أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
هل تنظيم القاعدة مجرد فزّاعة أم مُفزع فعلاً؟

بقلم : د.فيصل القاسم ... 07.11.2010

من كثرة اللغط والأخذ والرد والقيل والقال والتكهنات والتلفيقات وحتى الأساطير التي تحاك حول تنظيم القاعدة، يجد المرء نفسه محتاراً فعلاً لا يستطيع أن يرسو على بر الحقيقة. فمرة يكاد يصدق المزاعم المتكررة أنه ليس هناك شيء اسمه "قاعدة"، وأنه ليس تنظيماً ولا من يحزنون، بل مجرد "تسجيل صوتي" أو هيصة إعلامية يثيرها البعض بين الحين والآخر لغاية في نفس يعقوب لا أكثر ولا أقل من أجل غايات سياسية تكون نتيجتها في الغالب وبالاً على العرب والمسلمين. ومرة نسمع أن هذا التنظيم مخترق، ويتم توجيهه حسب مخططات الجهات المخترقة له كما يزعم الكاتب البريطاني الشهير ألان هارت الذي يعتبر أن الموساد الإسرائيلي اخترق تنظيم القاعدة، ونفذا معاً أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ومرة يقف المرء مشدوهاً أمام ذلك التأثير النفسي الرهيب للقاعدة على العالم الغربي وأتباعه في العالمين العربي والإسلامي. فبمجرد أن يلمح التنظيم إلى نيته القيام بعملية ما تستنفر أمريكا وأوروبا ومن لف لفهم استنفاراً يجعل مختلف البلدان تعيش على صفيح ساخن يحول الحياة هناك إلى جحيم.
لو أخذنا الضجة الحالية حول الطرود المفخخة التي يقال إن تنظيم القاعدة يقف وراءها لأخذنا انطباعاً لا يشوبه أي شك بأن "القاعدة" منظمة رهيبة للغاية تبعث فعلاً الرعب في أمريكا وأوروبا بمجرد تحرك بسيط، لا بل قادرة أيضاً على شل الحياة في المطارات الغربية وقض مضاجع الرئيس الأمريكي ورؤساء الحكومات الأوروبية دون استثناء.
قبل أيام فقط قطع الرئيس الأمريكي باراك أوباما مهامه السياسية الداخلية، ودعا إلى مؤتمر صحافي عالمي على عجل ليتحدث عن التهديدات الجديدة للقاعدة لبلاده. ومن شدة تأثره بتلك التهديدات أطلق وعيداً بتدمير فرع القاعدة في اليمن عن بكرة أبيه. أما سلاح الجو الأمريكي الذي يستطيع أن يدمر العالم أكثر من مرة، فقد استنفر استنفاراً عظيماً، فانطلق ليرافق طائرة إماراتية قادمة من دبي إلى مطار "جي أف كي" في نيويورك خوفاً من أن تكون تلك الطائرة حاملة لمتفجرات أو ما شابه ذلك. باختصار، لقد تأهبت أمريكا رئاسة وإعلاماً وجيشاً للتصدي لتهديد القاعدة الجديد.
ولو انتقلنا إلى أوروبا، لم نسمع في الأيام القليلة الماضية من رئيس الوزراء البريطاني ووزيرة داخليته ومن المسؤولين الألمان والفرنسيين سوى تحذيرات من تهديدات القاعدة، فقد قال ديفيد كاميرون في لندن إن الطرود التي أرسلتها القاعدة جواً كان بإمكانها أن تنفجر على متن الطائرات مخلفة كوارث مرعبة. ورددت وزيرة الداخلية البريطانية الكلام ذاته في أكثر من تصريح.
وحدث ولا حرج عن حالة الرعب التي سادت المطارات البريطانية، فتم تشديد الإجراءات الأمنية لتتحول حياة المسافرين البريطانيين والأجانب إلى جحيم مقيم.
ورغم أن الرئيس الفرنسي يعاني هذه الأيام من موجة إضرابات كادت تشل البلاد احتجاجاً على سياساته الداخلية، إلا أن تهديدات القاعدة في المغرب العربي واختطاف مواطنين فرنسيين جعل فرنسا تعيش على دقات الساعة القاعدية. وقد زاد في الرعب الفرنسي أن أحد الطرود التي تم العثور عليها وتفكيكها كانت مرسلة إلى الرئيس ساركوزي نفسه حسب المزاعم الغربية الأخيرة لولا أن تم ضبطها في اليونان. وأعلنت الإدارة العامة للطيران المدني في فرنسا السبت الماضي تعليق خدمات الشحن الجوي انطلاقاً من اليمن، في حين طالبت بلجيكا بـ"مزيد من اليقظة" للرحلات من اليمن وإليها، ولتلك المتجهة إلى الولايات المتحدة.
وكانت مطارات العالم اجتاحتها حالة ذعر وتأهب أمني. حيث فتشت طائرات شحن دولية في مطارات بريطانيا والولايات المتحدة ودبي. وقال وزير ألماني إن "الحكومة الفيدرالية تؤكد أنه اعتباراً من الآن لن يصل أي طرد من اليمن إلى ألمانيا". ومن جهتها أعلنت وزارة النقل الألمانية في بيان أن "الإدارة الألمانية للطيران أمرت كل شركات الطيران وشركات البريد السريع ومجموعات أخرى بالمراقبة الكاملة للطرود الموجودة والمودعة المرسلة من اليمن". كيف لا وقد تلقت المستشارة الألمانية نفسها طرداً مفخخاً؟!.
المطارات المصرية بدورها رفعت الاستعدادات الأمنية بعد حادثة الطرود المرسلة لأمريكا، فقد قررت المطارات المصرية تشديد ورفع حالة الاستعداد الأمني إلى الدرجة القصوى، كما دخلت عواصم العالم في حالة استنفار أمنى مكثف بعد أن وصل العديد من الطرود إلى السفارات الغربية في أكثر من مكان.
ويؤكد الدكتور ديرار عبدالسلام الباحث في سوسيولوجيا التحديث على مدى الرعب الذي تحدثه القاعدة في المجتمعات الغربية قائلاً: "إن دخول طائرة (أو حتى طائر ضخم!) مجالاً جوياً عن طريق الخطأ، والإعلان الكاذب لطفل يلهو أو معتوه بوجود قنبلة بمحطة قطار أو ميترو أو مطار.. والعثور علي مسحوق أبيض ببرلمان أو مجلس شيوخ أو مجمع تجاري أو إدارة أو.. (حتى وأن كان مجرد كمشة طحين أو ما شابهه!) مجرد ذلك أو حتى نصفه أو أقل منه بكثير بات يخلق حالة من الرعب والهلع اللامحدودين داخل مدينة أو مدن، بل حتى داخل أوطان بكاملها. لقد أصبح الخوف مكونا أساسيا في الحياة اليومية لمجتمعات كاملة! ها قد باتت شوارع المدن الأمريكية مرشحة للتحول إلى حلبات مفتوحة للركض الجماعي المفزوع وبالملابس العادية اليومية في أية لحظة. إنها الفوبيا. والأبشع من كل ذلك أن مصدر هذه الفوبيا لا يمكن الإشارة إليه تحديداً وتعييناً لأنه لا يتجسد لا في شكل دول ولا في شكل منظمات معروف مجال إقامتها أو تحركها، فهل هناك أقسي من كل هذا علي مجتمعات كانت إلى الأمس القريب تنعم بالهدوء والسكينة وتسعد بالأمن والأمان؟"
وبناء على التحليل أعلاه، هل دهاقنة السياسة وشياطينها يفكرون ويتصرفون من أجل مصالحهم بطريقة قد لا يفهمها، أو لا يهضمها الإنسان العادي حتى لو قلبوا العالم رأساً على عقب، وأن الدول الغربية تصنع الكذبة ثم تصدقها، أم إن الوقت قد حان لأن يعيد أصحاب نظرية المؤامرة النظر في مقولاتهم بشأن القاعدة وتأثيرها على ضوء رد الفعل الغربي على مشكلة الطرود؟ هل يمكن أن تقبل أمريكا وأوروبا وبقية دول العالم أن يتزعزع استقرارها، وتتخبط مطاراتها في حالة من الذعر والهستريا، وأن تعيش شعوبها في حالة من الخوف الرهيب، لولا أن هناك تهديداً حقيقياً تشكله القاعدة على أمن العالم؟ هل يعقل أن نصدق أصحاب نظرية المؤامرة الذين يعتبرون تنظيم القاعدة مجرد شماعة تستغلها أمريكا لغاياتها الخاصة؟ صحيح أن المحافظين الجدد ربما استثمروا عامل الخوف إلى أقصى حد في أمريكا لتمرير سياساتهم وسن تشريعات جديدة وتكبيل المجتمع الأمريكي بقيود كثيرة، لكن أليس من المستبعد أن تكون أمريكا أو أوروبا تتلاعبان بشعوبهما وأوطانهما بهذا الاستخفاف مستغلتين تهديد القاعدة وخطرها. هل يعقل أن تكون "هيصة" الطرود من تأليف وإخراج غربي لغاية في نفس يعقوب؟ هل يعقل أن تسمح أمريكا بتسهيل ضرب هيبتها الاقتصادية والعسكرية الممثلتين ببرجي التجارة العالمية ووزارة الدفاع لتمرير بعض السياسات وتحقيق بعض الأهداف؟ إنه طرح يصعب هضمه.
بعبارة أخرى، هل يمكن أن تتأهب القيادات الغربية عن بكرة أبيها لمواجهة خطر الطرود لولا أن هناك خطراً قاعدياً حقيقياً؟ هل قطع أوباما أشغاله ليتفرغ لتهديد القاعد في الأيام الماضية هكذا لولا أن الأمر يستدعي ذلك فعلاً؟ أليست الدول الغربية وغيرها محقة في الاستنفار وأخذ تهديدات القاعدة على محمل الجد؟
هل القاعدة، بعد كل ذلك، مجرد فزّاعة، أم إنها مُفزعة فعلاً؟ الله أعلم!