بقلم : محمود صالح عودة ... 27.11.2010
يبدو أن بعض حجّاج بيت الله الحرام لم ينسوا أن التصدّي لسلطان ظالم بموقف محقّ هو إتمام لفريضة الحج، إن لم يكن أولويّة تسبقها.
فقد ألقى مواطن الضفة الغربية الحاج "أبو محمود" حذاءه على وزير الأوقاف في سلطة المقاطعة محمود الهبّاش، بعد عودته وسائر حجّاج بيت الله الحرام من الدّيار الحجازيّة، قائلاً له: "حسبنا الله ونعم الوكيل عليك يا هبّاش، بعد ما سرقت حصص الحجّاج بتتركنا وبتعطيناش أي اهتمام وانت قاعد في الفنادق!"، ذلك بعد أن تم تغيير موعد عودة حجّاج الضفة الغربية فجأة، وتأخيرهم على الحواجز، وإبلاغهم فور عودتهم يوم الجمعة إلى الأردن بأن المعابر الإسرائيلية مغلقة. وقد أبدى حجّاج الضفة الغربية غضبهم إثر التمييز في الخدمات بينهم وبين المقرّبين من السلطة، ووصل الحدّ بادّعاء أحدهم أن موسم الحج لهذا العام كان أسوأهم.
وللتذكير، فقد خصّص الملك عبد الله 1000 مكرمة حج لأهالي الأسرى الفلسطينيين، حيث خُصّصت حوالي 200 مكرمة لأهالي أسرى القدس والداخل الفلسطيني، وبعد أن جهّز الحجّاج أنفسهم وصلتهم رسالة تبلغهم بإلغاء زيارتهم للحج، ممّا أثار صدمة في نفوس الأهالي الذين يعانون الأمرّين من سلطات الاحتلال. وقد وُجّهت أصابع الاتهام تجاه وزير أوقاف سلطة رام الله محمود الهبّاش من قبل عدّة جهات، أبرزهم رئيس جمعية "أنصار السجين" في الداخل الفلسطيني منير منصور، الذي اعتبر عمل الهبّاش "تكريس للإقصاء والاستثناء ضد أهالي الداخل"، ورئيس جمعية "يوسف الصدّيق لرعاية الأسرى" فراس العمري.
بدوره نفى حينها وزير أوقاف السلطة محمود الهبّاش أي صلة له بشطب الأسماء، مدّعيًا أن السعوديّة هي التي غيّرت تقسيم المكرمات. وقد استنكر رئيس "نادي الأسير" قدّورة فارس ادّعاءات الهبّاش، نظرًا لكون المكرمات التي تمّ شطبها أو تغييرها تابعة لأهالي أسرى القدس والداخل، وهم الأسرى الذين شكّلوا -ولا يزالون- إحدى أكبر العقبات أمام صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل، مستبعدًا أن يكون ذلك مجرّد صدفة. جدير بالذكر أنه تم حلّ إشكالية أهالي أسرى الداخل بعد إعطائهم مكرمات حجّ جدد من المملكة السعودية بطلب من بعض المسؤولين.
هو أمر مؤسف أن يعاني المواطن الفلسطيني حتى في حجّه لبيت الله الحرام وعودته منه، لكن يبدو أن هذه المعاناة مقصودة لكل من لا ينبطع مع سلطة عبّاس-فيّاض ويتبع هواها.
فممارسات سلطة المقاطعة توضح بأنها أصبحت تعادي الدين ومظاهره إلى جانب الوطنية -بمعيارها الأصيل وليس بمعيار الدولارات- إذ سبق وأن قامت السلطة بمنع الأذان قرب المستوطنات الصهيونية وخفضت صوته بحالات أخرى لأنه "يزعج المستوطنين"، ومنعت تلاوة القرآن قبل الأذان بحالات أخرى، وفصلت كثير من خطباء المساجد بحجّة عدم تعيينهم من قبل وزارة الأوقاف. ووصل الحد بقوّات الأمن التابعة للسلطة باقتحام بعض المساجد لطرد الخطباء منها بالقوّة، حيث دنّس أفرادها المساجد بدخولهم بأحذيتهم وشتمهم المصلّين واستخدامهم العنف ضدّهم.
أضف إلى ذلك الحملة الشعواء لتسييس خطب الجمعة في مساجد الضفة الغربية، التي برزت في أمر الخطباء يومًا بالتعرّض للإمام يوسف القرضاوي وتشويه صورته بسبب خلاف السلطة معه، ناهيك عن الحرب العلنية على الحركة الوطنية والإسلامية، والتضييق على عناصرها وأسرهم وحتى تصفيتهم.
إن سلطة رام الله تثبت بأعمالها أنها سلخت عن نفسها أبسط مظاهر الوطنية، وأنه ليس لمسؤوليها وأتباعها أي حريّة وسلطة سوى التي تخدم وترضي أسيادهم في تل أبيب وواشنطن، وأنهم لا يأتمرون ولا ينتهون، إلا بما يأمرهم وينهاهم عنه "الوسواس الخنّاس" بأشكاله ومظاهره المتعدّدة، البعيدة كل البعد عن مصلحة الوطن وأبنائه.
وقد ذكّرنا الحاج "أبو محمود"، أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وأن العبد يتقرّب إلى ربّه زلفى بتغيير المنكر الذي تعيشه الأمّة.