بقلم : د.عبد الستار قاسم ... 11.11.2010
التنسيق مع إسرائيل نقيض الوحدة، ونقيض الشعب الفلسطيني، ونقيض الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، ونقيض الاستقلال والحرية. التنسيق الأمني مع إسرائيل عبارة عن استنزاف أخلاقي ووطني وديني وتاريخيى ومعنوي وعاطفي وذهني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وهو وصمة عار مقرفة على جبين الشعب، إذا بقي هناك جبين. لقد وضعنا التنسيق الأمني مع العدو الذي شرد الشعب واغتصب الأرض في خزي تاريخي أمام أنفسنا وأمام الأمم، وجعلنا أضحوكة للتندر والاستهزاء. من في التاريخ وقف على أبواب جلاديه وقاتليه ومغتصبيه يحرسهم وهم يزنون وينتهكون غير أصحاب التنسيق الأمني من الفلسطينيين؟ ولا يبدو بأن الدعوة للخجل قد باتت تنفع.
فهل من الممكن أن تتم وحدة الصف الفلسطيني على أرضية التنسيق الأمني مع إسرائيل؟ نحن أمام أمرين: إما أن نتوحد بناء على الاعتراف بإسرائيل وخدمتها أمنيا، وإما على قاعدة العمل على استعادة حقوقنا. ربما يقول أحد إن التنسيق مع إسرائيل يوصلنا إلى حقوقنا الثابتة، ولكن عليه أن يجيب كيف يمكن أن يستعيد مظلوم حقه من خلال خدمة ظالمه؟ ربما يشفق الظالم عليه قليلا فيعطيه شيئا، لكن الظالم لن يكون ظالما إذا أعاد الحقوق لأصحابها. وقد جرب أصحاب التنسيق الأمني على مدى عشرين عاما تقريبا، ورأوا أن طلبات إسرائيل الأمنية لا تنتهي، وأنها لا تبحث عن إعاداة حقوق وإنما عن استعباد الفلسطيني ليكون حارسا أمنيا لها وتحت إشرافها مقابل فتات من المال تقدمها الدول المانحة بإذن من إسرائيل ذاتها. حتى لقمة خبز هؤلاء الذين يتوهمون أنهم سيقيمون دولة تبقى تحت رحمة إسرائيل، وكان عليهم أن يتعلموا أن فلسطين قد تحولت إلى راتب وسيارة ومتع لبعض القيادات، وأن ما يتغنون به من حقوق ثابتة ليست إلا مجرد شعارات إعلامية لا قيمة لها.
من يريد الوحدة، عليه ان يتوقف عن التنسيق الأمني، أي عليه أن يرفض الاعتراف بإسرائيل، ويرفض كل ما ترتب على هذا الاعتراف. وله أن يختار ما بين الوحدة مع شعبه أو خدمة عدو من كان شعبه. من يصافح العدو لا يصافح الشعب، ومن يلاحق بندقية مقاتل فلسطيني لا يدعي أمن الشعب، ومن يتواطأ مع العدو يتوارى عند الحديث عن الوطن والوطنية.
لكي نحل الأزمة، علينا أن نميز بين الأمن المدني والأمن الوطني. الأمن المدني يجب أن يكون بيد الشرطة، مع ضرورة إحداث تغيير جوهري في هيكليتها وإدارتها. أما الأمن الوطني فلا يمكن تحقيقه من خلال أجهزة أمنية علنية ذلك لأنها لا تملك القوة الكافية لمواجهة جيش نظامي كجيش إسرائيل. الأمن الوطني يجب أن يكون بيد المقاومة التي يجب تطويرها بطريقة تتلافى أخطاء الماضي، واختراقات الصفوف، والعشوائية في العمل. ولهذا من الضروري حل الأجهزة الأمنية القائمة حاليا من مخابرات واستخبارات وامن وقائي وغير ذلك، واستيعاب أفرادها في مؤسسات ومرافق مدنية. نحن لسنا بحاجة لمن يلاحقنا ويكتب فينا التقارير، ويطردنا من أعمالنا، ويحاربنا في لقمة عيشنا. نحن بحاجة لمن يقف معنا في مواجهة إسرائيل.
ولهذا مطلوب من حماس أن تتوقف عن المطالبة بإصلاح الأجهزة الأمنية لأنها في ذلك تعني أنها تريد أن تكون شريكا في إدارتها والسيطرة عليها. نحن لسنا بحاجة لهذه الأجهزة في الضفة الغربية، ويجب حلها. المطلوب تطوير المقاومة على أسس علمية ومهنية، وإقامة قيادة موحدة سرية لها في مكان سري في هذا العالم، وعلينا أن نودع العلنية في العمل، والعنجهية في استخدام السلاح. وأظن أن الجميع أصبح على يقين بأن السلاح العلني في ظل الاحتلال إما سلاح خائن أو جاهل. وإذا كان لمحادثات المصالحة والوحدة أن تكون حقيقية فإنه مطلوب من حماس وفتح أن يوكلا الأمر لخبراء فلسطينيين ومستقلين للتفكير في الوضع الأمثل للشعب الفلسطيني، ووضع ميثاق جديد يلتزم به الجميع.