بقلم : ريم عبيدات ... 21.09.2010
ماأن ندلف خارجين من باب أي مؤتمر أو ورشة عمل أو مناقشة، حتى ننفصل تماماً عما جرى في ثناياها .
مشهد سوريالي للغاية تفصل بين شقيه المتناقضين أجزاء من الثانية . فمن الحماس المطلق والأيدي المرتفعة طلباً للكلام، والخلاف الدائم مع رئيس الجلسة لمطالبته المستمرة بالاختصار، إلى الانفصال الكامل عن الموضوع .
دائماً من النقطة ذاتها نبدأ وللنتيجة ذاتها ننتهي، ونفس الطريق نسلك، كأننا لا نعنينا، وكأن قضايانا تمر من جانبنا، بروح شبه نائمة نسير، وبحماس شبه معدوم نمارس فعل الحياة بكل ما فيها، لماذا يغيب التراكم عن مجمل تفاصيل حياتنا؟
السؤال دعوة حقيقية لتأمل الواقع من منطلق المتابعة والاختصاص . فما يكتنف واقعنا من ثقافة التجريب الدائم لا ثقافة الاستقرار والبناء يشل القدرة على الإنجاز الأصيل بأي اتجاه، فنحن في غالب الوقت كائنات تلميذة تتسمر وراء التجربة المكررة، وليس المبدعة أو الخلاقة، نبدأ صباحاتنا مما لم ينته إليه أمر مسائنا، أسرى دائمين لمربع البدايات، بل لمربع الأصفار المضاعف .
وربما يكون المشكل الأعظم حجماً للذات والإنجاز والقدرة والأفكار والمشروعات وكذا النجاحات، يقوم بكليّته أو أغلبيته على هيئة مجهود شخصي متناثر لا يشكل إرثاً ولا تراكماً بأي اتجاه، أو نتيجة لما قد تقع عليه أيدي القلة من بعض المعرفة المتناثرة، وشيء من القيم أو التراث أو الحداثة الإعلامية .
في الإطار الاجتماعي تحولت حياتنا إلى مشهد فريد للانعزال كجزر ضيقة، يكتنفها انفصال مدوٍ عن الآخرين، وحتى عن ذواتنا تحت ادعاءات الانشغال والاستقلال وعبارات أخرى قاسية في لا أخلاقيتها وتوصيفها للآخر وأهميته في حياتنا، مطيحة بالإبداع تماماً وبقيمة الاختلاف والتعدد والحوار .
سياق التجريب الدائم الذي نحيا في ظله يبقي الأفراد والجماعات وبالتالي المجتمعات والأوطان في مربع الإمكانية، يراوحون لسنوات من دون بناء أو نضوج أو حتى اختمار ولو لفكرة واحدة، مفسراً لظاهرة التراجع التنموي والمعرفي التي تعصف بحاضر ومستقبل أيامنا .
وما قد يتوفر للبعض من ظروف أو جهود استثنائية أو توفر بيئات وفرص معينة قد يقدم تكوينا جدياً، إلا أنهم يظلون أسرى الاستثنائية . والتي تصبح بعد ذلك فاصلاً بينهم وبين مجتمعاتهم، فتحدهم ضمن أطر وأوضاع اجتماعية واقتصادية نخبوية من تقديم مشاريع فعلية قد تحظى بالتأثير على صعيد الواقع، مشكلين أيضاً لجزر عاجزة عن التفاعل مع محيطها أو التأثير فيه .والأقسى ما يسود مجتمعاتنا من انزياح لقيمة المعاني وفوضى المفاهيم وعلى رأسها البنى الأخلاقية والروحية، إضافة للعنف النفسي المادي وسيادة قيم الفرصة والفهلوة وتوغل الثقافة الذرائعية التي أحدثت شرخاً عميقاً في بنية الناس والمجتمع، وانزياحاً تاماً للمجتمع عن إمكاناته وقدرته.