أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
تاريخ من المذابح!!

بقلم : رشاد أبوشاور  ... 03.11.2010

تاريخ من المذابح!.هذا هو التوصيف الصحيح لتاريخ الكيان الصهيوني على مدى 62 عاما، وإن شئنا الدقّة أكثر، فهذا التاريخ الإجرامي بدأ قبل إعلان ذلك الكيان (دولة) يوم 15 أيّار/مايو 1948، فالعصابات الصهيونيّة تنافست في قتل والتنكيل بالعرب الفلسطينيين، تطبيقا لتعاليم حرفية توراتية لا يخفونها، وتعبيرا عن عمق الإيمان بأوامر دينيّة لا شبيه لها لا في الأديان السماويّة، ولا في الأديان البشرية الوضعيّة التي اعتنقها الناس على هذه الأرض عبر ألوف السنين.
منذ فتحنا عيوننا نحن أطفال الفلسطينيين، والرصاص يلاحقنا، والطائرات تطاردنا، والمذابح تحيل نهارات وليالي حياتنا جحيما وكوابيس، وتحرمنا من النمو في أجواء طبيعيّة.
لما وقعت مذبحة (كفر قاسم) يوم 29 تشرين الأوّل/اكتوبر 1956 كان العدوان الثلاثي يستهدف احتلال مصر والقضاء على ناصر، وتحت هدير المدافع، والبوارج البريطانيّة والفرنسية، وغبار أرتال جيش العدو في سيناء، عمدت قيادة ذلك الكيان - بن غوريون المؤسس وطاقم حكمه - إلى استغلال انشغال العالم بالحرب (لإصلاح) خطأ بقاء مائة وستين ألف فلسطيني في وطنهم رغم نكبة الـ48، صامدين صابربن في أرض آبائهم وأجدادهم..فكانت مذبحة (كفر قاسم) لبّث الرعب في نفوسهم، ودفعهم للهرب نجاة بحياتهم إلى البلدان العربيّة المجاورة.
تمّت المذبحة في ساعات، وبتنفيذ ما يسمّى بحرس الحدود، فحصد الرصاص 49 رجلا وامرأة وطفلا كانوا عائدين من حقولهم.
عندما فشلت الحرب العدوانية على مصر، افتضح أمر المذبحة، واضطرت حكومة بن غوريون أن تجري محاكمة شكلية لمقترفي (الجريمة)، فحُكم على (اللواء) شدمي بقرش واحد!..وهذا هو ثمن الـ49 عربيا، الذين قُتلوا وتركوا في العراء، ليكونوا عبرة لألوف الفلسطينيين في الجليل والمثلث، ودافعا لهم للهرب.
الفنّان برهان علوية أخرج فيلم (كفر قاسم) الذي جاء تحفةً فنيّة، ليتبوأ مكانة رفيعة في مسيرة السينما العربيّة، عن نّص بسيط للكاتب السوري عاصم الجندي، ومن إنتاج مؤسسة السينما السوريّة، ليثبّت وقائع المذبحة، وطبيعة العقليّة الصهيونيّة في (وعي) كل عربي، وليقدّم للعالم صورة ديمقراطية الكيان الصهيوني، وطبيعته العنصرية.
الشاعر العربي الفلسطيني الكبير يوسف الخطيب كتب نصّا مسرحيّا بعنوان (كفر قاسم)، والروائي إميل حبيبي كتب نصّا مهما، وتبارى شعراء فلسطين في إبداع نصوص شعريّة ما زالت حيّة، يستعيدها الفلسطينيون داخلاً وخارجا، كلّما ورد اسم كفر قاسم، وبعضهم يستعديها للتأكيد على أنه لا يمكن أن يكون سلام مع هذا الكيان المسعور الذي وجد ليأكل لحم الفلسطينيين، ويشرب دمهم، ولينهب أرضهم، ويطردهم منها، والذي لا يجب أن يغيب شعاره العنصري الحقير عن عقل وضمير أي عربي: العربي الصالح هو العربي الميّت!
من جديد استعاد أهلنا في الوطن ذكرى مذبحة (كفر قاسم)، فنظموا مسيرةً حاشدة مهيبة، ضمتهم من كل الاتجاهات، هم الفلسطينيون المستهدفون دائما بالذبح، والطرد، إذ لا فرق في نظر الاحتلال بين فلسطيني وفلسطيني، ما دام هذا الفلسطيني يعيش على أرض آبائه وأجداده، ويتشبث بها، فلا يغادرها مهما استشرست المضايقات، وتعددت أساليب العنصريّة المنحطة.
كفر قاسم نهضت من جديد في وجه العنصرية، والبلدة التي كان تعداد سكّانها قرابة ألف مواطن باتت اليوم مدينة يزيد مواطنوها على العشرة آلاف..وهذا هو سّر احتدام الصراع، ورفع نتنياهو وزعرانه شعار: يهودية الدولة..في وجه شعب الأرض التي مازالت تتكلّم عربي..رغم المذابح!
القيادات والجماهير معا:
أهلنا هناك في الوطن، تصدّوا في (أم الفحم) لاجتياح أوغاد عصابة (كهانا) بمناسبة الذكرى العشرين لقتله. وهم جميعا، وبكافة اتجاهاتهم السياسية، والعقائديّة، بشيبهم، وشبانهم، واجهوا تلك القطعان، ومنعوها من اجتياح أم الفحم العريقة...
اللافت، وهو مطمئن، مشرّف، ومفرح، أن القيادات الفلسطينيّة: إسلامية، وتجمع، وأبناء بلد، والجبهة، وشخصيّات وطنيّة، من النقب إلى الجليل، إلى المثلث..كلهم تواجدوا في أم الفحم، ومنهم من تلقّى الرصاص المطاطي.. فقد أصيبت حنين الزعبي الشجاعة، وعفو إغبارية .. أهي بروفة؟!
كان الغائب الحاضر هو الشيخ رائد صلاح المغيّب في السجن، والذي بات نزيل السجن، يخرج ليعود إليه، ولكنه بعزيمة وشموخ يواصل دوره الشجاع بعناد المؤمن.
شعبنا في الداخل تتقارب قياداته، يجمعها الميدان، تتبارى في تقدم الصفوف، وهذا مفرح، بقدر ما هو محزن، فقيادات شعبنا في الضفة وغزّة مزقت صفوف شعبنا، وأضعفته، وأغرت العدو بمواصلة اعتداءاته، والمستوطنين بابتلاع الأرض.
تاريخ عدونا هو سلسلة مذابح، ومع هكذا عدو لا يمكن أن يكون سلام، وبقيادات بائسة تواصل الحديث عن التفاوض فإن المذابح ستتواصل، ونهب الأرض لن يتوقف.
شعبنا بحاجة لقيادات فلسطينيّة شجاعة، صلبة، مضحية، عنيدة، متجردة من المصالح والأنانيّة ، تتناغم داخلاً وخارجا، لتكون (مايسترو) للنضال الوطني الفلسطيني، تحقق التناغم، والانسجام، وتوحد طاقات شعبنا، بحيث يُحال بين عدونا وبين تنفيذ مخططاته، وننتقل نحن للهجوم المعاكس، الذي سيجذب لدعمنا طاقات الملايين من أبناء أمتنا، ويعيد إلى العالم اسم فلسطين وهيبة شعبها.
في هذه الأيّام أستذكر كثيرا ما قاله القائد المؤسس في حركة الأرض الأستاذ صالح برانسي: منذ العام 48 وحتى العام 58 قاد الشيوعيون نضال شعبنا، وحموه من الترانسفير، وثبّتوه في أرضه، وبعد الـ58 جاء دورنا كتيّار قومي لنقود شعبنا ...
هكذا يكون اعتراف القوى السياسية ببعضها، بأدوارها، بما أدته، وهو ما يؤسس لعلاقات محترمة، واحترام متبادل.
اليوم نرى كل القوى السياسية في فلسطين الـ48 وهي معا في الميدان، بغّض النظر عن تفاصيل الخلافات، وقياداتها تتقدم الصفوف، في وجه ما تبيته قيادات الكيان الصهيوني من مخططات لم تعد خافية، تستهدف جميع أهلنا هناك، وتمتد إلى شعبنا في الضفة، والقطاع، والشتات، فالعدو يرى أن الوقت مناسب لتصفية القضية الفلسطينيّة، في غيبة قيادات حقيقية لشعبنا (الواحد)!
كان أهلنا في فلسطين الـ48 ينتظرون منّا أن نقدّم لهم نحن الأمثولة، و..نفتح لهم منافذ للمستقبل، ولكن قيادات (أوسلو) خذلتهم، وها هم بعد أن وعوا الدرس يعودون للاعتماد على أنفسهم، على (وحدتهم) الوطنيّة، وهذا ما يربك قيادات كيان المذابح: من الطنطورة، إلى دير ياسين، إلى كفر قاسم إلى صبرا وشاتيلا، إلى مذبحة غزّة ...
لنتعلم من شعبنا، من أهلنا الصامدين، ممن حافظوا على عروبة فلسطين وانغرسوا في حلق وعين الاحتلال، إذ لا يكفي أن نكيل لهم مديحا يستحقونه، فهم ينتظرون منّا أن نتّحد، و(ننجب) قيادة تنجز وحدتنا الوطنيّة، وتخفف عنهم العبء، بحيث لا يكونون وحدهم (عراة) بين أنياب الوحوش!