بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 24.10.2010
اهنزت مشاعر أهل الغرب بخاصة في أمريكا وبريطانيا بعد نشر موقع ويكيليكس لبعض وثائق الحرب على العراق، ليس حزنا على مئات آلاف العراقيين الذين قتلوا في الحرب، وإنما خشية أن يشكل النشر خطرا على جنودهم المجرمين الذين يحتلون العراق. لم يقف مسؤول غربي واحد يبكي أهل العراق، أو يدين الأعمال الوحشية الهمجية التي ارتكبتها قوات الغرب في العراق، أو أن يقول كلمة خير لصالح طفل عراقي قتلته القنابل على صدر أمه. كل ما يزعجهم هو أن مشاعر الثأر قد تتأجج لدى أهل العراق، وربما في مناطق عربية وإسلامية أخرى، فيلقى جنود الغرب أذى، أو تُجز رقابهم بالسكاكين.
طالما تحدث العالم عن العنصرية والتمييز العنصري على أساس اللون أو الجنس أو القومية وغير ذلك، وهذه هي العنصرية الغربية تؤكد نفسها بابشع الصور وأقذرها وأكثرها انحطاطا ضد العرب والمسلمين. إنهم يعشقون قتل أهل العراق، ويجعلون من القتل تسلية ومرحا وموضوعا للفخار والمباهاة. جنود أمريكا يصوبون على الناس ليروا أيهم أدق إصابة، وأيهم أكثر إمعانا في القتل وسفك الدماء. إنهم يتعاملون مع أهل العراق وأهل افغانستان وباكستان وفلسطين ولبنان ومصر وسوريا على أنهم حشرات، ويمكن دوسهم بالأحذية، أو رفع النفقات وقتلهم بالرصاص. لقد قتلوا الهنود الحمر بمئات الآلاف، بل بالملايين، واستعبدوا السود ولم يوفروا أسلوب جريمة إلا جربوه بهم، وها هم يقتلون العرب بمئات الآف، ولا يجدون في الأمر عارا أو أو ذنبا، أو شنارا يلاحقهم. إنهم يستمتعون بالقتل، ويرون في دحرجة جثث الأطفال والنساء لعبة عصرية حضارية تخفف من وطأة الأزمات النفسية والهموم اليومية.
لا يبدو أن الغربي يريد أن يتخلى عن عنصريته، وشعوره بالتفوق على الآخرين، وواضح أنه يتلقى تعليما عنصريا منذ الصغر، ويربى في البيت على العنصرية واحتقار الآخرين من الأمم الأخرى. ولا يبدو أن كل تلك الإدانات للعنصرية، وكل تلك القوانين التي تم سنها ضد العنصرية تعكس الحقيقة التي تصرخ في وجوهنا جميعا قائلة: لا تركنوا إلى هؤلاء الذين يتغنون بتراث لا ينفصل عن دراكولا، بطل الأسطورة الأوروبية الأمريكية.
لكن هناك مشكلة فينا نحن العرب وهي تتمثل بشعورنا بالدونية أمام الغربي وأمام الدول الغربية. والسبب أننا آثرنا التكاسل والتواكل، وفضلنا عدم الاعتماد على الذات، ونصر على أن نبقى ضعفاء مستضعفين متخلفين معتمدين على الغير، وننحني أمام سادة أكابر نستمتع في تقديم الخدمات لهم. المشكلة في الخنازير العرب وعلى رأسهم العديد من الحكام الاستبداديين الذين أيدوا غزو العراق وساهموا في ذلك بالمال والتسهيلات النزلية وغير ذلك. نحن الذين نفتح أبوابنا للغزاة الطامعين، ونقدم ما هو مقدس لدينا حلالا لزناة الأرض وبغاتها. ومن قرر لنفسه الهوان، لا مفر سيبقى عيشه عيش الجبان، وسيبقى ظهره لكل من أراد الامتطاء.
تقع على عاتق مثقفي الأمة ومفكريها وأكاديمييها وأئمتها مسؤولية عظيمة سيحاسبهم الله عليها والتاريخ وعموم الناس، وهي مسؤولية الوقوف بوجه الحكام العرب المستبدين، والتصدي للظلم الغربي وجيوش الغزو والاحتلال. هؤلاء مسؤولون أمام الله والناس والتاريخ، وعليهم واجب العمل من أجل تحرير الأمة من هذا الواقع المرير. نحن العرب أذل أمة على وجه الأرض، وتتكالب علينا أمم كثيرة، ويتندر علينا القاصي والداني إلى درجة أننا اصبحنا أضحوكة وألعوبة. وإذا كان حكام الأمة قد استبدوا واستهتروا وأسرفوا في الذل والخنوع، فإن على علماء الأمة أن يكونوا أوفياء لمسؤولياتهم، وينفروا خفافا وثقالا نجدة للأمة وعزتها وكرامتها ومقدساتها.