أحدث الأخبار
الاثنين 25 تشرين ثاني/نوفمبر 2024
أطواق_الجزء 3

بقلم : نبال شمس ... 5.6.07

اليهم: أناهم, أنّاتهم, وحلم الطفولة مكسور
دانا, يا وجه القمر
دانا يا وجها آخر
يا شفة الزنبق
والبوح الحزين
دانا, حلم طفولة مكسور
ليس هو القمر
ولا النجوم
دانا, يا وجها آخر
يا قمرا مذبوحا منذ التكوين
خذيني ومعاناتي إليك
لعالمك الحزين
احبك, دانا, كما أنت
أحبك, دانا, ككل الأطفال
احبك, لأنك إنسان
يا حزنا ابيضَ وجرحا يتلألأ
في عتمة الحارات
هناك يركض ألأطفال
يلعبون وينامون
وأنت وأنا ننتظر
الصباح الأجمل
اقتربي يا دانا
مدي يديك
انثري حزنك
ضميه بين أصابعي
جديلة ً
فكلانا إنسان
وأنت الإنسان
أنت الإنسان يا دانا أنت الإنسان الذي ولدتُ لألقاه. انتظريني كأنامل أمي الصغيرة. أقسم لك يا دانا أن من أخرجني من رحمها ليست يد طبيب أو ممرضة, بل أنا من خرج وحده بعيون مفتوحة وجسد أصفر, لن أقول لك يا ليتني مت هناك, لأني لا أعرف ماهية الموت تماما كما أجهل ماهية الحياة.
هل نصعد الدرج المطوق الآن أيتها الإنسان؟ هل ترين يا دانا كم من الناس تنتظر قدومي على الدرجة الأولى؟ هل ترين الألعاب والشر اشف والحفاضات الغالية الثمن؟ هل ترين باقات الازهار الجميلة التي وصلت إلى بيتنا؟هل أقرأ لك البطاقات وما ثرثرت جداتي الصغيرات فرحا بقدومي؟ أنظري إلى غرفتي الجميلة وسريري الناعم والبالونات الملونة.كل هذا من أجلي يا دانا, من أجل قدومي وتشريفي الكون, ولا أحد يعلم إرادتي بعبور الدرج إلى الطابق السابع حيث ولدت.
عشرات الوجوه تجمعت حولي. وجوه لا اعرفها عدا وجه أمي صاحبة العيون المتسعة. الكل يضحك لي ، يريد إنتزاعي من حضن والدتي, الكل يريد لمس خدودي الناعمة ولمس شعري الأملس الغزير, كل يريد مواساتي, هل تسمعين صراخي وبكائي الشديد. لا أريد أن يحملني أحد ٌ ولا أريد الكف عن البكاء. أمي تحملني ولا تعرف كيف تحملني. الكل يتكلم عني وعن قدومي, ولا أحد يرى القروح في أنحاء جسدي, لا أحد يرى حلقات دمي تسيل على الأرض, ولا أحد يعلم كم صارعت النور الداخلي والنور الخارجي. كلهم يقرأون حولي كلام الله وأنا لم أكف عن عنادي وبكائي. كل يحاول مساعدة أمي ولا أحد يحاول مساعدتي وتخليصي من روح تلبستني ولا أريدها.
أهي روح شريرة يا دانا؟
لا ، ليست روحاً شريرة, فما أصعب وقع هذه الكلمة على صدري وعلى قلبي وعلى لساني. ليست روحا شريرة بل بيضاء مجردة من اللؤم والخبث وبالوقت ذاته مجردة من الفرح ومن العادي. روح بيضاء مجردة من الأبيض. ضعيفة ومتمردة وحزينة. ليست مرغوبة مني ولا من أحد . فلو أن العالم مثلنا لما احتجنا أن نصارع المعاناة, لما قهرنا وبكينا وتقوقعنا داخل دوائرنا الهشة القوية.
هل ترين يا عيون دانا كيف تلاشت الامور, وذبل الزهر وخفت الضوء في غرفتي؟
انظري إلى عيون أمي كيف اكتسحها التعب والسهر؟ فلا احد يقوى على ضمي إليها, حتى ثدي أمي قاومته حتى حرمت من حليبها.
أواه ! أكتب أتنفس ألما, أتنفس الماضي وأدخنه, ألملمه وأعيد ترتيبه, فكم أنا متعب ومرهق من عبء السنين ومن وطأة الزمان علي وعلى نفسي التي لم أخترها ولا أعرف من أين أتتني وكيف تلبستني.
هل عيونك ما زالت حولي؟ تعالي وأجمعي ضمات الورد الذابل والبطاقات وانثريها على العالم, قولي لهم دوائري لم تكتمل بعد, أرسلي لهم الزهر الذابل ووقعي عليه اسمك بدل الأسماء الموجودة واكتبي "الأخوث" تحت اسمك, أكتبي لهم "أنا لست أنا ونفسي ليست نفسي" قولي لهم خرج ليبحث عن روح أخرى ويستحم بماء النور.
آه يا دانا الجمال ودانا الحب ودانا الصبر ! من يشعر بصبري وصبرك على ما نتحمله أنت وأنا.
المسي أناملي يا دانا لنعلو أكثر وأكثر, ساعديني أرجوك, فأنا الآن في أصعب مراحل حياتي.
أحتاجك يا دانا.
احتاجك أيتها النجمة الجميلة,
أيتها الرذاذ الذي يلف حروفي.
أيتها الروح التي تنتظر دون إدراكها بالانتظارات
ترسم طوقا بعيدا وقريبا
دون الزهري ودون الأحمر.
دانا يا فجر الصراعات
على جدران زنازيننا الداكنة
هناك نطبع ألمنا ونخرج كأطياف غير مرئية.
ما زلت ماشيا على الدرج إلى أعلى, تاركا أمي تبكيني وتبكي وحدتها وتوحدي. تاركا ضعفي وهشاشتي في عالم النور. العالم الذي أتيت إليه ولا أعيش به. النور الساطع الذي أحرقني ودمرني تماما مثلك يا دانا, كما دمرت أنت.
يا حرقتي... يا حرقتها
يا ألمي ..يا ألمها
يا أنا .. يا أناها
يا ألما ذبحني وذبحها
اعذريني أمي , أعذري أخطائي وتمردي, أريد أن أصل إلى نفسي الضائعة. أريد التحرر من أنا فثمة حياة ما بعد التحرر.