بقلم : سهيل كيوان ... 02.12.2010
أقر كنيست النظام العنصري في إسرائيل قانوناً جديداً يلزم بإجراء استفتاء شعبي إذا ما قررت حكومة ما أن تنسحب من أراض عربية كانت قد احتلت عام 1967، أي أن الحكومة لم تعد قادرة على اتخاذ قرار بانسحاب ولو كان بسيطاً ، وعليها أن تعود إلى الشعب، فهو الذي احتل وهو الذي يقرر أن يبقى محتلاً لهذه البقعة أو تلك من الأرض العربية، ولا إرادة فوق إرادته، فهو الذي دفع دمه يوم احتل هذه الأراضي وهو الذي سيدفع دمه في الحروب القادمة، ولأن الحكومة تحترم الشعب قررت أن تمنحه حق تقرير المصير ليس لنفسه فقط، بل للشعب الآخر، أرضه، بيوته مزروعاته وحتى نوع ثقافته...لأن الشعب الآخر ما زال قاصراً وقد يسبب الأذى لنفسه ولأولاد الجيران إذا ما ترك يتصرف على هواه...
وهذا يعني أن جماهير كرة القدم التي تبلغ الذروة الجنسية وهي تهتف'الموت للعرب..الموت للعرب'هي التي ستقرر مصير الأراضي العربية المحتلة ومن عليها، فلا مجلس أمن ولا أمم متحدة ولا رباعية ولا سباعية ولا ضغوط شرقية أوغربية. فإذا حُشرالنظام في يوم من الأيام واضطر أن يقرّ انسحاباً ليخفف عبئاً افتراضياً فوق طاقته فإنه سيقول 'منكم للشعب تصطفلوا'..وإذا الشعب يوماً أراد الاحتلال... فكل مفعول حلال.
وحينئذ ستجري اتصالات سرية إقليمية ودولية لمنح جماهير كرة القدم مكافأة تشجيعية لحضها على التصويت لصالح الانسحاب من مستوطنة فوق نابلس.. مثلا أن تكون إسرائيل عضوا دائماً في مجلس الأمن الدولي، ولكن مجلس الأمن الدولي وحق النقض لا يهم جمهور كرة القدم أصلاً، ولهذا يضاف إليه رئاسة اتحاد كرة القدم الدولي(الفيفا). حينئذ قد يتحمس هذا الجمهور ويصوّت بنسبة قد تصل إلى 30' تؤيد الانسحاب مقابل رئاسة(الفيفا)، وعضوية دائمة في مجلس الأمن.
سيقول الرافضون منهم....ما حاجتنا إلى مجلس الأمن ما دامت أمريكا وخزائنها في قبضتنا...وهل يعقل أن نتنازل عن أجزاء من الأرض المقدسة مقابل رئاسة(فيفا)لا تدوم؟.
وهنا سيتم حض جامعة الدول العربية بأن تقبل التفاوض مع ممثلي جمهور باعة الخضار والفلافل والشاورما وكرة القدم وبيوت الدعارة وعلب الليل في أورشليم وتل أبيب حول مصير عرائش البطيخ في غور الأردن....وطبعاً للجامعة العربية كرامتها وسوف ترفض مثل هذا الاستهتار بالمسيرة السلمية...
كل هذا ولم نصل بعد إلى قضيتي القدس واللاجئين، فمن سيجرؤ أصلا على إجراء استفتاء في هاتين القضيتين....وهل يرضى العرب أن يجروا استفتاء بأن تكون مكة المكرمة تحت سيطرة إيران مثلاً....إذا كيف يريدوننا أن نجري استفتاء حول مصير القدس.
في الفترة الأخيرة أصدرت 'قوى الاستحمار العالمي' اسطوانة الشيعة والسنة، وهي عبارة عن عدد من (الكليبات)ذات الإيقاع السريع التي تقول إن المشكلة الأساسية في منطقة الشرق الأوسط وحتى الأقصى هي بين الشيعة والسنة..فلا احتلال، لا تهويد لا قدس ولا لاجئون، لا صراع حضارات ولا ثقافات، لا ابرتهايد، لا عنصرية، لا حصار ولا دروع بشرية، لا أسرى، لا مجازر، لا بلفور ولا هتلر، لا قسّام ، لا نكبة ولا ثورة، لا استيطان لا خيانة، لا ترانسفير ولا صراع حتى على طبق الحمّص وبالنّص فول....
قبل ظهور حزب الله كقوة مقاومة لها وزنها الإقليمي كانت قوى الاستحمار تعلن أن الصراع هو بين قوى الخير والاعتدال والسلام والمحبة من جهة وقوى الشر والحقد والخراب من جهة اخرى، كانت منظمة التحرير في بيروت وحلفاؤها اللبنانيون هم المتطرفون، وهم قوى الموت وأعداء السلام والمحبة والإنسانية، وقبلهم كان عبد الناصر هو هو عدو السلام، وكان البعثيون، وكان الأمميون، وكان القوميون. فأعداء السلام يقفون بالدور ويدخلون بتغير معادلات الاستحمار. فكم متطرف منبوذ صار معتدلا لطيفاً قريباً الى القلب، وكم لطيف محبوب صار أكثر جرباً ونبذاً من بعير طرفة. وها هو شمعون بيريس وهو من كبار منظري فلسفة الاستحمار يشمّر ويستحمر الأوكرانيين فيقول لهم أثناء زيارة له في الأسبوع الماضي 'لبنان كان دولة هادئة لولا وجود حزب الله الذي يرتدي عباءة الدين'. ويكاد بيريس أن يوهم الأوكرانيين السذّج بأن مذهب أبي حنيفة يقر بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وسورية ترفض استعادة هضبة الجولان لأن هذا قد يضرب أسعار التفاح المحلية.
حتى ليبرمان لم (يصفط) معاوية بن أبي سفيان وأبنائه، وأعلن أن المشكلة الأساسية في المنطقة هي بين الشيعة والسنة.....وطبعاً هو الآن من أنصار معاوية...رغم أنه لو كان بينه وبين الناس جنزير لقطعه.....
في لفتة استحمارية يعترف بوش في مذكراته بأن إدارته استحمرت العالم يوم ادعت وجود أسلحة دمار شامل في العراق وحاصرته ودمرته، ويعترف بتشجيعه اسرائيل على التخلص من حزب الله عام 2006 وأن أمه قالت فيه 'أنت أول رئيس يهودي للولايات المتحدة'. ورغم اعترافاته فهو ما زال محرناً ومصراً على أن لجنة التحقيق في مقــــتل الشهيد رفــيق الحريري نزيهة...ويبدو أن الجزء التالي من المؤامرات على لبنان والمقاومة سيكتب لاحقاً.
أما نتنياهو فلم يجدد شيئاً وبقي على روتينه باستحمار قادة الأمة، فاتهمهم بالجبن بعد ما نشر في وثائق ويكيليكس، حيث قال:'على القادة العرب أن يكونوا أكثر وضوحا وجرأة.. وأن يصارحوا شعوبهم في موقفهم من مهاجمة إيران'.
وكأن المساكين لم يثبتوا جرأتهم وشجاعتهم يوم اشتركوا في حصار العراق وتدميره... وأي شجاعة وجرأة أكبر من إعلان أكبرهم أن حزب الله لم يحسبها جيداَ. وما هي الشجاعة إن لم تكن يوم وقفوا ينظرون غزة تذبح وتسلخ أمام أعينهم، وهل من شجاعة بعد شجاعة الصبابة على بيروت أيام ذبحها مرات ومرات. ألم تزكيهم جرأتهم ورباطة جأشهم طيلة أعوام حصارعرفات والجرافات في المقاطعة تنقر أسطح الباطون فوق رأسه...ألم يتحلوا بالشجاعة والكياسة وما زالوا بتجاهلهم طريقة موت زميلهم الشهيد ياسر عرفات....
بعد كل هذه البطولات يطالبهم نتنياهو بأن يتحلوا بالشجاعة...
المنطق السليم يقول إن شجاعة القادة العرب في المحصلة ليست مصلحة إسرائيلية. وأعتقد أن نتنياهو وقع في خطأ مميت. وها هو ما حسبناه قد وقع بالفــــعل. فتصريحــاته وقوانينه استفزت القادة العرب وقرروا الذود عن كرامتهم وأن يتحلوا بالشجاعة فعلاً كما يطلب نتنياهو تماماً....لقد قررت الجامعة العربية الرد على قانون الكنيست الجديد بشأن الاستفتاء الجماهيري بنفس العملة. وردّت قضية تحرير أو عدم تحرير الأرض إلى الأمة العربية، نعم قررت الجامعة العربية إجراء استفتاء من المحيط إلى الخليج....عزيزي المواطن...في الوطن العربي الكبير وحيثما كنت على سطح الكرة الأرضية...هل توافق على استمرار هذا الاستحمار أم لا.....عزيزي المواطن ستجد وراء الستارة ورقتين...واحدة تحمل صورة حمار والأخرى تحمل صورة حنظلة الشهيرة..إختر ما تراه مناسباً...