أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
هل تكون أفغانستان فيتنام ثانية؟!

بقلم : رشاد أبوشاور  ... 10.11.2010

وجّه غورباتشوف رئيس حقبة تفكيك الاتحاد السوفييتي وصاحب نظرية (البريسترويكا)، نصيحة لقادة أمريكا بالخروج من أفغانستان قبل أن تتحوّل إلى فيتنام ثانية تجّر عليهم هزيمة فادحة.
غورباتشوف يعرف جيدا أن أفغانستان عجّلت بانهيار الاتحاد السوفييتي، وأنها من قبل هزمت الإمبراطوريّة البريطانيّة، وهو بنصيحته يبدي حرصا على مستقبل أمريكا، وقلقه مشروع لأنه لم يعد بلشفيّا، ففوائد الديمقراطية والليبرالية الاقتصادية جعلت حياته أكثر راحة، وهو يطمح للمزيد، فتكاليف الحياة ارتفعت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وموسكو صارت تنافس طوكيو في الغلاء رغم تواضع دخل الفرد الروسي أمام دخل المواطن الياباني.
أفغانستان البلد المتخلّف القاحل المعزول عن العالم هزم إمبراطوريتين وهو في سبيله لإلحاق الهزيمة بالإمبراطورية الثالثة، فهزيمة أمريكا باتت جلية للعيان، وليس هذا القول أمنية، ولا هو رجم بالغيب.
من يتابع أخبار أفغانستان يوميّا على الفضائيات، وفي الصحافة العربيّة والعالمية ووكالات الأنباء، لا بدّ أن يتوقف عند أرقام الخسائر البشريّة اليوميّة التي تلحق بقوّات التحالف، ولا سيّما القوّات الأمريكيّة، رغم الدفع بالمزيد من القوّات، سواء بتحريكها من العراق، أو نقلها من قواعد منتشرة في العالم، أو حتى من أمريكا نفسها، وهو ما يؤثّر على احتياطيها، ويحرمها من خوض حرب في مكان آخر من العالم، هي التي كانت تهيئ قواتها وجيوشها وأساطيلها لخوض أكثر من حرب في العالم!
ماذا أيضا عن مليارات الدولارات التي تُنفق من خزينة بلد يعاني من أزمة اقتصادية يعرفها المختصون وغير المختصين، وهي تتجلّى في البطالة، وإعلان المزيد من البنوك إفلاسها.
نصيحة غورباتشوف أعادت إلى الذاكرة صيحة القائد الثوري الأممي آرنستو تشي جيفارا: لتكن هناك أكثر من فيتنام في العالم..فيتنامان، ثلاثة، وحتى أربعة.
لم يحدد جيفارا فكر وأيديولوجيات الفيتنامات التي دعا البشرية لتفجيرها في وجه طغيان أمريكا، يسارية ماركسية، أم حركات تحرر وطنية، فأيّام جيفارا لم تكن هناك حركات مقاومة ذات عقائد دينيّة، إسلامية تحديدا، كما في أفغانستان، وفلسطين، ولبنان، تقاوم نفس (الأعداء) مع اختلافات في مفهوم (جهادها) و(مقاومتها)، وتباين منطلقاتها الإسلاميّة، واتساع وضيق نظرتها للحلفاء و..الأعداء! إذ منها من يجنح (طائفيا)، ومنها من يتشدد في انغلاقه، ومنها من ينطلق في (مقاومته) من رحابة في فهم وتفسير(الوحدة الوطنية) و(المواطنة)!
وأنا أتابع ما يجري في أفغانستان، ومع تصاعد الحرب هناك، ورجحان كفة المقاومة الأفغانية، وبروز الدلائل على رجحان كفة هزيمة جيوش التحالف التي جرّتها أمريكا وأغرقتها معها في رمال أفغانستان، طرأ على ذهني سؤال، ما أن يختفي حتى يعود من جديد ملحا، وهذا ما حدث عند قراءتي نصيحة غورباتشوف، واستذكار نداء جيفارا للبشرية المظلومة التي تئن تحت قهر وظلم أمريكا.
السؤال هو: هل يمكن لقوّة مقاومة(محافظة)، متدينة، حكمت في بلدها، وعرف توجهها، وجُرّبت، أن تُلحق بأمريكا هزيمة ثانية بعد الهزيمة التي ألحقتها بها فيتنام، ونجم عنها ما نجم لأمريكا خارجيّا وداخليّا؟!
السؤال هو عن أفغانستان، كما هو واضح، وهو عن (طالبان) التي تقاوم الاحتلال الأمريكي.
ومن هذا السؤال تتناسل أسئلة، وتتوالد: إذا كان لا تبرير لدى أمريكا لاحتلال أفغانستان - ومبرراتها غير الخافية دائما هي النفط، والسيطرة لأهداف ضمان الهيمنة، ولا صلة لمبرراتها بالديمقراطية- ففضيحة ديمقراطيتها في العراق تكفي، وما جاء في (ويكيليكس) غيض من فيض!- التي تسوقها دائما مبررا للعدوان والاحتلال.. أفلا يحّق للأفغان أن يدافعوا عن أنفسهم لتحرير بلادهم؟!
قد يسأل سائل: ولكن طالبان قوّة متخلفة، محافظة، سلفيّة، جُرّب حكمها وفشل؟!
بمثل هذا السؤال يتّم تبرير احتلال أمريكا، وربّما احتلال غير أمريكا.ألا يقدّم الكيان الصهيوني نفسه على أنه(واحة) الديمقراطية في الشرق الأوسط؟!
وسؤال مشتق وضروري: ألا يُلّح ذلك الكيان على الفلسطينيين أن يعترفوا به(دولة يهودية)، يعني دولة(دين ودولة وقومية يهودية)؟! أليست العقيدة الدينية، رغم وجود قيادات كثيرة غير مؤمنة هي أساس مكوّن ومبرر ذلك الكيان الذي تباركه تصريحات قادة أمريكا كـ(دولة) يهوديّة؟!
لسنا نحن من يريد لأفغانستان أن تكون دولة دينيّة، فهذا الأمر يعود لشعبها، ونحسب أن تصاعد مقاومة الشعب الأفغاني برهان على أن مقاومته غير معزولة، بل وتحظى بتأييد قطاعات واسعة من الشعب الأفغاني، وهذا ما يعترف به جنرالات أمريكا، وإن كانوا يقللون من التفاف الشعب الأفغاني الذي يبطشون به يوميّا، ويوقعون القتلى من أبنائه وبناته خدمة لنشر الديمقراطيّة بديمقراطية الآباتشي والاف الصواريخ التي تجرّب يوميا على لحم فقراء أفغانستان!
لسنا نعرف كيف ستحكم طالبان أفغانستان من جديد بعد هزيمة أمريكا هناك، في تلك الجبال الجرداء، والصحارى، والكهوف، والأرض المحروقة، ولكننا نعرف أن شعب أفغانستان يحتاج للكهرباء، والماء، والمدارس، والعمل، وزراعة أرضه، وتعليم النساء، والعناية بالصحة..وطبعا متابعة الأخبار عبر الفضائيات، وسماع الموسيقى المحليّة وغيرها!
شعب أفغانستان سيعرف كيف يمسك بمصيره بيديه بعد كل تجاربه المرّة مع أعداء الخارج، ومع من قادوه من فشل إلى فشل بسبب صراعاتهم على المكاسب، وعجزهم عن تحقيق الوحدة الوطنية، وتضييعهم لانتصارات رويت بالدم.
ويبقى السؤال: هل يمكن لقوّة متخلّفة بمقاييس الغرب الاستعماري، وبمقاييس الليبراليين والديمقراطيين(العرب) ..أن تهزم أكبر قوّة في العالم:أمريكا؟!
الحرب ستحتدم هناك في أفغانستان، فالمحافظون الجدد يعودون، وها هي انتخابات الكونغرس تعطيهم دفعة منعشة، وها هي فضيحة تحالفهم مع اللوبي الصهيوني، وحتى بلسان زعيمة حزب(كاديما) التي اتهمت نتنياهو علنا بأنه هو سبب خسارة أوباما بدفعه اللوبي اليهودي للتحالف مع الجمهوريين والتصويت لهم، والذين بدأوا يزأرون مكشرين عن أنياب ستبّز وحشية وجنون وحماقة بوش الابن إذا وقعت قيادة أمريكا في قبضتهم بعد سنتين!
أحسب أن فيتنام أفغانستان ستكون أكثر شراسة، ونتائجها أكثر كارثيّة على المحافظين الجدد(الرجال البيض الأغبياء) في أمريكا، الذين واضح أنهم لا يتعلمون، بل سيزدادون حماقة، والذين قد تطال حماقاتهم بلادنا، إذ لا يجب أن يغيب عن تفكيرنا أنهم حلفاء نتنياهو وزعرانه في تل أبيب، واللوبي الصهيوني داخل أمريكا.