من المحتمل أن تسهّل البحث عن حلول لهذه المشاكل فيما بعد. كان من الواضح أن هناك قوى داخلية لبنانية متعاونة مع أنظمة عربية وإسرائيل وأمريكا لن تترك حزب الله وشأنه، وستبقى مستمرة بإشغال الحزب في قضايا داخلية من أجل إضعافه وتحويله عن مواجهة إسرائيل. لم يبد أن هذا الفريق حريص على الدم اللبناني كما هو حريص على دم الإسرائيليين، وهو لديه الاستعداد للاستمرار في الاستفزاز حتى لو أدى ذلك إلى حرب أهلية.
لقد استشعرت الأمر عام 2008 عندما حاول فريق 14/آذار السيطرة على شبكة اتصالات حزب الله، وقدرت في مقال لي في 6/أيار/2008 أن الحزب لن يستعمل قوته الضاربة من أجل تصحيح الوضع، لكنه "سيستعمل قوة ثانوية قادرة على حسم الأمور بسرعة وقبل أن تكون إسرائيل قادرة على نجدة أحد. أي أنه إذا كانت الحكومة اللبنانية وجنبلاط وجعجع يعملون على استنزاف حزب الله عسكريا وإراحة إسرائيل والأنظمة العربية والولايات المتحدة فإن عملهم لن ينجح. أقدر أن حزب الله قد رتب أموره مع حلفائه بطريقة ستخيب آمال كل المراهنين على هزيمة الحزب داخليا." وهذا ما حصل حيث أن الحزب سيطر على بيروت الغربية بسرعة مذهلة وبأقل الخسائر الممكنة بتاريخ 7/أيار/2008.
الآن تشهد الساحة اللبنانية ضغطا متزايدا على حزب الله بسبب المحكمة الدولية، والتي من المتوقع أن تصدر قرارها الظني بشأن اغتيال الحريري قريبا. إنهم يشددون الضغط على حزب الله، بخاصة بعد حادث العيادة الصحية الذي حصل بتاريخ 26/تشرين/2010.
التقدير أن حزب الله قد تحمل كثيرا، واستوعب الكثير من المماحكات والاستفزازات، وحيث أن الصدام مع إسرائيل لم يحصل، فإنه من المتوقع اتخاذ خطوات نحو حسم الأمور في لبنان من زاويتين وهما: التخلص من المحققين الدوليين، وتغيير الحكومة اللبنانية. حزب الله ليس بحاجة لاستعمال السلاح، لكنه سيبقي بعض قواته وقوات حلفائه الداخليين في حالة استعداد تحسبا لأي طارئ، ومن الممكن أن يكتفي بإسقاط الحكومة من خلال ضم أصوات كتلة وليد جنبلاط إلى أصوات حلفائه، وتشكيل أغلبية برلمانية قادرة على تغيير الحكومة القائمة حاليا.
لبنان مقبل على تغيير جذري، ومن المفروض أن يكون سريعا وهادئا حتى لا تتاح لإسرائيل فرصة التدخل، وإدخال الحزب في حرب مستعرة في وقت غير مناسب للحزب. ستتم ملاحقة المحققين الدوليين، وسيتم توجيه ضغوط كبيرة نحو الذين يؤيدون المحكمة الدولية من أجل أن ينكفئوا. وبات واضحا من خلال خطاب السيد حسن نصر الله بتاريخ 28/10/2010 أن الحزب قد بات يضم الذين يؤيدون المحكمة الدولية إلى قائمة المعادين للمقاومة، وواضح أن هذا يحمل بعدا عسكريا.
لقد وصلت الأمور حدا كبيرا يفوق قدرة حزب الله على التجاوز أو التحمل، وأرى أن الأمور قد وصلت حدها النهائي. وأقدر أن لبنان سيدخل مرحلة جديدة تمتاز بتبعات جديدة على رأسها الهجوم على النفوذ الأمريكي في لبنان، وتقليص دور الأنظمة العربية المتحالفة مع إسرائيل. أي أن المسألة لن تتوقف عند مسألة المحكمة الدولية، وإنما ستمتد لتشمل موقع لبنان في معادلة القوى الإقليمية. المعنى أن حزب الله وحلفاءه سيكسبون هذه الجولة أيضا، وسيتعزز معسكر الممانعة في المنطقة العربية الإسلامية.