بقلم : سامي الأخرس ... 30.10.2010
كعادتها القوى الفلسطينية كل عام تُبدِع في حشد الجماهير بمهرجانات انطلاقتها كما فعلت حركة الجهاد الإسلامي بالأمس، وكما أتوقع أن تفعل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الشهر القادم، وعلى ثقة كاملة بأن الجبهة الشعبية ستبهر الرأي العام بمهرجانها القادم لما تمارسه على الأرض من سياسة واضحة تحاكي الهم الجماهيري، وبتحركات ثابتة ستثبتها الأيام القادمة، وهو ما يدفعني للتساؤل بشكل علني، إن كانت هذه القدرات الفصائلية تؤهلها لهذا الفعل الجماهيري، فلماذا لا تستغله في الحشد السلمي للجماهير للوقوف أمام الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني؟
لأن سؤالي قديم وتقليدي، فإنه لن يجد صدى لطوباويته من وجهة نظر الفصائل التي لا تريد الأخذ على عاتقها استنهاض الجماهير لأسباب داخلية لديها، وهو ما يؤكد معالم الصراع الداخلي الفلسطيني – الفلسطيني الذي استند في جميع مراحله على القاعدة العامة( صراع- وحدة- صراع) ولكنه في هذه المرحلة يستند على قاعدة مستحدثة من قانون وشعار مستبدل" بدل من سنصلي في القدس" " صلينا في موقع السرايا بغزة"، وهو لغة الفتح والحسم المعلنة بمرحلة الصراعات غير الخلاقة، على هدى ورشد " الفوضى غير الخلاقة" التي أطلقتها سوداء الوجه والقلب (رايس) في الشرق الأوسط، فأصبحت قاعدتنا الأساسية (صراع – صراع – صراع) بما أن فلسطين تحررت وفق قناعات البعض، وغزة أصبحت مطهرة حرة، والضفة في الطريق، بل تداهمنا لغة الاعتراف بيهودية الدولة لكي نقتلع ما تبقي من أهلنا بفلسطين الداخل، ونقدم لإسرائيل هدية أخرى من هدايانا المجانية، وهي رقاب وأجساد أبناء فلسطين الداخل الأطهر من هؤلاء كلهم، وهو ما يعبر عن استحداث سياسي عبر عن ذاته، بوجهة نظري، من خلال التشخيص السليم والواقعي الذي قدمه الدكتور محمود الزهار قبل عدة أيام في مطلع حديثة عن المصالحة، معبرًا عن أول الخطوات الضرورية بتشكيل لجنة مصالحة اجتماعية، تأخذ على عاتقها بداية إنهاء الانقسام في النسيج الاجتماعي الفلسطيني الذي خلفه الانقسام ومظاهرة من عمليات" إعدام، قتل، إعاقة، هدم...إلخ" وربما لأول مرة يقوم مسؤول فلسطيني بتشخيص الحالة تشخيص واعِ وبمنطق سليم، دون استخدام الدبلوماسية السياسية التي يباغتنا بها الساسة الفلسطينيون، وأخرها البدعة اللطيفة التي قدمها الأخ عزام الأحمد الذي نفي وجود اليسار الفلسطيني كليًا، وهو مدلول واقعي للحالة النفسية التي تتوافق عليها أطراف الصراع الفلسطيني – الفلسطيني، ففتح التي تخوض في غفلة عن ذاتها الوطنية مفاوضات خاسرة بكل مدلولاتها، وتحاول العبث بعواطف جماهير شعبنا ببعض التصريحات الهيلامية عن الدولة وتقرير المصير، والتي لا تنم عن شيء سوى عن حالة استغباء للعقول، وللضمير، وكذلك الطرف الأخر من الصراع الذي لا يريد بأي حال مصالحة فهو يعيش في مملكته التي تدر عليه الغنائم والمغانم دون شريك، أو سائل ومسؤول، وعليه فحديثهم عن المصالحة ولقاءاتهم تبدأ من الذيل وتبعد عن الرأس، وهو ما عبر عنه بكل شفافية الدكتور محمود الزهار، الذي أدرك من اين تبدأ المصالحة، وأدرك طبيعة المجتمع الفلسطيني وتركيبته الاجتماعية، التي تـألف من عشائرية، لو تم تجاوزها وغض الطرف عنها لن تكون غزة أفضل بأي حال من الأحوال من المشهد الطائفي في العراق حاليًا، أو من الحرب الأهلية اللبنانية السابقة التي غذتها روح الطائفية، وهو ما يتطلب أن تترفع قوى الانقسام، وجهابذة البذخ والفساد السياسي الفلسطيني عن تعاليهم ونزقهم الشخصي، والنظر للشعب الفلسطيني الذي يطحن أمام شهواتهم السلطوية تارة، وفسادهم السياسي تارة أخرى.
فالمجتمع الفلسطيني شهد مذبحة قاسية بنسيجه الاجتماعي، تتطلب منا الوقوف أمام تفصيلياتها بضعًا من الوقت وبمسؤولية وطنية، لكي لا نغرق في تبعاتها مستقبلًا، فالأهم أن نعالجها بجذرية ومنطقية وعدالة، من خلال البدء بعملية تصالح ومصالحة اجتماعية تستند على أسس ومرتكزات اجتماعية تقودها فئات وشرائح المجتمع من ممثلين عن " الأحزاب والفصائل السياسية، منظمات المجتمع المدني، المستقلين، وجهاء وممثلي العائلات" ووضع الترتيبات القانونية والاجتماعية المستندة على العرف الاجتماعي والدين والسياسية، كبداية فعلية لإعادة اللحمة للنسيج الاجتماعي الممزق، والذي يعيش حالة من التربص كلًا للآخر، بعيدًا عن خطابات ومهرجانات الساسة، ونفاق وخداع خطباء صلاة الجمعة، ودجلهم الديني، وعن شعارات الزيف التي تطلق هنا وهناك من البوم الأسود الذي تكتسي به سماء فلسطين بثوب القادة.
لقد لمس الدكتور محمود الزهار الجزء الأهم من المصالحة الفعلية، ووضع النقاط فوق الحروف، متجاوزًا ضلالة من يبيعون الهوى للشعب الفلسطيني.
لن يكتب لأي مساعِ بالنجاح دون البدء من رأس العملية التصالحية الفعلية ألا وهي الشعب الفلسطيني ونسيجه الاجتماعي، فليستحي هؤلاء الأفاقون بثوب الساسة، وينصروا شعبهم.