أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
ليد ظلت تقاوم .. لكفر قاسم !!

بقلم : د. عدنان بكريه ... 29.10.2010

لا مارزل ولا نتنياهو ولا ليبرمان قادرون على اقتحام رباطنا الروحي بالوطن ..ولا هم قادرون على تفكيك رباط بقائنا الذي نسجناه بالدم والدموع وصبر الصابرين .. فنحن اهل البلاد ..ونحن اصحاب الوطن والتاريخ
كفر قاسم .. إنني عدت من الموت لأحيا، لأغني ..
فدعيني أستعِر صوتي من جرح توهج ...
وأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج...
إنني مندوب جرح لا يساوم.
علمتني ضربة الجلاّد أن أمشي على جرحي
وأمشي ... ثم أمشي ... وأقاوم!
تصادف اليوم الذكرى الرابعة والخمسين لمجزرة كفر قاسم التي راح ضحيتها ستة وأربعون شهيدا من الأطفال والشيوخ والنساء في طريق عودتهم من يوم عمل شاق ومضني ، ليس لسبب ما أو جريمة اقترفوها، بل لأن العقلية الصهيونية التي سيطرت على صناع القرار هنا لم تحتمل بقاء فلسطينيين هنا في الداخل ...فبقائهم يعني بقاء الشاهد التاريخي على عروبة فلسطين ..وعلى فلسطينية الارض والماء والشجر ..
*ذهول بن غوريون
لقد ذهل "بن غوريون" عندما اكتشف في اوائل الخمسينات انه لم يتم تهجير الشعب الفلسطيني بالكامل وبأن هناك قرى فلسطينية كاملة لم تدمر.. بل صمدت وما زالت صامدة.. وعندما زار منطقة الجليل سأل مرافقيه .. هل نحن في سوريا أم في إسرائيل ؟!
هناك انطلقت الفكرة .. تهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل وكان لا بد له من إيجاد الفرصة المواتية لتنفيذ هذا المخطط ولو كلفه الأمر ارتكاب المجازر أو افتعال حالة حرب مع دولة عربية مجاورة واستغلال حالة الحرب للإقدام على تهجير ما تبقى من أبناء الشعب الفلسطيني هنا في الداخل .
وهذا ما حصل فخلال العدوان الثلاثي على مصر اصدر القادة الإسرائيليين قرارهم بمحاصرة قرى المثلث الجنوبي وقسم المثلث إلى منطقتين الأولى تحت سيطرة الضابط (دهان ) والثانية تحت سيطرة ( ماليكني ) على أن يقود العمليات العقيد ( شدمي) والذي حكم عليه بغرامة مالية تساوي ( قرش) وأصبح قرش شدمي مهزلة في التاريخ المعاصر !!
لا أريد الخوض في تفاصيل المجزرة ومجراها العسكري ، بل ما يهمنا هنا أن نستخلص العبر من كفر قاسم والتي كانت هدفا لشدمي وقواته لترويع سكان المنطقة وإجبارهم على النزوح إلى الأردن حتى لو كلف الأمر افتعال حالة حرب مع الأردن في خضم العدوان الثلاثي على مصر حيث كانت الأنظار تتجه إلى هناك .. وصمدت كفر قاسم مضمدة جراحها النازفة وصمد أهلها وكبرت وصارت تطاول الرياح العاتيات
وبقيت وستبقى ما بقي التراب الذي يحتضن الشهداء.. ستبقى ما بقي زيتون الجليل ونخيل النقب.
بعد الجريمة خرج بن غوريون ليتحدث عن قرية حدودية وكأنه لا يدري ما هو حاصل وبان من استشهدوا هم مواطنين في الدولة وأصحاب الوطن والأرض ... أصحاب الحق الراسخ في قلوبنا وأذهاننا
لم يكن من الصعب على أهلنا هنا أن يتجاوزوا جراحاتهم وآلامهم ليصمدوا بوجه كل المخططات التي أحيكت وما زالت تحاك ضد الوجود الفلسطيني في الداخل وتحت يافطات متعددة الألوان والشعارات .. فتارة تحت يافطة التبادل السكاني في إطار حل دائم وشامل للقضية الفلسطينية .. لكن الهدف يبقى واحد وهو تفريغ الأرض من المواطنين الفلسطينيين ودرء الخطر الديموغرافي القادم على حد تعبير قادة الدولة .
إن التخوف الإسرائيلي نابع من أن تعداد الأقلية الفلسطينية هنا سيزداد ليساوي عدد المواطنين اليهود، عندها لن يكن بمقدورهم الحفاظ على نقاوة الدولة العبرية !!ويبدي بعض القادة تخوفه من خطر الأقلية الفلسطينية الذي يفوق خطر ايران وحماس وحزب الله!
وهذا التخوف له ما يبرره في ظل سياسة التمييز العنصري والقهر القومي الممارس ضدنا والذي بدأ يتصاعد بوتيرة عالية في الايام الأخيرة وإذا كانت القيادة تريد إبعاد كابوس الخوف فما عليها إلا إنصاف هذا الجزء من خلال اعترافها به ومنحه حقوقه القومية والمدنية وليس من خلال برمجة خطط تهدف إلى تهجيره ..وايضا من خلال الاعتراف بحق شعبنا الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس.
إن مجزرة كفر قاسم كانت البداية على طريق درء خطر التواجد الفلسطيني في الداخل ! وتلاها يوم الأرض عام 76 والذي اندرج في إطار تهويد ومصادرة ما تبقى من أراضي المواطنين الفلسطينيين في الداخل.
قرش شدمي
وعودة إلى كفر قاسم وبدلا من تعترف حكومة (بن غوريون ) آنذاك بمسؤوليتها عما حصل وتتراجع عما سببته من آلام مستديمة لكل الأقلية الفلسطينية هنا وللشعب الفلسطيني .. شكلت محاكمة صورية كان الهدف من ورائها خداع الرأي العام العالمي الذي استفاق متأخرا.. وحكمت المحكمة على قائد العمليات الملقب ( بشدمي ) بدفع غرامة مالية تساوي قرشا .. وهذه طعنة أخرى تلقتها كفر قاسم والفلسطينيين هنا.. أما الطعنة الأخرى عندما اصدر رئيس الدولة العفو عن قادة المجزرة ( مالينكي ودهان )ليمنح الأول منصب ضابط الأمن في مفاعل "ديمونا" النووي ويمنح الثاني منصب مسئول الدائرة العربية التابعة لبلدية اللد والرملة !! وكأن دم الشهداء يساوي قرشا في نظر حكام إسرائيل.. هذه هي العقلية الصهيونية التي ذنبت الضحية وكافأت الجلاد !!
أما الطعنة الكبرى عندما فرضت الحكومة صلحه عشائرية بين أهالي كفر قاسم والحكومة بالتخويف والترويع من مغبة رفض الأهالي لهذه الصلحة فاضطر الأهالي وحفاظا على مستقبل أطفالهم وبقائهم في الوطن إلى قبول الصلحة وبهذا تم إغلاق الملف نهائيا وأعفيت الدولة عن تحمل أية مسؤولية في المستقبل !
لقد وصل الاستهتار السلطوي بمشاعر الأهالي والشعب الفلسطيني عندما انتهت الصلحة العشائرية بوليمة تم خلالها ذبح مائة دجاجة وخمسة عشر خروف !!وعلى الطريقة اليهودية وعلى حساب الجيش الإسرائيلي !!
كفر قاسم ودعت شهداءها وفي عتمة الليل ومنعت وسائل الإعلام من الوصول إلى القرية الثاكل والمنكوبة.. ودعت شهداءها لتدخل التاريخ من أبوابه الواسعة وتكبر بأبنائها وبناتها تكبر ليصبح تعداد سكانها حوالي الثلاثين ألفا.. كبرت كفر قاسم وكبر معها الحلم.. ذكرى الشهداء تلازم كل طفل من أطفالها ولسان حالهم يقول هنا حلموا شهداؤنا وهنا سقطوا وهنا نحن سنبقى .
آه! يا خمسين لحنا دمويا
كيف صارت بركة الدم نجوما وشجر؟
الذي مات هو القاتل يا قيثارتي ومغنّيك انتصر!
إفتحي الابواب يا قريتنا
افتحيها لرياح الاربعة
ودعي خمسين جرحا.. يتوهج:
كفر قاسم
قرية تحلم بالقمح.. وازهار البنفسج
وبأعراس الحمائم
احصدوهم دفعة واحدة..
احصدوهم! حصدوهم
شدمي ينهض من جديد
اكثر من ستون عاما مضى على نكبة شعبنا وما زلنا نكابد عناء الوجود على ارض ابائنا واجدادنا .. وبرغم الاضطهاد والقمع الا اننا حسمنا مصيرنا على هذه الأرض.. وابرمنا معاهدة تمدنا البقاء والتمسك بالوطن ..لم تكن معاهدة مع المحتل ..بل مع الارض والوطن وعاهدناه اننا هنا باقون ..ما بقي الزعتر والزيتون ..
لا مارزل ولا نتنياهو ولا ليبرمان قادرون على اقتحام رباطنا الروحي بالوطن ..ولا هم قادرون على تفكيك رباط بقائنا الذي نسجناه بالدم والدموع وصبر الصابرين .. فنحن اهل البلاد ..ونحن اصحاب الوطن والتاريخ .. نحن نحن .. وهم هم .. ومهما تمادوا وصالوا وجالوا ..الا أنهم الى نحورهم مرتدين ولو بعد حين ..