أحدث الأخبار
الأحد 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
الحريه لاسرى الحريه : لنكون يوماً!!

بقلم : د.علي شكشك ... 15.12.2010

يفتح الملتقى الدوليُّ لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال على عناوين كثيرة, عناوين تشتعل في الروح, فهو يعيد الثقة في إمكانيات كثيرة وطرائق عديدة تتفتق مع المرحلة, ويمكن ارتيادها لتفعيل المشهد وإضاءة الدرب, ولملء الفراغ الناشئ عن الاحتباس السياسي والعبث الصهيوني الذي هبط إلى حدِّ اللامبالاة والاستخفاف وتغوّل واستشرى إلى حدِّ يتجاوز المنطق والعقل, مراهناً على عجزنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس, فطمع في الأرض والقدس, واستثنى اللاجئين بلا حدود, وتبنّى استفتاءً عامّاً لإقرار أيِّ اتفاق سلام يتم التوصل إليه في خطوةٍ تهدف إلى ضمان إعاقته, كما ينوي إعلان القدس عاصمةً "للشعب اليهودي", كما أنّه يجدها الآن فرصةً ملائمةً لإعلان علوّه النهائيّ حين يشترط الاعتراف بيهوديّة الدولة, ليرسّخَ في التاريخ الكونيّ خطأنا الكوني عندما جاء أجدادنا هنا قبل أوهامِه وليرسّخ خطأنا الكونيّ عندما سكنّاها ذات يوم ولينفي أيَّ معنى لإسراء رسولنا إليها ومعراجه منها وعودته إليها من السماء, إلى المسجد الأقصى في عودته إلى المسجد الحرام, ولينفي تاريخ الأنبياء ووحدة الرسالة وصحة البشارة بل لينفي جوهر موسى والمسيح, وأنّ الأرض لله يورثها من شاء, لينفي باختصار كلَّ روايةٍ إلا روايته, وكلَّ رؤيةٍ إلا رؤيته, هم باختصار "يريدون لِطفئوا نور الله",
فالنجاح والحماس اللذين اتسم بهما الملتقى والآمال الكبيرة التي رافقته والانتعاش الذي خيّمَ على الأسرى والفلسطينيين والأحرار الذين يألمون للظلم, كلُّ هذا أعاد الروح للكثيرين وفتح نوافذ وآفاق كثيرة, فإذا كانت المنافذ قد سُدَّتْ في منعرجات المحادثات, فإنّ دروباً أخرى قد تشقّقت, تماماً كما يحدث عندما تنحبس قوى الفيزياء وتُغلَق المتنفسات أمامها, فإنها تشقُّ طرقاً أخرى تنساب فيها الطاقة وتنفرجُ منها الصدور,
فلعله من المناسب تكثيف الجهود والعزوم في مناحي عناصر النكبة الفلسطينية وعناوينها وتداعياتها, والاشتغال عليها كما ينبغي, انتظاراً لتطوير حالةٍ تستطيع حسمَ الصراع, علماً بأنّ هذا المنحى نفسه قد يكون أحدَ آليات بلورة تلك الحالة وإنضاجها,
فالأسرى هو أحد العناوين التي يُرفعُ به صوت الألم الفلسطيني ويشدّ الوعي إلى عناصره الأولية, ويفتحُ على بوابة الوعي آفاقاً, وينزعُ القناع عن الوجه القبيح والكذب الصريح لدولة الزيف والتمييز والإبادة العنصرية, تماماً كما تعرت أمام العالم يوم هاجمت السفينة مرمرة وأصبحت تلك "الدولة" الصهيونية في العالم رمزاً للخزي والعار والخروج والمروق, ولم يبق أحدٌ إلا ويخجل من وجودها, وأصبح أنصارُها يضعون أيديهم على قلوبهم ويخشون من وشيك انهيارها, فقط كان علينا وما زال أن نواصل صوتنا ونصله بأصواتٍ أخرى, وأن نجيد استثمار المناخات التي تنفتح أمامنا, فلنراكم قضايا الأسرى حتى تصبح أبجدية في المنتديات والمحافل ووسائل الأعلام,
ولننفض الركام عن قضية الجدار, وقرار محكمة لاهاي, وليكن هناك ملتقيات دولية موازية لمسألة اللاجئين, لننفض عنها كلَّ غبارها, لنعلن قرارات الأمم المتحدة بشأنهم, لنعرض لحقِّ العودة, والالتزامات التي وضعتها الأمم المتحدة أمام "إسرائيل" شرطاً للاعتراف بها في قرار الاعتراف الشهير, ولنرفع القضايا لمحاكمة مجرميهم, ولنطالب باستعادة ملكية الأراضي التي سمّوها أراضي الغائبين,
لِنصعّدْ مطالبنا في كلِّ اتجاه, لنفتح عليهم وعلى العالم كلّ بواباتنا, ولنفتح كلّ جرحنا, ليكن صراخنا أعلى من زيفهم, دون أن نتنازل عن آهةٍ واحدةٍ من آهاتنا, ولا عن يومٍ واحدٍ من معاناتنا, ولا عن أيّ بابِ بيتٍ خشبيّ في أيّ قريةٍ عزلاء منسية, ولا عن أي صفحة في التاريخ,
أعرف أنهم لن يمنحونا باختيارهم أيَّ شيء, لكن الاحتباس الذي يمارسون فينا, سينقلب عليهم, والمعركة تدور رحاها على مساحات الوعي والتعاطف الإنساني في كامل مدارات الكرة الأرضية, وفي مساحات الاحترام الدولي ومؤسساته, وفي وجدان التاريخ, وفي روايات الروائيين وأشعار الشعراء, لتكون سيرتهم الذاتية الحالية تواصلاً لما كتب أدباء الغرب عنهم على مدار التاريخ من همنغواي إلى شكسبير,
ليكن هكذا, ما دام الاحتباس مطبقاً على كلِّ المسارات, وما داموا يغلون في أرضنا وينفون شعبنا من الأرض والتاريخ والمقدس, ويلاحقوننا في الماء والهواء والأعضاء, لعلّ هذا يضيء طرقنا, ويفتح آفاقنا على إبداعاتٍ أخرى, ولعله يكون استهلالاً ودفيئةً لولادة وعيٍ عالميٍّ جديد, وفكِّ أسرِ طاقاتٍ جديدةٍ فينا, وتوثيقِ حالةٍ تلاحمنا, تجمعنا على بؤرةٍ مقدسةٍ فينا, وتلمّ ما تناثر في لهونا واهتماماتنا وانشغالاتنا, وتبلور سياقاً لحالةٍ تحسم الصراع لنكون يوما ما نريد.